انفتاح كبير في العلاقات مع سورية وزخم كبير لمشروع الشام الجديد مع العراق ومصر. حفل عام 2021 بالعديد من الأحداث الصاخبة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على الساحة الأردنية، ولم يكن أفضل حالاً من السنوات السابقة بالنسبة لكثيرين من الأردنيين، بخاصة مع استمرار تداعيات جائحه كورونا للعام الثاني على التوالي.
لكن الأحداث السياسية أتت في مقدم أبرز ما شهدته البلاد من تطورات مفصلية، العام المنصرم، كقضية” الفتنة” و”اتفاق النوايا” مع إسرائيل، فضلاً عن الانفتاح الكبير في العلاقات مع الجارة سوريا بعد سنوات من القطيعة.
اتفاق النوايا مع إسرائيل
في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ضجت الساحة الأردنية بتوقيع الحكومة اتفاق نوايا مع إسرائيل برعاية إماراتية، بهدف بحث الجدوى من مشروع مشترك للطاقة والمياه، وقوبل الاتفاق برفض شعبي وبرلماني وتظاهرات حاشدة في الشارع الأردني، وبررت الحكومة الاتفاق بالحصول على نحو 200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، مقابل حصول إسرائيل على الطاقة من الأردن، وجاء الاتفاق في وقت أعلن فيه الأردن، أنه يمر بأسوأ أزمة مائية في تاريخه، حيث جفت السدود، وتراجعت حصة الفرد إلى مستويات منخفضة جداً، وفي ما يبدو أنه رد على الانتقادات التي طالت الاتفاقية، قال الملك الأردني عبد الله الثاني، إنه “لا يمكن لأحد أن يشكك في مواقف المملكة تجاه الشعب الفلسطيني”.
وناقش مجلس النواب الأردني اتفاقية “الطاقة مقابل المياه” في جلسة عاصفة تخللتها الاتهامات، وخيرت الحكومة الأردنية النواب والأردنيين، ما بين الموافقة على الاتفاقية أو العطش.
موازنة مثقلة وأعباء اقتصادية
في الشأن الاقتصادي، تواصلت في عام 2021 المصاعب والتحديات التي راكمتها جائحة كورونا، فلم يخلُ مشروع الموازنة للعام الجديد من عجز متوقع بنحو ثلاثة مليارات دولار، بينما سجل إجمالي مديونية الأردن ارتفاعاً كبيراً، ليبلغ 48.3 مليار دولار، وعلى الرغم من خلو الموازنة الجديدة من الضرائب، والعودة التدريجية لفتح القطاعات منذ يونيو (حزيران) الماضي، لا تزال قطاعات اقتصادية كثيرة تعاني وتتعافى بصعوبة بالغة، وحاول الأردن تحريك تجارته البينية بإعادة فتح معبره الحدودي مع سوريا، ونجاحه في إقناع الولايات المتحدة باستثنائه من عقوبات “قيصر” المفروضة على النظام السوري، من ثم الإعلان عن تزويد لبنان بالغاز والكهرباء.
ويتوقع أن ترتفع في العام الجديد 2022 أسعار الكهرباء بعد تطبيق التعرفة الجديدة، في وقت شهد عام 2021 ارتفاعاً كبيراً لأسعار المحروقات ولسبع مرات متتالية.
عام “الفتنة”
غير أن أبرز ما شهده الأردن من أحداث مفصلية في 2021 هو قضية “الفتنة”، التي كان الأمير حمزة الأخ غير الشقيق للعاهل الأردني، أحد أبرز أبطالها إلى جانب رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله.
ففي أبريل (نيسان)، فوجئ الأردنيون بحديث السلطات عن إفشال مخطط للانقلاب، تورط فيه عدد من المسؤولين الأردنيين واصطلح في ما بعد على تسميته بقضية “الفتنة”.
ووسط مشهد مرتبك، ومعلومات شحيحة، طالب الجيش الأردني من ولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين ما سماه “التوقف عن تحركات ونشاطات توظف لاستهداف أمن الأردن واستقراره”، وأكد الأخير خضوعه للإقامة الجبرية، بعد خروجه في تسجيلات مصورة ينتقد فيها ما سماه سوء إدارة البلاد.
وفي وقت طوى العاهل الأردني الخلاف تحت عباءة العائلة المالكة، وأعلن أن الأمير حمزة في قصره وتحت رعايته وكنفه، أسدل القضاء الأردني الستار على القضية الأبرز في تاريخ المملكة حيث قضت محكمة أمن الدولة الأردنية، بالسجن 15 عاماً مع الأشغال المؤقتة، على رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد.
وثائق “باندورا”
ومع ورود اسم الملك الأردني في وثائق “باندورا”، ضمن تحقيق استقصائي ضخم نشره الاتحاد الدولي للصحافيين، والحديث عن امتلاكه عقارات في أميركا والمملكة المتحدة بقيمة بلغت 100 مليون دولار، وعبر ملاذات ضريبية، نفى الديوان الملكي الاتهامات، وقال إنها مغلوطة وتشوه الحقيقة، كما أنها تهدد سلامة الملك وأسرته، وحاول الإعلام الرسمي القول، إن العاهل الأردني يواجه حملة شعواء، بسبب مواقفه المتصلبة في ما يخص القضية الفلسطينية، لكن نشر هذه الوثائق هز الثقة الشعبية بالقصر الملكي.
وبينما تعاملت السلطات مع تسريب هذه الوثائق بالتكتم وحجب الموقع الإكتروني الذي نشرها، وجدت المعارضة الأردنية ضالتها، واحتفت بالمعلومات والتقارير لانتقاد النظام الأردني، ورد محامي الملك الأردني الخاص على الاتهامات بالقول، إنه اشترى هذه العقارات من ماله الخاص، وليس هناك ما يعيب استخدامه شركات تتخذ من الملاذات الضريبية مقرات لها في شراء هذه العقارات، وقال مراقبون، إن الأرقام الواردة في التسريبات لا تنطوي على أي شبهة مالية، وتتلاءم مع مخصصات الملك وثروته وأملاكه التي ورثها من والده الملك الراحل الحسين بن طلال خلال 20 عاماً مضت.
الإصلاح السياسي
وفي قرار مفاجئ ربطه مراقبون بفوز الرئيس الأميركي جو بايدن بالرئاسة في الولايات المتحدة، كلف الملك عبد الله الثاني في يونيو رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، بتشكيل لجنة لتحديث المنظومة السياسية، ضمت 92 شخصية من أطياف سياسية وحزبية مختلفة.
وبعد أشهر من المداولات، أقرت اللجنة جملة من الإصلاحات السياسية كان أبرزها تعديلات جوهرية على قوانين الانتخاب والأحزاب والتعديلات الدستورية التي أضافت صلاحيات جديدة وواسعة إلى العاهل الأردني، الأمر الذي أثار انتقادات حزبية وبرلمانية باعتبارها انقلاباً على الحياة الديمقراطية، ودشن الملك الأردني ما يمكن وصفه بالمصالحة الداخلية، بعد إعلانه العفو الخاص عن كل المحكومين بتهمة “إطالة اللسان”، وهي التهمة التي تتعلق بالإساءة إلى الملك وأفراد عائلته.
حكومة أزمات
وفي أكتوبر (تشرين الأول)، قدم وزراء حكومة بشر الخصاونة استقالتهم تمهيداً لرابع تعديل حكومي، بعد تكليفه خلفاً لحكومة عمر الرزاز، ووصفت حكومة الخصاونة بحكومة الأزمات وشهدت العديد من الاستقالات في صفوف وزرائها كوزراء الداخلية والعدل والعمل والصحة، بخاصة بعد فضيحة مستشفى السلط وانقطاع الكهرباء عن مرضى كورونا التي تسببت في وفاة 10 أشخاص.
علاقات خارجية
وعلى صعيد العلاقات الخارجية، نشط الأردن في حراك دبلوماسي مكثف توجه بإعادة العلاقة مع سوريا، وعقد تحالف سياسي – اقتصادي مع مصر والعراق تحت مسمى “الشام الجديد” من خلال ثلاث قمم جمعت العاهل الأردني بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، كما كان الملك الأردني أول زعيم عربي يزور البيت الأبيض ويلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن بعد استلامه مقاليد الأمور من إدارة دونالد ترمب.
وتسارعت وتيرة العلاقات بين الأردن وسوريا بشكل غير مسبوق، وبزخم كبير بعد سنوات من القطيعة وتحت لافتة “إعادة تأهيل النظام السوري”، وهي المهمة التي أنيطت بالملك عبد الله الثاني من قبل واشنطن، واستؤنفت الرحلات الجوية بين البلدين، وأعيد فتح المعابر بعد أسابيع من اتفاق وزراء الطاقة والنفط في الأردن ومصر وسوريا ولبنان، على خريطة طريق لإمداد لبنان بالكهرباء والغاز الطبيعي عبر سوريا.
لكن الحدث الأبرز على صعيد التقارب تمثل في زيارة وزير دفاع النظام السوري العماد علي أيوب إلى الأردن ولقائه قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي، كما التقى وزيري خارجية البلدين أيمن الصفدي وفيصل المقداد.
المصدر: اندبندنت عربية