يواصل النظام السوري محاولاته بالتعاون مع حليفته روسيا لإعادة تعويم نفسه، واستجلاب المساعدات الدولية، باستغلال قضية ملايين المهجّرين السوريين، بدعوى حرصه على عودتهم، برغم عدم قدرة النظام، كما تشير الوقائع، على تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة للمواطنين الموجودين بالفعل داخل سورية. في حين حذّرت تقارير دولية من مخاطر عودة اللاجئين، الذين تعرّض العديد منهم للاعتقال والملاحقة حال وصولهم إلى بلدهم.
وفي هذا السياق، ذكرت وكالة “سانا” التابعة للنظام أن “الهيئتين الوزاريتين التنسيقيتين السورية والروسية عقدتا اجتماعاً حول عودة المهجرين، عبر تقنية الفيديو، في قصر المؤتمرات بدمشق والمركز الوطني لقيادة الدفاع في موسكو”، بمشاركة وزير خارجية النظام فيصل المقداد، ونائب وزير الدفاع الروسي غينادي جيدكو.
ونقلت الوكالة عن المقداد قوله إن سورية “تسعى إلى استعادة أبنائها، وتدعوهم مجدداً إلى العودة، والمساهمة في عملية إعادة إعمار ما دمّره الإرهاب”. واتهم المقداد دولاً غربية بعرقلة عودة المهجرين السوريين إلى وطنهم. كما اتهم الولايات المتحدة بسرقة النفط والقمح السوري، ومنعهما من الوصول إلى سورية.
من جهته، اعتبر نائب وزير الدفاع الروسي أن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة والدول الغربية على النظام السوري تعرقل عودة المهجرين السوريين، مشددا على أن إعادة بناء الاقتصاد السوري والبنية التحتية “هي المهمة الرئيسية، من أجل البناء على ما تحقق في مجال مكافحة الإرهاب”.
بدوره، أوضح وزير الإدارة المحلية والبيئة لدى النظام، حسين مخلوف، أن الاجتماع يأتي في إطار “متابعة الجهود المشتركة لتأمين الظروف الملائمة لعودة المهجرين السوريين إلى أرض الوطن”، معتبراً أن عودة المهجرين السوريين “أولوية للدولة التي لا تدخر جهداً في تقديم التسهيلات لعودتهم، وفي مقدمتها مراسيم العفو، ومتابعة إنجاز ملف المصالحات لإفساح المجال للراغبين في تسوية أوضاعهم”.
وحث رئيس مركز التنسيق الروسي السوري لإعادة المهجرين، ميخائيل ميزنتسييف، على “تضافر جهود المجتمع الدولي بأكمله وإشراك المنظمات الدولية والحقوقية، في المساعدة لتأمين عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم”.
هدف دعائي
ورأى المحلل السياسي شادي عبدالله، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هدف هذه الاجتماعات “دعائي، لإعطاء انطباع زائف بأن عودة اللاجئين السوريين الذين هجّرتهم الآلة العسكرية التابعة للنظام وروسيا، هي على جدول أعمال الجانبين. في حين أن هدفهما الحقيقي هو مجرد إعطاء انطباع بذلك، بغية الحصول على شرعية سياسية للنظام، والأهم الحصول على كل أو معظم المساعدات الدولية المقدمة للاجئين السوريين، خاصة مع اقترب موعد التمديد “التلقائي” لقرار مجلس الأمن الخاص بعبور المساعدات الدولية عبر معبر باب الهوى في الشمال السوري، لمدة 6 أشهر أخرى تنتهي في يوليو/تموز المقبل، وحينذاك ستسعى روسيا والنظام إلى احتكار تلقّي وتوزيع المساعدات الدولية المقدرة بمئات ملايين الدولارات”.
وأوضح عبدالله أن “لعاب النظام الخاوية خزائنه من العملة الصعبة، وروسيا التي تتطلع إلى هذه الأموال من أجل استكمال نجاحها العسكري في سورية بنجاح اقتصادي، يسيل لهذه المساعدات، ولا يوفران جهدا لتقديم النظام كطرف مؤهل لاحتكار تلقّيها وتوزيعها”.
تحذيرات من مساع روسية لعرقلة وصول المساعدات إلى سورية
وفي السياق، أعادت روسيا تهديداتها بشأن وقف إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود. وصرح أكثر من مسؤول روسي، خلال الأيام الأخيرة، بأن موسكو تريد حصر إدخال المساعدات إلى سورية عبر معابر النظام السوري.
وعلى هامش مؤتمر أستانة 17 الذي اختتم أمس الأربعاء، صرح مبعوث الرئيس فلاديمير بوتين إلى سورية، ألكسندر لافرنتيف، برفض موسكو كل ما من شأنه “المساس بسيادة ووحدة الأراضي السورية وسياسات بعض الدول الغربية التي تسعى إلى استغلال الوضع الإنساني”.
كما قال نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، في جلسة مجلس الأمن التي عقدت قبل يومين، إن إيصال المساعدات الإنسانية إلى إدلب الخاضعة لمن أسماهم “الإرهابيين” في ظل غياب آليات توزيعها، يشكل “مصدر قلق لروسيا”.
وقال إنه “في غضون ستة أشهر دخلت قافلتان إنسانيتان إلى إدلب، ضمتا 28 شاحنة فقط.. في الوقت ذاته، مرت بين يوليو ونوفمبر 48498 شاحنة عبر باب الهوى”.
وترى روسيا أن جميع المساعدات الإنسانية يجب أن تصل عبر دمشق، وليس عبر الحدود الخارجية، متجاوزة حكومة النظام وبدون إشرافه.
وفي هذا الصدد، حذر فريق “منسقو استجابة سورية”، في بيان صدر عنه أمس الأربعاء، من محاولة روسيا تعطيل قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وأشار إلى أن هذا الأمر “يهدف إلى احتكار النظام السوري لتلك المساعدات وتوظيفها لأغراض سياسية وعسكرية واقتصادية وفقدها لغاياتها الإنسانية”.
“استغلال” الملف الإنساني لـ”تحصيل” تنازلات سياسية
وحول مخاطر التصريحات الروسية ومدى جدية موسكو في تعطيل إدخال المساعدات عبر الحدود، قال العامل في المجال الإغاثي بإدلب، يوسف جازة، لـ”العربي الجديد”، إن “الحملة المبكرة التي بدأتها موسكو تهدف إلى زيادة الضغط على المجتمع الدولي، من خلال استغلال الملف الإنساني لتحصيل تنازلات سياسية في الشأن السوري”.
وأضاف جازة أن النظام وروسيا “يسعيان إلى السيطرة على الملف الإنساني السوري، لتحقيق فوائد سياسية واقتصادية”، وشكك في الوقت ذاته في قدرة النظام على الالتزام بشفافية إيصال المساعدات إلى مناطق المعارضة، مشيرا إلى أن هناك الكثير من التجارب والتحقيقات التي أثبتت تلاعب النظام بالاستحواذ على المساعدات الأممية وتحويلها لصالح عناصره ومؤيديه.
وفي 9 تموز/يوليو الماضي، قرر مجلس الأمن الدولي، تمديد آلية دخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سورية، لمدة عام، عن طريق معبر “باب الهوى” الحدودي بين سورية وتركيا.
ومن المقرر أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة، نهاية العام الحالي، إحاطة إلى مجلس الأمن بالتطورات. ومن ضمن الأمور التي سيقدمها التطور في إيصال المساعدات عبر خطوط التماس.
وسمح مجلس الأمن لأول مرة بعملية مساعدات عبر الحدود إلى سورية في عام 2014 بأربع نقاط، هي معبر الرمثا الحدودي مع الأردن، واليعربية الحدودي مع العراق، وباب السلامة وباب الهوى مع تركيا.
واستمرت المساعدات عبر النقاط الأربع حتى عام 2020، إذ اقتصرت بعد ذلك المساعدات على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، إثر اعتراض روسي-صيني على المساعدات عبر الحدود.
المصدر: العربي الجديد