بحث لبيد مع السيسي وشكري عملية السلام والأوضاع في غزة والملف الإيراني وسلم مصر 95 قطعة أثرية.
بعد نحو ثلاثة أشهر من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، كانت الأولى من نوعها إلى مصر منذ عشر سنوات، اختتم وزير خارجية الدولة العبرية يائير لبيد، أولى زيارته إلى القاهرة، الخميس 9 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، التي هدفت إلى تعزيز العلاقات بين البلدين في مجالات متعددة، وذلك خلال لقائه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ووزير الخارجية سامح شكري.
ووفق بيانات رسمية خرجت من القاهرة وتل أبيب، فإن زيارة لبيد التي استغرقت ساعات عدة، تصدّرها مناقشة الأوضاع في قطاع غزة وعملية السلام مع الفلسطينيين، وتنمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فضلاً عن مناقشة الملف الإيراني، وتسليم القاهرة نحو 95 قطعة أثرية كانت قد جرى تهريبها إلى إسرائيل عام 2013.
القضايا الإقليمية والثنائية
بحسب بيان رئاسة الجمهورية المصرية، فإن اللقاء الذي جمع السيسي ولبيد، بحضور وزير الخارجية سامح شكري، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة عباس كامل، تناول أوجه التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، إضافة إلى الموضوعات ذات الاهتمام المشترك على الساحتين الإقليمية والدولية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وذكرت الرئاسة المصرية، أن الوفد الإسرائيلي الذي ضم ألون أوشبيز، مدير عام الخارجية الإسرائيلية، ويائير زيفان، مدير إدارة السياسات والعلاقات الدبلوماسية بالخارجية الإسرائيلية، والسفيرة الإسرائيلية بالقاهرة، أميرة أورون، أكد مواصلة بلاده جهودها لتحقيق السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط على أساس حل الدولتين ومرجعيات الشرعية الدولية، بما يحقق الأمن والاستقرار، ويفتح آفاق التعاون والتنمية لكل شعوب المنطقة، مشيراً إلى جهود مصر لإعادة الإعمار في قطاع غزة، فضلاً عن مواصلة جهودها ذات الصلة بمنع نشوب حالة التوتر بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وفي الخارجية المصرية، أعرب المتحدث باسمها، أحمد حافظ، أن اللقاء الذي جمع شكري ولبيد تناول مناقشة عدد من قضايا العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون في المجالات ذات الأولوية للبلدين. وأضاف حافظ أن الوزير شكري أكد خلال المباحثات موقف مصر الثابت من دعم جهود السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وأهمية العمل على إحياء مسار المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في أقرب فرصة، سعياً نحو التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، موضحاً أن القاهرة ستواصل مساعيها واتصالاتها مع كل الأطراف لخلق مناخ مُواتٍ لإحياء المسار السياسي المنشود.
وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية إلى أن الوزير شكري شدد على الامتناع عن الإجراءات الأحادية، بما في ذلك المرتبطة بالاستيطان في الأراضي الفلسطينية، لما تمثله من عائق أمام مساعي السلام وفرص التوصل لحل الدولتين. كما تطرق إلى جهود مصر المتواصلة لإعادة إعمار قطاع غزة ودعم المتطلبات التنموية للأشقاء الفلسطينيين، بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وأهمية دعم المجتمع الدولي للجهود المصرية المبذولة في هذا الصدد ولكافة الجهود الرامية إلى تعزيز ركائز الاستقرار والأمن في المنطقة.
وأشار حافظ إلى أنه في إطار اللقاء سلم الوزير الإسرائيلي نظيره المصري 95 قطعة أثرية مصرية من جانب هيئة الآثار الإسرائيلية، التي سبق تهريبها وتم ضبطها من قبل السلطات الإسرائيلية.
“علاقات حيوية لإسرائيل”
في المقابل، وبعد أن شكر المسؤولين المصريين على “كرم الضيافة”، قال لبيد في ختام زيارته للقاهرة، إن “مصر شريك استراتيجي مهم بشكل خاص لإسرائيل، وهدفي هو تعزيز علاقاتنا الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية، ومن المهم مواصلة العمل على السلام بين بلدينا”، مشيراً في بيان أصدرته الخارجية الإسرائيلية، إلى أنه بحث مع السيسي “الوضع في قطاع غزة”، وعرض عليه برنامج “الاقتصاد من أجل الأمن والخطوات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية”. وتابع أنهما تطرقا أيضاً إلى “محاولات إيران لتصبح دولة ذات قدرات عسكرية نووية”.
وكان لبيد قد أعلن عن خطة، في سبتمبر (أيلول) الماضي، “لتحسين الوضع المعيشي للفلسطينيين في غزة، مشروطة بأن يوقف مسلحو (حماس) هجماتهم ضد إسرائيل”، مضيفاً أن خطته لا ترقى لأن تكون سياسة رسمية للحكومة.
وقبيل وصوله إلى مصر، كتب لبيد على صفحته بـ”تويتر”، “وصلت إلى القاهرة في زيارة رسمية ألتقي خلالها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري”، مضيفاً أن “تقوية العلاقات الإسرائيلية – المصرية وتعميقها في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، مصلحة حيوية لدولة إسرائيل”. وتابع: “سنواصل العمل معاً لدفع المصالح المشتركة في الاستقرار الإقليمي”.
وفي ختام الزيارة، كتب كذلك على “تويتر” باللغة العربية، أنه ناقش مع الرئيس المصري مشروعه المسمى “الاقتصاد مقابل السلام” في قطاع غزة، و”الخطوات التي تقوم بها حكومة إسرائيل بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية”.
وفي تغريدة ثانية، قال لبيد: “تحدثنا عن مواضيع أمنية، منها محاولات إيران للتحول إلى دولة ذات قدرات عسكرية نووية، ومواجهة العناصر الإرهابية وعدم الاستقرار في المنطقة”.
استعادة آثار مصرية
وكان لافتاً تصدّر مشهد تسليم الوزير الإسرائيلي للقطع الأثرية المسروقة إلى القاهرة، التي وبحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، تضم أجزاءً من نقوش هيروغليفية، وجزءاً من تابوت خشبي به نقوش مصرية، ونقوش على ورق البردي، فضلاً عن تماثيل لآلهة المصريين القدماء، موضحة أنه جرت مصادرة هذه القطع الأثرية في مارس (آذار) من عام 2013، عقب إحباط محاولة تهريبها إلى داخل إسرائيل، فيما صُودرت دفعة أخرى في أغسطس (آب) من العام نفسه، وأنه تم إبلاغ السلطات المصرية بهذه القطع عن طريق الإنتربول.
من جانبها، ووفق صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، كان قد تم ضبط 4 قطع أثرية من قبل الجمارك الإسرائيلية في 2013، عندما حاول تاجر آثار إسرائيلي إدخالها إلى البلاد عبر مطار بن غوريون بعد شرائها في بريطانيا، وبعد معركة قانونية قام بتسليم الآثار إلى السلطات الإسرائيلية في 2015، فيما عثر على 91 قطعة أثرية عند تاجر آثار وتحف في القدس، حيث جرى ضبطها وتسليمها للسلطات الإسرائيلية.
وتقول السلطات الإسرائيلية، إن الخطوة جاءت “كبادرة لتعزيز العلاقات”، موضحة أن إسرائيل وسلطة الآثار مهتمة بالتنسيق مع السلطات المصرية، لحماية الكنوز الأثرية التي تنتمي إلى الثقافة الإنسانية.
دلالات الزيارة
وبحسب مراقبين تحدثت إليهم “اندبندنت عربية”، وتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للقاهرة، التي تأتي بعد أشهر قليلة من لقاء جمع السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في شرم الشيخ خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، تعكس “عمق الحوار والتنسيق بين البلدين في عديد من القضايا الإقليمية والثنائية”.
يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، جمال بيومي، “لا شك في أن تعدد الزيارات وتبادلها على مستويات رفيعة من الجانبين في الأشهر الأخيرة تشير إلى حرص الطرفين على تعزيز العلاقات وتوطيد الحوار المفتوح بين البلدين فيما يتعلق بقضايا المنطقة”، موضحاً أن “تكثيف هذه الزيارات في الأشهر الأخيرة يهدف إلى مزيد من الفهم والتحاور مع حكومة رئيس الوزراء نفتالي بينيت القادمة إلى الحكم منذ شهور قليلة فقط”.
ويرى بيومي أن تطور العلاقات المصرية – الإسرائيلية يعد “نموذجاً لنجاح عملية السلام في المنطقة وقدرتها على الصمود في وجه التحديات”، مشيراً إلى أن هناك تنسيقاً عالياً بين البلدين في “مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود”.
وتابع، “مع تطور العلاقات المصرية – الإسرائيلية وتعدد أوجهها في السنوات الأخيرة، فإن القاهرة لا تنسى تأكيد حقوق الشعب الفلسطيني ودعم عملية السلام من خلال الدفع بأهمية إحياء مسار المفاوضات في أقرب فرصة، سعياً نحو التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين”.
بدوره، وبحسب ما كتب براك رفيد، في موقع “والاه” العبري، فإن “تعزيز العلاقات الإسرائيلية – المصرية من منظور سياسي وأمني يعد مصلحة مهمة جداً لدولة إسرائيل، فزيارة وزير الخارجية تعد تواصلاً للسياسة الإسرائيلية الهادفة إلى تطوير المصالح المشتركة وضمان الاستقرار الإقليمي”، مشيراً إلى أن أحد أهم الأهداف الرئيسة من هذه الزيارة كان “بحث القضية الفلسطينية والأوضاع في قطاع غزة، مع التركيز على مسألة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين”.
في سياق متصل، ووفق حديث لأيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس المفتوحة بقطاع غزة، فإن الزيارة “التي كانت محددة سلفاً من الجانب الإسرائيلي، وليست بدعوة من القاهرة، هدفت بالأساس لمناقشة تطورات الملف الفلسطيني، تحديداً ملفا التهدئة وإعادة الإعمار في قطاع غزة”، موضحاً أن “اهتمام القاهرة بالزيارة كان بهدف الدفع ببقاء هدوء الأوضاع بين القطاع وإسرائيلي والمضي قدماً في ملفات إعادة الإعمار وتبادل الأسرى”، معرباً عن اعتقاده في الوقت ذاته أنها “كانت زيارة استكشافية بالدرجة الأولى، ولن ينتظر أن تؤتي نتائج على المدى القريب بخصوص الملف الفلسطيني، نظراً إلى حجم التعقيدات التي تعيشها الحكومة الإسرائيلية الحالية، وعدم قدرة أي من أطرافها على تقديم ما ينبغي من أجل إنهاء الملفات العالقة للمضي نحو إحياء عملية السلام”.
وترتبط مصر وإسرائيل بمعاهدة سلام منذ عام 1979، كان الأول من نوعه مع دولة عربية، لكن عادةً ما يوصف هذا السلام بالبارد على المستوى الشعبي المصري.
ودائماً ما تقوم القاهرة بدور الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أوقات التوتر، وفي مايو (أيار) الماضي، لعبت مصر دوراً حيوياً عندما نجحت في التوسط لوقف إطلاق النار في المواجهات العنيفة التي استمرت 11 يوماً بين إسرائيل و”حماس”، ونتجت عنها أضرار بالغة بقطاع غزة المحاصر.
وعلى الرغم من دعم القاهرة للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، فإنها تعمل دائماً على التقريب بين الفصائل الفلسطينية، باستضافتها جولات حوار بين حركتي “حماس” و”فتح”.
واتفقت مصر وإسرائيل الشهر الماضي، على زيادة عدد القوات المصرية المنتشرة في منطقة رفح الحدودية مع قطاع غزة، الذي كان مقيداً بموجب معاهدة السلام الموقعة بين البلدين.
المصدر: اندبندنت عربية