يفترض أن يخرج نحو 90 عضواً في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بأكثر من ميدالية أو وسام تكريمي على نبل الخطوة وأهميتها. قابلت العديد من الأفاضل أعضاء اللجنة وغالبيتهم أصحاب شأن.
طبعا نضم صوتنا لتقديم الشكر لمن عمل وأنتج وعمل وسهر من أجل المصلحة العامة. لكن نزعم مع الزاعمين بأن وثيقة تحديث المنظومة السياسية يتم تكريمها بطريقة أفضل بكثير تتجاوز تحريك دراجة نارية لإيصال وسام أو نشر صورة لميدالية تكريمية نبيلة.
نجزم أن التكريم الحقيقي الذي يبتغيه المخلصون من أبناء الوطن، يتمثل في نفخ الروح مجددا في الأمل الذي زرعته فينا وثيقة تحديث المنظومة، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح وبمبادرة مرجعية تعود عليها الأردنيون.
ويمكن إكمال مسيرتها الآن لو منح الناصحون المنصفون ومن تحركهم نوازع المصلحة الوطنية ومصلحة النظام والدولة فقط أكثر من الإصغاء إلى المشككين والمحذرين أو المرتجفين.
تحتاج المنظومة إنصافا حقيقيا بعدما تهشمت وتصدعت لعدة أسباب. وببساطة شديدة يعني ذلك الاستدراك ومواجهة المشاعر السلبية والعودة إلى معالجة تلك الأسباب حيث رسائل بالجملة برزت وبكل وضوح في الاتجاه المعاكس لمنطوق ومضمون وخطاب نوايا تحديث المنظومة.
لن نرهق القارئ بالكثير من التفاصيل وننصح باختصار باستدراكات في اتجاهات محددة من بينها لا بل أبرزها العودة إلى جوهر الاشتباك الوارد في خطاب التكليف المرتبط بالمنظومة.
بمعنى الوقوف فقط وحصرياً عند التعديلات الدستورية التي يتطلبها تعديل قانوني الأحزاب والانتخابات بشكليهما الجديد، ووقف نمو حالة الاجتهاد الحكومي في الزيادة أو السحب، والإضافة هنا مما يعني ضمنيا توفر فرصة دستورية وسيادية ومرجعية تستند إلى ما قاله خبير وسياسي عميق أمامي شخصيا حول استخدام النص الدستوري الذي يمنح جلالة الملك صلاحية رد أي تعديل دستوري أو اقتراح بتعديل دستوري.
بين الأسباب التي ينبغي معالجتها ايضاً إعادة الاعتبار للوزن المعنوي الذي تميزت به وثيقة المنظومة باعتبارها وصفة نحو المستقبل، وبمعنى الحرص والسهر على تبديد التصور الذي رافق تداخلات الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب وتحديدا في المسار المتعلق برئاسة المجلس ومواقع الصف الأول.
وهنا لا بد من تقديم أدلة وبراهين يومية على أن النخبة التي تقود اليوم مجلس النواب واجبها الأكيد، والمرجح والمقرر، هو مساعدة وثيقة تحديث المنظومة في الولادة ثم البروز والاستقرار.
ثمة خطوة لها علاقة بتوفير حاضنة اجتماعية مرتبطة بنخب الدولة والقرار والمؤسسات تؤمن بالوثيقة، وتعمل لصالحها، فمن غير المعقول أن تحرم جهود المنظومة التحديثية من حاضنة اجتماعية داخل الدولة تماما في اللحظة التي بدأت تتوفر فيه أرضية لحاضنة صغيرة في المجتمع بعد جهد طويل.
ويعني ذلك أن يبدأ كبار اللاعبين والمسؤولين بالانسجام مع التوجيهات المرجعية والقيام بواجبهم وأن يتم تحييد القاعدة الكلاسيكية في التعامل النخبوي مع البلاد ووثائقها وفقا لطريقة قيادة السيارة حيث الاتجاه يمينا والتغميز يسارا، والمطلوب هنا أن يغمز ويتجه الجميع على الأقل بنفس الاتجاه.
إنقاذ ما تبقى من برنامج تحديث المنظومة لا يحتاج لتوم كروز ولا لجهد جبار. فقط لحظة استدراك واعية تكسب ولو للمرة الأولى ود الجمهور وتحرم بالمقابل كل المشككين بالرواية الرسمية من مادة دسمة أو ذرائعية تعيد انتاج القول المأثور والدارج دوما بعنوان مصداقية الرؤية والبوصلة والمسار.
لن نخترع العجلة ولا الصاروخ، واستعادة الثقة بالمنظومة فعلا واجب الجميع وهو ممكن إذا سحبت أو ردت التعديلات المثيرة.
يمكن في الأثناء طبعا تأسيس ضمانات لأبناء المجتمع المرتابين بفكرة وعبارة «الهوية الجامعة» فبعد التوافقات بين رجال الدولة ومراكز المؤسسات، يحتاج الجميع لدفع كلفة التثبت والتثبيت فمخرجات لجنة التحديث ليست نموذجية ولا يمكن القول بأنها تؤسس لعقيدة جديدة فعلا في مجال الإصلاح السياسي.
لكنها خطوة في طريق التنمية السياسية أنجزت ووضعت بنبل والمطلوب العودة إلى مربع التنفيذ الأفضل وهو أمر سبق أن حذرنا من كلفة التراخي في الالتزام به.
تحتاج الدولة قبل الناس للوثيقة وللخطوة، والجرأة الحقيقية في التراجع عن بعض الأخطاء والتقديرات التي بالغت فيها الحكومة.
والحكمة تتمثل في إسداء النصيحة في توقيت حرج، والعمل على استعادة المناخ الحيوي وتوجيه رسائل تطمين للجمهور تدافع فيها المؤسسة عن الوثيقة التي اقترحتها وتأسست من أجلها مقاربات لجنة ملكية.
الإشكالات في العمق الأردني متعددة وكثيرة ولا تحتاج لإضافة إشكال جديد باسم «إعاقة وثيقة تحديث المنظومة» والمناخ بالتالي بمساره الإيجابي لا بد من استعادته وبسرعة وقبل تحويل توصيات يفترض أنها توافقية ووطنية إلى مادة خلافية وتجاذبية تضاف إلى سجل الاعتراض والتحفظ وتغذي مجددا الحراك الشعبي.
في الأثناء ضروري تجميد أو وقف عمليات الولادة القيصرية لأحزاب أنابيب جديدة بدون مبرر وترك المواطن الأردني يتفاعل مع وثيقته ثم الانتقال للتقييم لاحقا.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
المصدر: القدس العربي