التغريدة التي كتبها علي باقري كني مسؤول ملف التفاوض النووي والمساعد السياسي لوزير الخارجية وحدد فيها موعد استئناف المفاوضات مع مجموعة 4+1 في فيينا بتاريخ 29 تشرين الثاني نوفمبر الجاري، فتحت الجدل الداخلي حول الاسباب التي دفعت القيادة الايرانية لحسم الموقف والابتعاد عن لعبة الوقت والشروط المتبادلة، وبالتالي العودة الى طاولة التفاوض من النقطة التي انتهت اليها قبل نحو خمسة أشهر، حتى من دون الحصول على موقف واضح من الادارة الامريكية حول ما سبق ان طالبت به هذه القيادة من ضمانات امريكية بعدم الانسحاب من الاتفاق مستقبلا، والغاء جميع العقوبات التي سبق ان فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب.
وعلى الرغم من السقف الذي وضعه الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي لاي مفاوضات حول الاتفاق النووي، وهو انهاء العقوبات الاقتصادية، بالتوازي مع العمل على إبطال مفاعليها من خلال فتح مجالات امام تفعيل النشاط الاقتصادي داخليا وخاريجا، الا ان المفاوض الايراني كان واضحا في ما توصل اليه من اتفاق مع منسق الانحاد الاوروبي بشأن المحادثات النووية مع ايران انريكه مورا بان الهدف من العودة للتفاوض هو الغاء العقوبات “غير القانونية وغير الانسانية”.
فهل تخلت ايران عن شروطها ومطالبها غير الواقعية حسب توصيف الكثير من المراقبين، ام انها وضعت سيناريوهات لما يمكن ان تنتجه هذه الجولة الجديدة من المفاوضات؟ وهل ستكون واشنطن على استعداد لتقديم الضمانات التي تطلبها طهران او جزء منها من اجل العودة الى تفعيل عملية الرقابة على الانشطة النووية التي بلغت مستويات مقلقة لا بد من ضبطها؟
الاجابة على هذه الاسئلة، تقود للبحث عن السيناريوهات الايجابية والسلبية التي من الممكن ان تنتهي اليها هذه المفاوضات، وسقف الضمانات التي يكمن ان تطالب بها طهران وتكون مقبولة من قبل واشنطن.
المسار الذي اتبعته طهران منذ قرار الانسحاب الامريكي من الاتفاق، قام على اعادة تفعيل انشطة تخصيب اليورانيوم المتدرجة، من 20 في المئة في المرحلة الاولى، ثم الانتقال الى مستوى 60 في المئة، وهي مرحلة ترافقت مع وجود اثار لمستويات مرتفعة من اليوارنيوم المخصب لم تقدم طهران حتى الان اي تفسير مقنع عن مصادرها للوكالة الدولة للطاقة الذرية. اي انها اعتمدت الاسلوب نفسه الذي اعتمدته مع الرئيس الاسبق باراك اوباما في المرحلة التي سبقت اتفاق عام 2015، عندما فاوضت على التخصيب بمستوى 20 في المئة. وهو ما يحمل على الاعتقاد بان يلجأ المفاوض الايراني لاعتماد سيناريو المقايضة بين يورانيوم 60 في المئة، مقابل الحصول على ما تريده من الغاء جميع العقوبات والحصول على ضمانات عملية بعدم عودتها الى الحصار الاقتصادي مستقبلا او تكون في دائرة التهديد بعودة الحصار، وفي حال فشل هذه الاستراتيجية او السيناريو، فستكون قادرة على نسف التفاوض وتسريع عمليات التخصيب الى مستويات متقدمة لا يحجزها عن الانتقال الى التفجير النووي سوى قرار سياسي للنظام بامتلاك قنبلة نووية، يعيدها الى طاولة التفاوض بشروط مختلفة واكثر صلابة.
وقد يكون هذا المسار هو الاقرب الى عقلية وطبيعة الفريق التفاوضي الجديد الذي يقوده باقري كني، الذي سبق ان قاد التفاوض في زمن احمدي نجاد الى جانب سعيد جليلي من دون الاخذ بالحسابات التي وضعت ايران تحت عقوبات فرضها مجلس الامن الدولي بسلسلة من القرارات حينها.
واذا ما كان المسار السابق يعتمد على حجم التصلب الايراني على طاولة التفاوض وتمسكه بشروط صعبة التحقيق، فان امكانية ان يظهر الفريق الايراني بعضا من الليونة قد يكون ممكنا تحت ضغط الاوضاع الداخلية الصعبة والمعقدة، وحجم التحديات التي يواجهها في الملفات الاقليمية ، ما يرجح في هذه الحالة ان تكون المفاوضات استنزافية، وبالتالي الذهاب الى مسار تفاوضي ينتهي الى اتفاق مؤقت او مرحلي لا يحقق فيه اي من الطرفين الحد الاعلى من الاهداف التي يريدها بل سيكونا مجبرين على تعديل هذه الاهداف والتفتيش عن تسوية تضمن لايران الاحتفاظ بجزء من برنامجها النووي ومستويات تخصيب 20 في المئة على غرار ما فعلت مع اوباما واحتفاظها بتخصيب 3.5 في المئة،مقابل الحصول على تعليق لبعض العقوبات الامريكية والحصول على اعفاءات لتصدير النفط. في المقابل تكون واشنطن قد دفعت ايران لوقف الانشطة النووية الحساسة التي تشكل مصدر قلق لها وللعديد من الدول الاخرى الاوروبية والاقليمية. خصوصا اسرائيل.
اما في حال كان هدف الفريق المفاوض هو التوصل الى اتفاق “افضل من الاتفاق الذي عقده الرئيس السابق حسن روحاني”، يعني وجود نوايا جدية لدى الفريق الايراني في التوصل الى حلول جدية وعملية افضل من السابق، شرط ان لا تفتح الايجابية الايرانية الباب امام القبول بادخال تعديلات على نص الاتفاق القديم، خاصة ما يشكل التزاما ايرانيا بالعودة الى طاولة التفاوض حول ملفات اخرى على علاقة بالنفوذ الاقليمي والبرنامج الصاروخي. عندها تتحول الضمانات الامريكية التي تطالب بها طهران الى تعهدات واقعية وعملية لتنفيذ ما التزمت به واشنطن في اتفاق 2015، بحيث تشكل مخرجا للحرج الايراني من السقوف العالية التي وضعها، ويسمح لواشنطن بتحقيق هدفها باعادة احياء الاتفاق من حيث انتهت الجولات السابقة في فيينا، التي ابقت فيها على جزء من العقوبات التي اعادت فرضها الادارة السابقة.
المصدر: المدن