على الرغم من تحقيقها اختراقاً هاماً في مجال الصناعات الدفاعية في السنوات الأخيرة، ما زالت تركيا بحاجة ماسة لنظام دفاعي متقدم تسبب افتقارها له بالكثير من المتاعب الأمنية والعسكرية والسياسية وحتى الاقتصادية بعدما تعذر حصولها على منظومة باتريوت الأمريكية والأزمة التي أعقبت حصولها على منظومة أس 400 الدفاعية الروسية وما رافقها من عقوبات أمريكية وخلافات حادة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في ظل استمرار التهديدات بسبب عدم الاستقرار في دول الجوار.
وقبل أيام، عقب مشاركته في قمة العشرين، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده ستقدم على خطوات إيجابية في المرحلة المقبلة فيما يتعلق بمنظومة “سامب-تي” الدفاعية، ليعيد إلى الواجهة خيارا تركيا قديما متجددا يتعلق بإمكانية تأمين منظومة دفاعية متقدمة من خلال الشراكة مع فرنسا وإيطاليا الدولتين في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي واللتين تنتجان ما يمكن اعتبارها ثالث منظومة دفاعية دولية بعد إس 400 الروسية وباتريوت الأمريكية.
ومنظومة “سامب-تي” منظومة دفاعية جرى تطويرها بالشراكة بين فرنسا وإيطاليا، وهي منظومة متطورة قادرة على التنقل بسهولة في التضاريس الصعبة، تحتوي على صواريخ أرض – جو لمواجهة التهديدات المختلفة وأبرزها الطائرات بمختلف أنواعها الحربية والمروحية والمسيرة والصواريخ الباليستية والصواريخ الموجهة وصواريخ كروز والتهديدات العابرة للحدود، كما أنها تعمل اتجاه التهديدات قصيرة ومتوسطة ومرتفعة المدى والتي تطلق سواء من البر أو البحر أو الجو.
وكل قاذفة في المنظومة تحتوي على 8 صواريخ وتتمتع بقدرة كبيرة على التنقل بسهولة في أرض المعركة ورادار كشف 360 درجة وتستطيع الوصول إلى الأهداف السريعة مثل الصواريخ الباليستية على ارتفاع 20 إلى 100 كيلومتر، كما يمكنها استهداف الطائرات على ارتفاع 30 كيلومتر.
وعلى هامش قمة العشرين، التقى أردوغان الرئيس الأمريكي جو بايدن في مسعى لإنهاء الأزمة المتواصلة على خلفية شراء تركيا منظومة أس 400 من روسيا دون الإعلان عن التوصل إلى حل، حيث اكتفى الجانبان بالتأكيد على وجود اتفاق حول تشكيل لجان متخصصة في محاولة لحل الخلافات بالإضافة إلى إبداء تفاؤل حول نجاح صفقة بيع تركيا طائرات أف 16 لحل المبالغ المالية العالقة بسبب إخراج تركيا من برنامج طائرات أف 35.
وعلى الجانب الآخر، التقى أردوغان على هامش القمة التي عقدت قبل أيام في روما، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، ويعتقد أن حديث أردوغان عقب هذه اللقاءات عن المنظومة الفرنسية-الإيطالية جاء انطلاقا من أنها كانت محور نقاش وربما اتفاق أولي جرى التوصل إليه بين الجانبين.
وتركيا لم تبد انفتاحها على المنظومة الأوروبية للمرة الأولى، حيث عقد منذ سنوات اتفاق أولي بين الجانبين لبحث آليات وفرص التعاون للتصنيع المشترك لها بين الجانبين، ولكن المشروع تعرض لانتكاسات متلاحقة بسبب تصاعد الخلافات الفرنسية التركية حول ملفات مختلفة، واتهمت مصادر تركية أكثر من مرة أن باريس باتت تعارض مشاركة تركيا في برنامج تطوير وشراء المنظومة بسبب الخلافات حول سوريا واليونان وشرق المتوسط، فيما تعتبر العلاقات التركية الإيطالية أفضل بكثير وتبدي روما ليونة كبيرة اتجاه أنقرة.
ولا ينظر إلى عودة تركيا للحديث عن امتلاك المنظومة الأوروبية من منظور عسكري فقط، وإنما كخيار وحل وسط يمكن أن يخرجها من دائرة التجاذبات الحادة التي وقعت فيها بين موسكو وواشنطن وحصر خياراتها بين الحصول على أس 400 الروسية أو باتريوت الأمريكية، حيث تواجه أنقرة ضغوطا كبيرة لعدم تفعيل المنظومة الروسية، كما أنها تواجه حرجا أكبر في الحصول على باتريوت بأسعار مرتفعة وبشروط سياسية.
كما أن المنظومة الأوروبية يمكن أن تلبي المطلب التركي الأساسي المتعلق بإمكانية التبادل المعلوماتي “التكنولوجي” والتصنيع المشترك لخلق شراكة تصبح تركيا بموجبها جزءا من المشروع الفرنسي الإيطالي وهو ما يساعدها في اكتساب المزيد من الخبرة وتطوير منظومتها الدفاعية الوطنية “حصار” التي انتهت من تطوير نسختها قصيرة المدى وتقترب من إدخال النسخة متوسطة المدى منها، في حين تسعى لتطوير نسخة بعيدة المدى في أقرب وقت ممكن.
كما من شأن الشراكة مع إيطاليا وفرنسا في برنامج منظومة “سامب-تي” أن تساهم في تعزيز العلاقات الدفاعية داخل حلف الناتو، وتحسين العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي بشكل عام، كما أنها مدموجة بالفعل في نظام الرادار والنظام الدفاعي الأوروبي والأطلسي وهو ما يجعلها خياراً مثالياً لتركيا، بحسب محللين عسكريين.
كما يشير خبراء عسكريون أتراك إلى أن المنظومة ستكون خيارا مثاليا لتركيا لتركيبها على حاملة الطائرات الوطنية “أناضول” التي تسعى تركيا لإنزالها البحار بحلول عام 2023 وستكون بحاجة ماسة لنظام دفاع صاروخي متقدم، وأن المنظومة ستكون إضافة مهمة للمنظومة الدفاعية المتنوعة التي تسعى تركيا لنشرها على أراضيها وليس بالضرورة ستكون بديلاً عن الأنظمة الأخرى، حيث لا تغطي عدد بطاريات أس 400 التي امتلكتها تركيا كافة الأراضي التركية.
وتستخدم المنظومة فرنسا وإيطاليا فقط، وسبق لتركيا أن اطلعت على المنظومة عن قرب بعدما نشرت إيطاليا بطارية منها في الأراضي التركية قرب الحدود مع سوريا في إطار دعم حلف شمال الأطلسي لتركيا لمواجهة التهديدات الصاروخية القادمة من الأراضي السورية الواقعة في حرب منذ أكثر من 10 سنوات.
المصدر: “القدس العربي”