ثنائية الفقر والفساد
يساعد الفساد على زيادة حدّة الفقر، وخصوصاً عندما يسرق مسؤولون على مستوىً رفيع الأموالَ من خزائن دولهم أو يسيئون إدارة موارد عامّة يقصد بها تمويل تطلّعات شعبهم لحياة أفضل. ويعرَّف الفساد السياسي في معناه الواسع بأنّه إساءة لاستخدام السلطه العامّة (الحكومية) لتحقيق أهداف غير مشروعة وغالباً ما تكون لتحقيق المصالح الشخصية، وأهمّ أشكاله: المحسوبية والرشوة والابتزاز ومُمارسة النفوذ والاحتيال ومُحاباة الأقارب. ويُعَدُّ الفساد السياسي أخطر أنواع الفساد إطلاقاً، لأنّ القابضين على السلطة السياسية ينهبون المال العامّ، ويفسدون موظّفي الخدمة العامّة في مؤسّسات الدولة والمجتمع، من خلال مَنْح مناصريهم وظائف كبيرة لا تتوافق مع مؤهّلاتهم العلمية وخبراتهم وشراء الذمم والتستّر على فضائح الرشاوى والفساد، وهذا هو حال الطبقات السياسية الفاسدة الحاكمة في كل من لبنان وتونس،و العراق الخ..
لا شك في أن انعدام الشفافية والمساءلة يُبَاعِدُ بين الحاكم والمحكوم في الوطن العربي، و يبَرِّرُ الشكوك في شأن شرعية الحكم، ويضعف مؤسسات الدولة إِنْ وُجِدَتْ، ويُؤدِّي إلى انتشار الفساد وازدياد القمع والتضييق على الحرِّيات العامة وحقوق الإنسان. ففي معظم الدول العربية لا يميزالرؤساء والملوك والأمراء بين محفظة النقود العامة والخاصة، فيعمل المسؤولون الحكوميون ببساطة على الاستيلاء على الأصول الحكومية.
ويبرز الفساد في البلدان العربية من خلال الحالات الأكثر تعقيدًا التي يقوم فيها أفراد أو منظمات خاصة أو شركات برشوة المسؤول الحكومي للحصول على منفعة، وقد يتم الدفع في شكل تحقيق منفعة خاصة للمسؤول الحكومي أو لعائلته، او في صورة مساهمة غير قانونية في حملة انتخابية ما.. والعلاقات التي تقوم ما بين الوكيل والمسؤول الرئيسي هي جوهر مثل تلك المعاملات الفاسدة .فالبراطيل غير القانونية هي إحدى الوسائل التي تدفع الموظفين العموميين إلى تخصيص مكاسب وخسائر النشاط الحكومي.
والفساد الاقتصادي المنتشر في الأنظمة العربية الريعية على هذا النحو، يزيد عائدات البحث عن الريع مقارنة بالعمل المنتج، فهو يشوه الحافز نحو العمل، إذ يرى (الفاسد والمفسد) أن صرف الوقت لممارسة الفساد، أكثر ريعية من العمل المنتج. مما يغريهم بالاتجاه نحو الأعمال التي تدر ريعاً سريعاً، مما يؤثر في النهاية سلباً على معدل النمو الاقتصادي.
فقد أصبحت الدولة في البلدان العربية دولة غنائمية ، يسيطر عليها الحكام السادة اللصوص أو مصاصي الدماء الصرف الذين لايميزون بين النطاقين العام والخاص، حيث يقوم الحاكم وبطانته ببساطة باغتراف كل ما يرغبون فيه من ثروات البلاد، من دون حسيبٍ ولا رقيبٍ. من هنا، فإنَّ إصرار الحاكم العربي على الاستمرار في الحكم يفرض عليه أن يكون نصيرًا للفساد، ومسايرًا للإستعمار الخارجي، وهو لن يستطيع ذلك من دون انتهاج سياسة “استعمار داخلي” تسمح له بتركيز كل السلطة بين يديه وبين أيدي المقربين منه.
والحاكم وإنْ فعل ذلك بالمعنى السياسي فحسب في السابق، إلا أنه طور أدوات القمع في سنوات ما بعد 1967 ليضيف المعنى الحزبي الشمولي و الطائفي و العائلي والمناطقي، وكذلك الفساد الاقتصادي والمالي، بحيث لم تعد هناك حدود واضحة بين الأمن المشروع والجريمة السياسية، وبين القطاع الخاص والقطاع العام، ولا بين القطاعين الخاص والعام من ناحية وبين خزينة الحاكم الخاصة من ناحية أخرى، كما أنه ابتدع أساليب وتشكيلات مقاتلة لا تحترم قوانين الدولة التي يرأسها هو بالذات، فإذا بنا ندخل إلى مرحلة “خصخصة الدولة” نفسها بعد أن شهدنا مراحل الخصخصة الاقتصادية لا لصالح القطاع الإنتاجي الخاص، بل لصالح السلطة الحاكمة وزبانيتهاالفاسدة.
لا شك في أن انعدام الشفافية والمساءلة يُبَاعِدُ بين الحاكم والمحكوم في الوطن العربي، و يبَرِّرُ الشكوك في شأن شرعية الحكم، ويضعف مؤسسات الدولة إِنْ وُجِدَتْ، ويُؤدِّي إلى انتشار الفساد وازدياد القمع والتضييق على الحرِّيات العامة وحقوق الإنسان.
يقول الباحث عصام شيخ الأرض: “يتداول الباحثون طرائق ومؤشرات كثيرة لقياس ظاهرة الفساد عبر دول العالم، ويعد المقياس الأشهر حالياً لحساب حجم الفساد ودرجته، ذلك الذي تعتمده منظمة الشفافية الدولية، والذي يصدر في تقرير سنوي، ينظر إلى حالة الفساد عبر العالم. لكن هذا المقياس يعتمد على مؤشرات إدراكية تستنبط من الاستبيانات المعدة في الدول المعنية، ويجري استناداً إلى هذه المؤشرات تحديد المواقع التراتبية لهذه الدول.
إن ما يميز ظاهرة الفساد هو أن مرتكبيها يغلفونها بنزعة من الإنكار، تجاه الآخرين المتضررين من الفساد، وتجاه الرأي العام. والسرية هي المبدأ الأساس لقيام جهة ما بأي عملية فساد أو إفساد، ولذلك فإن القياس المباشر للفساد أمر صعب للغاية إن لم يكن مستحيلاً، ولاسيما عندما يكون هناك نوع من التضامن بين المفسدين” (ص105).
إجمالاً، يعود الفقر في الدول العربية إلي تفشي الفساد وغياب النزاهة في جميع مستويات الدولة مع عجز السياسات التنموية في تحقيق طفرة نوعية في الحياة اليومية للمواطنين وخاصةً أن أغلب دخول الدول العربية تذهب لمجالات الامن والدفاع علي حساب التنمية الاقتصادية، ناهيك عن ضعف المورد البشري الذي يستلزم في تكوينه بكفاءة عالية أن تكون البيئة المحيطة به مُساعدة او على قدر الكفاءة المطلوبة.
سبل معالجة ظاهرة الفقر
إنّ علاج الفقر هو مسؤولية التنمية، وهذا يتطلّب من الدول العربية تبنّي استراتيجيات وطنية للتنمية المُستدامة، وتعزيز الاتّجاهات الرامية إلى وضع سياسات اجتماعية فاعِلة لخفْض الفقر وزيادة معدّلات الرفاه العامّ في كلّ الدول العربية، والتوكيد على ضرورة مواصلة السعي الجادّ لإقامة شراكات عربية وعالمية جديدة من أجل التنمية، ولاسيّما أنّ الأقاليم العربية في مشرق الوطن العربي، وفي مغربه، من أشدّ الأقاليم احتياجاً إلى تلك الشراكات والمُبادرات لا سيما مع روسيا،والصين والهند،ودول جنوب شرق آسيا، والبرازيل ،وجنوب إفريقيا ، لتتمكّن الدول العربية من تحقيق التنمية الشاملة، ودعم التشغيل المجزي والمُنتِج، وإيجاد فرص العمل والحدّ من البطالة في أوساط الشباب، وتحسين ظروف الحياة للحدّ من الفقر.
كما أنَّ تعزيز سلطة القانون، واستقلالية القضاء، أو الثقافة الإستقلالية للقضاء،ونشر ثقافة النزاهة والشفافية، ومحاربة الفساد والمفسدين، سيكون له دوربارز في تحقيق التنمية المستدامة.
يكافح عدد كبير من الناس بشكل يومي في جميع أنحاء العالم ليوفروا لأطفالهم وجبة مغذية. وفي عالم ينتج فيه ما يكفي من الغذاء لإطعام الجميع، لا يزال هناك 690 مليون شخص ينامون كل ليلة جائعين والأدهى من ذلك أن واحداً من بين كل ثلاثة أشخاص يعاني من أحد أشكال سوء التغذية.
يمثل القضاء على الجوع وسوء التغذية أحد التحديات الجسام التي نواجهها في عصرنا هذا. فعدم كفاية الغذاء أو كونه غير صحي لا يتسبب فقط في معاناة الناس وسوء حالتهم الصحية، بل إنه يبطئ أيضاً من وتيرة التقدم في العديد من مجالات التنمية الخرى مثل التعليم والعمل.
لقد أحرز العالم تقدماً كبيراً في الحد من الجوع: فقد تقلص عدد الجوعى بنحو 300 مليون شخص عما كان عليه في 1990 ـ 1992 ، وذلك على الرغم من زيادة تعداد سكان العالم بمقدار 1,9 مليار. ولكن لا يزال الطريق طويلاً للقضاء على الجوع والفقر، وما من منظمة يمكنها القضاء على الجوع طالما أنها تعمل بمفردها. إذا أردنا أن نرى عالماً خالياً من الجوع بحلول عام 2030 ، فعلى الحكومات والمواطنين ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص التعاون معاً للاستثمار والابتكار وإيجاد حلول دائمة.
يقول الباحث عصام شيخ الأرض، هنالك خمس خطوات هامة للقضاء على الجوع نرصدها فيما يلي:
1 ـ الوصول إلى الأكثر احتياجاً:
لتحقيق الإمكانات الكاملة لاقتصادنا الذي يتسم بالعولمة، يتعين على الحكومات الوطنية توسيع خطط الحماية الاجتماعية لتشمل الفئات الأكثر ضعفاً. إن توفير هذه الفرصة لتحقيق نموة اقتصادي عادل سيزيد من القوة الشرائية لأفقر 2 مليار شخص، وهو الأمر الذي سيخلق بدوره طلباً متزايداً ، وسيخلق وظائف جديدة، وسيعطي دفعة للاقتصادات المحلية. إن الاستثمار في التنمية الشاملة ليس فقط بالشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به، بل هو جيد أيضاً من الناحية التجارية.
2 ـ تمهيد الطريق من المزرعة إلى السوق:
إن توفير غذاء مغذي بأسعار ممكنة للجميع لهو أمر حيوي يجب أن نبتكر ونستثمر في جعل سلاسل الإمداد أكثر كفاءة من خلال تطوير أسواق دائمة مستدامة لدعم هذه الأسواق، يتعين علينا أيضاً تحسين البنية الأساسية للمناطق الريفية، وخصوصاً الطرق وسبل التخزين والكهرباء، بما يضمن تمكين المزارعين من الوصول إلى قاعدة أوسع من المستهلكين.
3 ـ الحد من هدر الغذاء:
حوالي ثلث المواد الغذائية التي يتم إنتاجها سنوياًن يتم إهدارها أو فقدها، وهو ما يكلف الاقتصاد العالمي قرابة تريليون دولار سنوياً. في البلدان المتقدمة يهدر الطعام غالباً على المائدة، بينما يكون الفاقد في البلدان النامية أثناء الإنتاج حيث لا يتم استهلاك المحاصيل أو لا يتم تصنيعها بسبب سوء التخزين أو بسبب عدم قدرة المزارعين على نقل بضائعهم إلى الأسواق، أو بسبب نقص توفير الطاقة الكهربائية المساعدة على التخزين.
4 ـ تشجيع زراعة مجموعة مستدامة من المحاصيل:
تمثل حالياً أربعة محاصيل (وهي الأرز والقمح والذرة والصويا) 60 % من السعرات الحرارية المستهلكة في العالم. يتطلب التصدي لكل من تحديات تغير المناخ، وتوافر الغذاء ، والوصلو إلى الغذاء مساعدة المزارعين على استكشاف وتحديد مجموعة أكثر تنوعاً من المحاصيل. للوصول إلى ذلك، يجب علينا العمل مع المزارعين لضمان حصولهم على الأدوات والمهارات اللازمة، وبناء سوق يقوم على نوعية المجتمعات بالأهمية الغذائية لتناول مجموعة متنوعة من الأطعمة.
5 ـ جعل التغذية أولوية منذ أول 1000 يوم في حياة الطفل:
لا يوجد ماهو أهم من الصحة الجيدة والتغذية عند تنشئة الطفل، لا سيما خلال أول 1000 يوم في حياة الطفل (منذ الحمل وصولاً إلى سن الثانية). لمنع التقزم ولتعزيز النمو الصحي، يجب أن نضمن حصول الأطفال والأمهات المرضعات على الأطعمة المغذية المطلوبة، من أجل الوصول إلى جيل صحي قوي معافاً يستطيع مواصلة العمل والتنمية والتطور”(ص 150).
أهداف التنمية المستدامة للقضاء على الفقر
في عام 2015 وافق قادة العالم على 17 هدفاً عالمياً (تعرف رسمياً باسم أهداف التنمية المستدامة أو أهداف التنمية المستدامة). لقد مرت الآن خمس سنوات، وهنالك أعمال كثيرة يجب القيام بها، تتمتع هذه الأهداف بالقدرة على خلق عالم افضل بحلول عام 2030، من خلال إنهاء الفقر ومحاربة عدم المساواة ومعالجة إلحاح تغيير المناخ، واسترشاداً بالأهداف، فإن الأمر متروك الان لنا جميعاً والحكومات والشركات والمجتمع المدني والعامة للعمل معاً لبناء مستقبل للجميع.
إنَّ القضاء على الفقر ليس مهمة خيرية، إنه عمل من أعمال العدالة ومفتاح لإطلاق إمكانات بشرية هائلة. ومع ذلك، ما يقرب من نصف سكان العالم يعيشون في فقر، ونقص الغذاء، والمياه النظيفة يقتل الآلاف في كل يوم من أيام السنة. معاً، يمكننا إطعام الجياع والقضاء على المرض وإعطاء الجميع في العالم فرصة للازدهار والعيش حياة منتجة وغنية.
يكافح عدد كبير من الناس بشكل يومي في جميع أنحاء العالم ليوفروا لأطفالهم وجبة مغذية. وفي عالم ينتج فيه ما يكفي من الغذاء لإطعام الجميع، لا يزال هناك 690 مليون شخص ينامون كل ليلة جائعين والأدهى من ذلك أن واحداً من بين كل ثلاثة أشخاص يعاني من أحد أشكال سوء التغذية.
يشكل الفقر في الأرياف أكثر من ثلاثة أرباع الفقر المدقع في العالم. ويمكن أن يؤدي الاستثمار في السكان الريفين عن طريق إنشاء نظم للحماية الاجتماعية وبناء الروابط بين المناطق الريفية والحضرية وتحديد السياسات التي تركز على زيادة دخلهم إلى إحداث آثار طويلة الأمد بالنسبة لاقتصادات البلدان النامية. ومن أجل القضاء على الفقر الريفي يجب العمل من خلال تطوير قدرة الحكومة وأصحاب المصلحة الآخرين من القطاعات العامة والخاصة والمشتركة والمنظمات الأهلية (المجتمع المدني) على تعزيز المؤسسات والمنظمات الريفية التي تمكن بعض سكان الريف الأكثر تهميشاً في تسهيل الحياة لهم ومساعدتهم على التكيف مع الأزمات والحيلولة دون وقوعهم في فك الفقر.
يقول الياحث عصام شيخ الأرض :”من أهم الأعمال التي يجب على الحكومة القيام بها للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة بالقضاء على الفقر كما رسمت لها باتباع الخطوات التالية:
1 ـ القضاء على الفقر المدقع لجميع الناس في كل مكان، والذي يقاس حالياً على أنه الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1,25 دولار في اليوم.
2 ـ خفض نسبة الرجال والنساء والأطفال من جميع الأعمار الذين يعانون من الفقر بجميع أبعاده وفقاً للتعريفات الوطنية بمقدار النصف على الأقل.
3 ـ أنظمة وتدابير الحماية الاجتماعية المناسبة وطنياً للجميع، بما في ذلك الأرضيات القانونية والاجتماعية لتحقيق تغطية كبيرة للفقراء.
4 ـ ضمان تمتع جميع الرجال والنساء، ولا سيما الفقراء والضعفاء، بحقوق متساوية في الموارد الاقتصادية، فضلاً عن الوصول إلى الخدمات الأساسية، والملكية والسيطرة على الأراضي وغيرها من أشكال الملكية والميراث والموارد الطبيعية المناسبة من التكنولوجيا الجديدة والخدمات المالية، بما في ذلك التمويل الأصغر.
5 ـ بناء قدرة الفقراء ومن هم في أوضاع هشة على الصمود وتقليل تعرضهم للظواهر المتطرفة المرتبطة بالمناخ وقابليتهم للتأثر بالصدمات والكوارث الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الأخرى.
6 ـ ضمان تعبئة كبيرة للموارد من مجموعة متنوعة من المصادر، من خلال تعزيز التعاون الإنمائي، من أجل توفير وسائل كافية ويمكن التنبؤ بها للبلدان النامية، ولاسيما أقل البلدان نمواً، لتنفيذ برامج وسياسات للقضاء على الفقر بجميع أبعاده.
إنشاء أطر سياسية سليمة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، على أساس استراتيجيات التنمية المناصرة للفقراء والتي تراعي الفوراق بين الجنسين، لدعم الاستثمار المعجل في إجراءات القضاء على الفقر(ص152 ).
سوريا ضمن المؤشرات الدولية
تعتبر سوريا من الدول العربية التي أعلنت عن مستوى الفقر لديها. حتى لو كان كاذبًا كعادة النظام السوري ،ففي خلال حفل إشهار دراسة “سياسات الاقتصاد الكلي لمكافحة الفقر في سوريا” ومشروع “دعم هيئة تخطيط الدولة في إعداد الخطة الخمسية العاشرة” أعلن فيه رسمياً عن أن الحد الأعلى لعدد الفقراء يصل إلى 5.3 مليون شخص. وحدَّد تعريف الفقر في سوريا بالأفراد الذين يقل مجموع إنفاقهم عن 1458 ليرة سورية شهرياً.
لقد قسَّم التقرير الفقر إلى حدَّين: أدنى حيث الدخل 1458 ليرة سورية شهرياً للفرد، أي ما يعادل 30 دولارًا أمريكيًا، أي 360 دولارًا سنوياً ومعه بلغت نسبة الفقر 11.4% من السكان لتشمل مليوني شخص لم يستطيعوا الحصول على الحاجات الأساسية من المواد الغذائية وغيرها، وحدٌّ أعلى حيث دخل الفرد 2053 ليرة سورية أي حوالى 40 دولارًا أمريكيًا، أي 480 دولارًا أمريكيًا سنوياً، حيث يرتفع الفقر الإجمالي إلى 30% من السكان ليشمل 5.3 مليون فقير، أي حوالى 30% من مجمل السكان، البالغ تعدادهم أكثر من 17 مليون نسمة. والواضح أن الجزء الأكبر من دخل المواطن السوري يذهب إلى تأمين احتياجاته من الغذاء. وأفادت مؤشرات للمكتب المركزي للإحصاء أن حد الإعالة 4.1 أفراد للأجر، وبالتالي يعادل في تكاليف المعيشة للأسرة السورية 4010 ليرة سورية. وإذا ما أضفنا إلى الحاجات الغذائية المسكن والملبس والطبابة نتبيَّن أن المواطن يحتاج إلى حوالى 10 آلاف ليرة سورية شهرياً، وهذا الأمر غير متوافر.
منذ عام 2015 شهد السوريون الدول تغلق حدودها واحدة تلو الأخرى في وجه الهاربين من الحرب وآثارها فضلاً عن تزايد العداء وكراهية الأجانب في بيئات كانت ترحب بهم سابقاً وفي الوقت نفسه ازداد المشهد الجغرافي السياسي تعقيداً فقد تحولت الأراضي السورية إلى ساحة معركة أولاً للحروب الإقليمية للوكالة ثم للتواجد المباشر للقوات الدولية (القوات الأمريكية وحلفاؤها) وبالنسبة للمجتمع الدولي شهد عام 2014 لحظة فاصلة، حيث أستولى ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (تنظيم داعش) على مناطق واسعة ممن الجمهورية العربية السورية والعراق بطريقة وحشية قد سرع ظهور هذا التنظيم وغيره من العوامل التدخل المباشر للولايات المتحدة الأمريكية.
وبالتوازي مع الأمر أثرت العقوبات الاقتصادية الشاملة تأثيراً سلبياً على الاقتصاد وكان أثرها على الناس العاديين والفقراء منهم إذ حدت من القدرة على تلبية الحاجات الاساسية والمطالب الإنسانية الملحة وقد تضخم تأثير العقوبات الامريكية وعقوبات الاتحاد الاوروبي بسبب الازمة المالية التي لحقت بلبنان الذي يعد منفذاً حيوياً للسوريين منذ تشرين الأول عام 2019 ما أدى إلى تفاقم النقص والتدهور في قيمة العملة والمواد الأساسية والمستلزمات.
يقول الباحث عصام شيخ الأرض في إطار هذه الصورة المعقدة: “هناك دلائل واعدة على أن النزاع قد ينحسر أخيراً ففي سورية كثيراً ما تزامن تحسين التنمية البشرية مثل الحصول على الحاجات الأساسية والصحة والتعليم مع وقف الأعمال العدائية وفي هام 2019 انخفض العدد الإجمالي للأشخاص المصنفين بأنهم محتاجون بنحو 5.1 مليون شخص عن عام 2017 وقد أظهرت المؤشرات الصحية تحسناً هامشياً منذ عام 2017 بعد ان بلغت أدنى مستوى لها في عام 2015 وسجل ارتفاع طفيف في متوسط العمر المتوقع ولا يزال اعتقاد العودة إلى سورية تعتبر محفوفة بالمخاطر بالنسبة لما يفكر به ابناء الوطن الموجودين بدول اللجوء ومع ذلك في عامي 2017-2018 عادت أعداد كبيرة من النازحين داخلياً أكثر من مليون شخص وفقاً لمكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى مدنهم وبلداتهم الأصلية واستمر انخفاض عدد النازحين داخل البلد حتى تجدد القتال في ادلب في اوائل عام 2020″(ص223).
أسفر النزاع تحول هائل على جميع مستويات الدولة والمجتمع وبعد عدة سنوات من النزاع الذي انخرطت فيه جهات سورية وغير سورية وقد حول تدخل الدول الخارجية المتنافسة النزاع إلى حرب بالوكالة وأدى كل ذلك إلى تدهور الحالة الاقتصادية في سوريا وبدأ ظهور اقتصاد جديد في هذا المجال هو اقتصاد الحرب وأصبحت الخسائر في التنمية البشرية كارثية ويبدو أنه لا يمكن معالجتها بسهولة لتعقد الحالة ما سبب معاناة على نحو خاص لجيل السوريين الذين بلغوا سن الرشد في وقت الأزمة ولا ننسى أن عدد القتلى في الحرب ومن كافة الأطياف وشرائح المجتمع سيطارد السوريين جميعاً في السنوات المقبلة.
المصدر: (عربي21)