نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا لمايكل كويجلمان، مراسل المجلة لشؤون جنوب آسيا، تساءل فيه عن انضمام الهند لرباعية اقتصادية جديدة مع الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل.
وقال إن المنبر بين الدول الأربع سيركز على التجارة والتغيرات المناخية والطاقة والأمن البحري، وهي نفس الموضوعات التي أكدت عليها رباعية أخرى “الحوار الأمني الرباعي” الذي يضم الهند وأستراليا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية. ولكن هناك خلاف بين هذا، وما أُعلن عنه هذا الأسبوع من منبر رباعي، لأن الأخير لا يركز على الصين كالأول. ونظرا لعدم وجود هدف واضح وقوي، فمستقبل الرباعية هذه غير معروف. ولكنه قد يكون عجلة جيدة لأهداف السياسة الخارجية الهندية. فمن خلال هذا الترتيب الجديد ستكون نيودلهي قادرة على توسيع تأثيرها على المسرح الدولي وتعميق علاقاتها مع الشرق الأوسط وتقوية تعاونها مع الولايات المتحدة. فالمنبر الجديد نابع على ما يبدو من التعاون الوثيق بين أعضائه.
فبعد اتفاقيات التطبيع العام الماضي بين الإمارات وإسرائيل، وقّعت سلسلة من الاتفاقيات التي ركزت على الاستثمار والطاقة والعناية الصحية. وفي الوقت نفسه، وثقت الهند علاقاتها مع إسرائيل. وفي عام 2017، كان ناريندرا مودي، أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل، وهي خطوة مهمة في ضوء الدعم الهندي القوي والطويل للقضية الفلسطينية.
وفي الوقت ذاته، زادت العلاقات الأمريكية- الهندية قوة. ومن هنا فانضمام الهند إلى الرباعية الجديدة نابع من رغبتها للعب دور مهم على المسرح الدولي، والرد على النقد الخارجي ونقد مستشارها للأمن القومي بأنها تحاول الظهور بأكبر من حجمها. ولهذا يقدم المنبر للهند فرصة لتعميق علاقاتها مع لاعبين رئيسيين بدون أن تتنازل عن أهدافها الأساسية واستقلاليتها. وكما في الرباعية الأخرى، فهذا تجمع مفتوح وليس تحالفا.
وترى الهند في الشرق الأوسط منطقة مهمة، فهي تعتمد عليه في مجال الطاقة وهناك حوالي 9 ملايين هندي يعملون في دوله، وخاصة دول الخليج. ورغم زيادة الهند جهودها الدبلوماسية مع دول الخليج، وبالتحديد السعودية، إلا أن هدفيها الرئيسيين كانا الإمارات وإسرائيل. وفي دراسة مسحية عام 2019 للعاملين في مجال السياسة الخارجية والأمن بالهند، وجدت أن البلدين هما من أهم شركاء الهند في الشرق الأوسط. ولدى كل من الإمارات وإسرائيل ميزة تنفع الهند. فإسرائيل هي مصدر مهم للسلاح ولديها تكنولوجيا زراعية متقدمة يمكن أن تساعد على إدارة المياه. أما الإمارات فيمكن أن تقدم لها التمويل الذي تحتاجه لمشاريع البنية التحتية.
وفي عام 2015، أعلن البلدان عن استثمارات بـ75 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية، ولم يستخدم منها سوى 3 مليارات دولار حتى الآن. وسيوفر المنبر للهند الفرصة لجعل التمويل فاعلا وهو هدف تدعمه الإمارات. وفوق كل هذا، فإن الرباعية تمنح الهند فرصة لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وستوسع الرباعية مجال التعاون بين البلدين أبعد من آسيا، مما يضيف لمساحة الشركاء المتعددين لديهما.
ويجب التفريق بين الرباعية الأصلية والجديدة، فالأخيرة ليست منافسا للأولى نظرا لتميزهما وطبيعة صلاحية كل واحدة منهما، وهذا لا ينفي التداخل في عمل المنبرين. فالرغبة وراء المنبر الجديد ليس التنافس مع الصين، فقد قوّت كل من إسرائيل والإمارات علاقاتهما مع بكين في الأشهر وخاصة في مجال الملاحة البحرية. والدولة التي تعتبر تقريبا الهدف المشترك بين أفراد الرباعية هي إيران، عدوة كل من الإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة.
لكن الهند والإمارات تريدان الحفاظ على علاقات مع طهران رغم الخلافات على الحدود وتخفيض الاعتماد على الطاقة. وهذا لا يعني أن الصين ليست عاملا في المنبر الجديد. فقد تجد الولايات المتحدة في الرباعية الجديدة فرصة لإبعاد الإمارات وإسرائيل عن الصين. وهذا الهدف يتناسق مع أهداف الهند ومصالحها، حيث سيخفف من آثار وتأثير الصين في المنطقة.
وستكون أهمية الرباعية متوسطة لواشنطن في محاولاتها لموازاة علاقاتها وترتيباتها المتعددة. ونظرا لغياب الهدف المشترك الجامع بين أعضاء الرباعية، فإنها لن تكون بنفس قوة المنبر الأول. إلا أن التزام أفرادها بتعميق التعاون بينها، يعني أنها ستتفوق على الرباعية التي رتبتها الولايات المتحدة بينها وأفغانستان وباكستان وأوزبكستان قبل شهر من سيطرة طالبان على كابول.
ويعتقد الكاتب أن مسار الرباعية الجديدة غير واضح، وما يجمع بين أفرادها هي العلاقة الدافئة. وستواجه امتحانا في مجال الديمومة والجوهر، فهل المجموعة مستعدة لعقد اجتماعات على مستوى عال ودورية كما في المنبر الأول؟ وهل ستقوم الرباعية الجديدة باتخاذ الخطوات لتشكيل مجموعات عمل وتحديد مفاوضين والتوصل لمبادرات، ولو لم يحصل هذا فسيكون مصيرها مثل شرارة انطلقت بقوة ثم خبت.
المصدر: “القدس العربي”