ينقسم الشارع في إدلب وشمال غرب سورية تحديداً، بين متخوف ومتحمس، مع احتمالية اندلاع مواجهة جديدة بين النظام والمليشيات المدعومة من كل من روسيا وإيران من جهة، والمعارضة التي يساندها الجيش التركي من جهة أخرى.
وينتظر نحو مليوني مدني، خرجوا من مدنهم وقراهم بعد تقدم النظام إليها، جنوب “منطقة خفض التصعيد الرابعة” التي تضم كامل إدلب وأجزاء من ريف حماة الشمالي والغربي وحلب الغربي والجنوبي واللاذقية الشرقي، العودة إلى منازلهم بعد تهجير قارب العامين وسط ظروف معيشية صعبة. وهم باتوا مقتنعين أن الحلول السياسية لن تجدي نفعاً لإنهاء معاناتهم، وما من حل سوى الحل العسكري، من خلال استعادة المعارضة لما خسرته، بدعم تركي. أما التخوّف لدى سكان الشمال والنازحين كذلك، فينصب حول عدم تمكن المعارضة من صد هجوم محتمل للنظام، مع التشكيك في جدية الإسناد التركي للمعارضة، وبالتالي خسارة مساحات جديدة، ما يعني خلق أزمة نزوح ستكون تبعاتها كارثية في المستقبل القريب.
في الميدان، ينعكس الخلاف الروسي ـ التركي على الأرض، لا سيما بعد لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان نهاية الشهر الماضي ومحادثاتهما حيال إدلب، والملف السوري عموماً. إذ تحوّل عدم التفاهم على تنفيذ كل طرف للشروط التي يطلبها الطرف الآخر إلى تصعيد على الأرض، بموجب رسائل ترجمت كذلك من خلال التعزيزات والتعزيزات المضادة على خطوط التماس جنوبي إدلب وغربي حلب.
وتتلخص الشروط الروسية بمطلب فتح الطريق الدولي حلب – اللاذقية “أم 4” أمام الحركة التجارية والطبيعية، لتخفيف الأعباء الاقتصادية على النظام، وهذا يعني وصول قوات النظام إلى الطريق، وقضم كل المساحات المتبقية مع المعارضة جنوبه بهدف الوصول إليه، أو إيجاد صيغة توافقية مع الأتراك على ذلك. ويتذرع الروس بعدم تمكّن تركيا من التعامل مع المجموعات الراديكالية، وعلى وجه الخصوص “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، إذ دائماً ما يلوّح الروس بأن تركيا لم تنفذ هذا الشرط الرئيسي لحل أزمة إدلب برمتها. ودائماً ما يتذرع الروس بتشكيل “الهيئة” خطراً على القوات الروسية، سواء في إدلب أو في قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، بدعوى تعرض القاعدة لهجمات مستمرة بالطيران المسير، الأمر الذي تنفيه “الهيئة” على الدوام.
أما الشروط التركية فلا تزال غامضة، في المرحلة الحالية على الأقل، إذ كان الأتراك يطالبون الروس بإجبار قوات النظام على الانسحاب من المناطق التي تقدمت إليها في “خفض التصعيد”، وربط فتح طريق “أم 4” بحل مسألة التنظيمات الراديكالية، وأزمة إدلب برمتها. فيما يتخوف متابعون في المعارضة السورية من احتمالية لجوء تركيا إلى صفقة مع الروس، تحصل أنقرة من خلالها على مكاسب ميدانية شمال شرق سورية، لإبعاد المجموعات الكردية هناك عن حدودها، مقابل القبول بتمدد النظام والروس في إدلب. ويشوب هذا الاحتمال نوع من الضعف، لعدم قدرة الروس على التحكم بملف منطقة شمال وشرق سورية بالمطلق، بحكم السيطرة الأميركية هناك.
على الأرض، يحشد النظام إعلامياً لمواجهة آتية، بالإشارة إلى الدفع بتعزيزات نحو خطوط التماس جنوب إدلب وغربي حلب. أما في الواقع، فتشير مصادر في “وحدات الرصد والمتابعة” إلى أن ذلك ينصب في إطار التهويل الإعلامي، مؤكدة عدم وصول تعزيزات ضخمة لخطوط الاشتباك والجبهات، إلا عمليات تبديل القوات بشكل دوري وروتيني. في المقابل، عززت المعارضة من نقاطها المتقدمة في جبل الزاوية تحسباً لكل الاحتمالات. ودفعت الفصائل بتعزيزات من المقاتلين، ونشرتهم في الأيام القليلة الماضية على خطوط التماس. وكذلك فعل الجيش التركي الذي استطلع موقعين جنوبي إدلب وغربي حلب، وتحديداً في بلدة بينين بجبل الزاوية والأتارب غربي حلب، لإنشاء نقاط متقدمة هناك بمواجهة نقاط قوات النظام والمليشيات. وقبل أيام عزز الجيش التركي من نقاطه على خطوط التماس بنشر نحو 30 مدفع ميدان على نقاط مختلفة. وهذا المدفع كان الجيش التركي طوره في وقت سابق، ليكون ذا فاعلية في استهداف الخطوط الخلفية للعدو، عند اندلاع مواجهات كبيرة.
ورأى العميد فاتح حسون، القيادي السابق في المعارضة السورية المسلحة والمحلل العسكري، أن “معركة إدلب قادمة لا محالة، إن لم يكن في الوقت الحالي، فالمستقبل القريب سيشهدها حتماً”. وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد” أن “روسيا تريد من إدلب ورقة ضغط مستمرة عند فتح أي ملف من الملفات المشتركة بينها وبين تركيا للاستثمار بهذه الورقة، وكذلك لخلق توازن بينها وبين الوجود الإيراني على أرض سورية، وتحديداً في إدلب. على الجهة المقابلة، فإن تركيا تعتبر إدلب منطقة أمن قومي تمس أمنها بشكل مباشر، وأن أي عملية عسكرية قادمة ستأتي بموجات هجرة ولجوء جديدة، وهذا ما سيؤدي إلى ضغوطات داخلية على الحكومة التركية. وعلى ذلك فإن الأتراك يحاولون منع حدوث أي عملية عسكرية بأي طريقة”.
ورأى حسون أن “الغرب، والولايات المتحدة على وجه التحديد، يساندون خيار بقاء الوضع على ما هو عليه، وهناك تراخٍ من قبل إدارة الرئيس (جو) بايدن، ليس في هذا الموقف فقط، وإنما حيال طموحات النظام والروس في إدلب عموماً. وعلى المعارضة التحرك لتحصيل موقف غربي وأميركي أكثر حزماً في وجه النظام، خصوصاً أن موقف الاتحاد الأوروبي أيضاً بات بارداً في الآونة الأخيرة”. وأكد أن “النظام لا يستطيع القيام بعمل عسكري بشكل منفرد، ويحتاج حكماً لغطاء جوي روسي، فهو لم يستطع التمدد، في مواجهات ومناطق أضعف بكثير، من دون الإسناد الجوي الروسي. وعلى هذا، أعتقد بأن الروس لا يمكنهم دعم أو القيام بعمل عسكري كبير والدخول بمواجهة مباشرة مع تركيا. وكذلك فإن تركيا لن يكون لها ردة فعل قاسية تؤدي لصدام مباشر مع الروس. وبالتالي، فإن بقاء الوضع على ما هو عليه، هو العنوان الحقيقي للمشهد في إدلب في الوقت الحالي، وقد تحدث بعض المعارك والمواجهات الجانبية، إلى أن يتم حسم ملف إدلب دولياً، برضى أميركي ـ روسي ـ تركي، بحيث يظهر بوضوح مصير هذه المنطقة. وعموماً، كل ما يقوم به النظام والروس والإيرانيون حيال ملف إدلب، ليس سوى عبارة عن تسخين للملف، لتحصيل مكاسب في ملفات أخرى”.
المصدر: العربي الجديد