حضر الملف السوري في المشهد السياسي الدولي بقوة، نهاية الأسبوع الماضي، وسيكون كذلك حتى نهاية الشهر الحالي، إذ هيأت اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، واللقاءات على هامشها، فرصة للمعارضة ولنظام بشار الأسد لإجراء مشاورات ولقاءات مع أطراف دولية مختلفة.
ففي حين التقى وفد “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” السورية، برئاسة رئيس الائتلاف سالم المسلط، عدداً من الشخصيات والوفود، من بينهم الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ونائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، الذي يأخذ على عاتقه قيادة جلسات التفاوض مع الروس حيال الملف السوري من قبل الحكومة التركية، برز اللقاءان اللذان أجراهما وزير خارجية النظام فيصل المقداد مع كل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والأردني أيمن الصفدي، وسط مؤشرات إلى دور تقوم به عمّان، بالتنسيق مع موسكو، بغية تعويم نظام بشار الأسد، في تلاقٍ لمصالح مشتركة بين الطرفين.
ويريد الأردن فتح الحدود مع سورية لحل مشاكل اقتصادية نتجت عن توقف التبادل التجاري والاقتصادي في ظل الحرب، كما أن التوترات الأمنية على الحدود لا تزال تؤرق المسؤولين في عمّان وتل أبيب على حد سواء. في المقابل، تريد موسكو تثبيت النظام في دمشق، بمباركة دولية، بعد أن تُرتب له المناخ عربياً، ربما عبر الأردن، وسط معلومات عن سعي عمّان لإفساح المجال للنظام للعودة إلى الجامعة العربية خلال القمة المقبلة في الجزائر.
التمهيد الأردني لهذا الهدف حضر عبر مواقف عدة خلال العام الحالي، لا سيما بعد زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني إلى واشنطن وموسكو. حينها أشارت وسائل إعلام مختلفة إلى أن الملك حمل إلى المسؤولين الأميركيين “خريطة طريق لحل الأزمة السورية”، لم تتكشف تفاصيلها. وأكد الصفدي، قبل أيام، “ضرورة إيجاد حل سياسي يحفظ وحدة سورية واستقرارها، ويعيد دورها في المنطقة، ويهيئ الظروف لعودة اللاجئين السوريين، ويخلّص البلاد من الإرهاب”.
وسط ذلك، ذهبت وسائل إعلام غربية إلى القول إن موسكو باتت تدفع لفتح محادثات ثلاثية جديدة مع كل من تل أبيب وواشنطن لإيجاد مقاربات جديدة لحل الأزمة السورية. وذكر تقرير نشره موقع “أكسيوس” الأميركي، الأربعاء الماضي، أن الحكومة الروسية طلبت من إسرائيل تشجيع الولايات المتحدة على الموافقة على إجراء محادثات ثلاثية رفيعة المستوى بشأن سورية. ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين كبيرين، لم يسمّهما، قولهما إنهما “يؤيدان عقد لقاء ثلاثي بين مستشاري الأمن القومي”، وهو الأمر الذي نفاه البيت الأبيض. إذ نقل الموقع ذاته عن مسؤولين أميركيين عدم حدوث اجتماعات ثلاثية من هذا النوع. لكن التقرير أشار إلى أن التركيز الرئيسي لإسرائيل في الملف السوري هو على إخراج إيران من البلاد، مرجحين أن ذلك لن يكون ممكناً إلا من خلال التعاون الأميركي – الروسي.
وكون الروس يعلمون أن لا معنى للجهود التي يقومون بها في سبيل تهيئة المناخ لتعويم النظام، سواء على المستوى العربي أو الدولي، وإزالة العزلة عنه، ولو بشكل جزئي، من دون المباركة الأميركية، يبقى موقف إدارة الرئيس جو بايدن من الملف السوري غامضاً وعرضة للتأويلات. فمن جهة كان بايدن حاسماً أمام بوتين، خلال القمة التي جمعتهما قبل أشهر، بأن الأسد لا يمكن تعويمه والوثوق به، ومن جهة أخرى يظهر البرود من قبل الإدارة حيال الملف برمته، وغض النظر عن دور أكبر للفاعلين الإقليميين، لا سيما روسيا، لإحداث خرق داخله على المستوى السياسي، فيما يظهر حضور الإدارة الأميركية في الملف السوري عند طفو ملفات إنسانية على السطح، بين الفينة والأخرى.
وتوضّح ذلك خلال التصويت على ميزانية وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في الكونغرس. فمن بين أربعة بنود تم تضمينها في الميزانية لمناقشتها والتصويت عليها، تتعلق بوضع استراتيجية كاملة لسورية، من ضمنها تأهيل “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، شريكة واشنطن في شرق البلاد، لجعلها تحقق الاكتفاء الذاتي بعيداً عن الدعم الأميركي، بما يقرأ على أنه تمهيد للانسحاب الأميركي من البلاد، وهذا ما كان حاضراً في بند آخر، وهو طلب انسحاب قوات الولايات المتحدة من سورية خلال عام واحد، بالإضافة لإنجاز تقرير عن ثروة بشار الأسد وأفراد عائلته، بما في ذلك أبناء أخواله من آل مخلوف، وكذلك طلب إنشاء استراتيجية مشتركة بين الوكالات لتعطيل شبكات المخدرات التابعة لنظام الأسد في البلاد. في النهاية، وافق مجلس النواب على اثنين من المقترحات أو البنود، وهما إنجاز تقرير عن ثروة الأسد وعائلته وأقاربه، ووضع استراتيجية أميركية لمكافحة تهريب المخدرات من مناطق سيطرة النظام إلى دول الجوار والعالم، فيما لم يمر المقترحان الآخران.
كما يظهر عدم الاهتمام الأميركي في الملف السوري على الجانب السياسي، من خلال عدم تعيين مبعوث خاص للرئيس الأميركي إلى سورية، على غرار الإدارتين السابقتين اللتين عايشتا الصراع في سورية (باراك أوباما ودونالد ترامب)، إذ يأتي تعيين الدبلوماسي إيثان غولدريتش في منصب معاون نائب وزير الخارجية المسؤول عن شؤون الشرق الأدنى (سورية، لبنان، الأردن)، ومتابع للملف السوري، من دون أن تكون له تسمية المبعوث الخاص، دليلاً على عدم الاهتمام، إذ يأتي تكليف غولدريتش كخلف لإيمي كترونا، التي شغلت منصب الممثل الخاص بالإنابة لشؤون سورية ومساعد لوزير الخارجية لشؤون بلاد الشام في مكتب الشرق الأدنى، ضمن إدارة بايدن، وأيضاً من دون أن يكون لها توصيف المبعوث الخاص.
وينتظر الملف السوري، ولا سيما موضوع إدلب، لقاء مرتقباً بين كل من الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في 29 من الشهر الحالي، في مدينة سوتشي الروسية. وقال أردوغان، أمس الجمعة: “أميركا كما نرى لم تعد تهتم بسورية، ونحن موجودون هناك مع روسيا وإيران. وإذا كنا نرغب بتحويل المنطقة لحوض سلام فهذا ممكن عبر المشاركة واللقاء”.
المصدر: العربي الجديد