لا يزال الرئيس التونسي قيس سعيّد متمسكاً بأسلوبه في إدارة الشأن العام، على الرغم من مرور سبعة أسابيع على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها. وهو لم يتأثر، ولو جزئياً، بمختلف المواقف التي صدرت عن أحزاب وجمعيات وشخصيات وخبراء اقتصاد، ومنظمات مهنية ونقابية كبرى، ووفود أجنبية، وأصدقاء له، وزملاء سابقين درس معهم.
كل هؤلاء تقريباً دعوه إلى الإسراع بتعيين رئيس للحكومة، كما طالبوه بالكشف عن خريطة طريق تحدد ملامح الوجهة التي ستتجه إليها البلاد في المرحلة المقبلة. كما قدم بعض هؤلاء اقتراحات للخروج من الأزمة الراهنة. مع ذلك بقي الرجل مصراً على نفس المواقف، مستغرباً هذا الضجيج الذي يدور حوله، رافضاً الاستعجال، غير مقدّر لأهمية الزمن في عالم السياسة، وغير عابئ باتساع رقعة المخالفين له، في الداخل والخارج.
في آخر لقاء جمعه بزملاء سابقين له في الجامعة ومختصين في مادة القانون الدستوري، نفى سعيد عن نفسه من جديد تهمة القيام بانقلاب، مؤكداً أن قضية الساعة في تونس لا تكمن في ضرورة تعيين رئيس للحكومة، بل في السياسة التي ستتبعها هذه الحكومة. هذا يعني أن على التونسيين، ومن لهم مصالح حيوية في تونس، الانتظار إلى أن يحدد الرئيس اختياراته، ويعين من يثق بهم، ولا يخونونه مثلما فعل غيرهم.
في الأثناء تزداد الأوضاع غموضاً وتعقيداً على جبهات عديدة، سنكتفي بالوقوف عند اثنين منها. تحتل الجبهة الاقتصادية المرتبة الأولى من حيث الأهمية والخطورة. أصبح الاقتصاد التونسي كالأرض الزراعية المهددة بالجفاف. فالأزمة المالية المتواصلة أخذت تنعكس بشكل ملموس على الدورة الاقتصادية، وأصبح السؤال الذي يتردد على ألسنة الموظفين والعمال في القطاع العام: هل سنحصل على أجورنا نهاية هذا الشهر أم لا؟ كما أصبحت كلمة “الإفلاس” تتردد كثيراً على ألسنة خبراء بالاقتصاد.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو لا يزال مستبعداً، إلا أن مجرد طرحه من قبل الكثيرين يعكس حجم الهواجس التي تُخيم على الأجواء. فالميزانية التكميلية للسنة الجارية لم تتبلور ملامحها، ولم تطرح بعد على طاولة الحوار. كما أن ميزانية 2022 لا تزال في علم الغيب. أما الدائنون فقد شرعوا في التساؤل حول مدى قدرة تونس على الوفاء بتعهداتها في ظل الأزمة الخانقة، خصوصاً بعد خفض الوكالة العالمية للتصنيف الائتماني “فيتش” التصنيف الائتماني طويل المدى لمصادر العملة الأجنبية في تونس من “ب” إلى “ب سلبي”، مع آفاق سلبية، وهو مؤشر من شأنه أن يعكس “مخاطر في مستوى توفر السيولة المالية محلياً وخارجياً”.
وبما أن تونس لم تواصل التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ولم تنجز أي اتفاق معه حتى الآن، فإن الدولة عجزت عن الحصول على قروض خارجية من بقية الممولين الدوليين. وعندما التجأت إلى الاقتراض الداخلي، رفضت البنوك المحلية منح الدولة قروضاً على المدى الطويل، خوفاً من أن تجد نفسها عاجزة عن استرجاع مستحقاتها، وهو ما من شأنه أن يؤدي بها إلى الإفلاس. إنها الدوامة القاتلة.
على الصعيد السياسي اتسعت دائرة المعارضين لرئيس الجمهورية. وتوالت البيانات الصادرة عن العديد من الأحزاب الصغيرة والمتوسطة. وعاد السعي من جديد إلى بناء جبهة سياسية، أو جبهات متعددة، للدفاع عن الديمقراطية. وبدأت الأحزاب تخرج من حالة الدهشة والتردد، وتتجاوز وضعية التشرذم والانقسام، وأخذ معظمها يتغلب على الخلافات الجزئية والمعارك الهامشية التي أضعفت الحياة الحزبية طيلة المرحلة السابقة لـ25 يوليو/ تموز الماضي، وتمهد لبناء تحالفات جديدة. لكن معظم هذه الأطراف لا يزال حذراً ويرفض الاقتراب من حركة “النهضة”.
كما أن الجدل مستمر تحديداً بين المختصين في القانون الدستوري، حول البحث عن مخرج للأزمة الدستورية الراهنة. واللافت للنظر أن بعض هؤلاء الذين ساندوا الرئيس في إجراءاته الاستثنائية أصبحوا يطالبونه بإسراع الخطى في اتجاه تعليق الدستور، ووضع إجراءات لتنظيم السلطة، في انتظار صياغة دستور جديد، يتم إضفاء الشرعية عليه من خلال تنظيم استفتاء عام. لكن هؤلاء يجدون أنفسهم شيئاً فشيئاً يواجهون اعتراضات قوية من أوساط متعددة. فالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي رفع من منسوب التصعيد، واتهم الممسكين بالسلطة بـ”إهدار الفرص”، مؤكداً أن “من يتخذ قراراً في حالة غضب سيكون قراره خاطئاً”. أما مساعده سامي الطاهري فقد كان أكثر وضوحاً عندما أعلن أنه ”نفد الصبر… استمرار الحالة الاستثنائية هو تعميق الحالة المرضية”.
بشكل موازٍ اعتبر أحد كبار أساتذة القانون الدستوري في تونس محمد شفيق صرصار أن رئيس الجمهورية “لا يمكنه حل البرلمان، لأن الفصل 80 من الدستور يمنعه من ذلك”. وذهب إلى ما هو أعمق من القانون، عندما تساءل ”هل سيحلّ تعديل الدستور المشاكل أم أنه سيتحول إلى مشكل في حد ذاته؟”.
المصدر: العربي الجديد