حددت “حركة رجال الكرامة” في محافظة السويداء جنوب سورية شروطاً لتفادي تصعيد أكبر في هذه المحافظة ذات الغالبية الدرزية من السكان، رداً على تجاوزات شخصيات ومجموعات منفلتة تعمل تحت رعاية الأجهزة الأمنية التابعة للنظام. ووفق مصادر مقربة من الحركة ذات النفس السياسي المعارض، فإن من أولى المطالب التي قدمتها الحركة للنظام، رفع الغطاء ومحاسبة مجموعات مارست العديد من الانتهاكات بحق المدنيين في الآونة الأخيرة أو ترحيل أفرادها إلى خارج المحافظة. وكان مقاتلو “حركة رجال الكرامة”، قد حاصروا أول من أمس الثلاثاء، مبنى فرع الأمن العسكري التابع للنظام في مدينة السويداء، على خلفية قيام عناصر من عصابة تابعة لشخص مرتبط بهذا الفرع، يُدعى راجي فلحوط، باعتراض طريق عناصر من الحركة. كما أغلقت الحركة الطرقات المؤدية إلى فرع “أمن الدولة”، والذي يؤمن هو الآخر الغطاء للعصابات في السويداء، وفق مصادر محلية.
وتدعم الأجهزة الأمنية في محافظة السويداء، العديد من الأشخاص الذين كانوا شكلوا عصابات تقيم حواجز بين بلدات وقرى المحافظة بهدف إرهاب المدنيين وابتزازهم. وكان فلحوط قد أثار خلال الأيام الأخيرة حالة من الذعر في السويداء بعد أن أقام حاجزاً وسط بلدة عتيل، خطف عبره طالباً جامعياً، في حين قامت مجموعة تابعة له بدعم من عصابات أخرى، بخطف مدني من دكانه وسط السوق في مدينة السويداء، بهدف الضغط على فصيل “قوات مكافحة الإرهاب”، الذراع المسلح لحزب “اللواء السوري”، لإطلاق سراح عنصر اعترف عبر مقطع فيديو بثه الفصيل، بأنه مكلف من فلحوط بتنفيذ عمليات اغتيال تستهدف قيادات من مكافحة المخدرات. وكان حزب “اللواء السوري” ظهر إلى العلن أخيراً، وهو يضم شخصيات معارضة عدة، تدعو إلى “إنهاء الاستبداد السياسي وسطوة أجهزة المخابرات”.
وأبدت مصادر محلية مخاوف من تفجر الأوضاع مجدداً في محافظة السويداء بدفع من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، موضحة في حديث مع “العربي الجديد” أن “النظام يدفع باتجاه الفوضى والاقتتال الداخلي في المحافظة ليكون بمثابة المنقذ للأهالي”.
من جهتها، اتهمت “الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين” الدروز في سورية، “أطرافاً خارجية حاسدة” لم تسمها بعينها بـ”إثارة الفتنة والتجييش في السويداء”، وذلك في بيان أصدرته أمس الأربعاء، على خلفية التوتر المستمر في المحافظة. ويبدو من بيان الرئاسة الروحية أنها تحاول أخذ دور المحايد أو الأقرب لتوجهات النظام، وذلك من خلال تبني رؤية الأخير بتحميل مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية في السويداء إلى أطراف خارجية. ودعت الرئاسة الروحية للدروز إلى “عدم إراقة الدم بين الأهل”.
ومنذ بدء الثورة السورية في ربيع عام 2011، حاول الدروز السوريون والذين يتمركز أغلبهم في محافظة السويداء، النأي بنفسهم عما يجري في البلاد، إلا أن موجات استياء من الظروف المعيشية كانت تضرب المحافظة بين وقت وآخر. ولطالما تعاملت أجهزة النظام مع الاضطرابات التي تحدث بـ”القوة الناعمة” لتفادي اتساع نطاقها وخروجها عن السيطرة في المحافظة التي يريد النظام بقاءها على الحياد، وعدم انخراط أهلها في أي نشاط معارض له. وتشير معطيات إلى أن النظام سهّل لتنظيم “داعش” مهاجمة الريف الشرقي لمحافظة السويداء في منتصف عام 2018، وهو ما أدى إلى مقتل وإصابة وخطف المئات من المدنيين، وذلك لإبقاء الدروز السوريين تحت التهديد كي يضمن عدم انتفاضهم بوجهه.
وتأسست “حركة رجال الكرامة” على يد الشيخ وحيد البلعوس في عام 2013، لمنع أجهزة النظام الأمنية من اعتقال الشبان الرافضين تأدية الخدمة الإلزامية في قواته. ولكن سرعان ما تعددت المهام التي بدأت تقوم بها الحركة، وخاصة على الصعيد الاجتماعي، إذ بات لها تأثير كبير على الرأي العام في المحافظة، وهو ما كان يشكل خطراً على النظام برمته. وفي منتصف عام 2015، اغتيل الشيخ وحيد البلعوس في تفجير دامٍ، اتُهم النظام حينها بالوقوف وراءه. ولكن ليث البلعوس، ابن القائد المؤسس للحركة التي باتت لاعباً رئيسياً في جنوب سورية، اتهم إيران و”حزب الله” باغتيال والده في ظهور على تلفزيون “سوريا” الشهر الفائت، مؤكداً أن “الإيرانيين يدعمون عصابات الجريمة والخطف في السويداء وينشرون المخدرات”. وقال إن “النظام أصبح عاجزاً عن تأمين أبسط مقومات الحياة الأساسية التي يحتاجها المواطن، إضافة إلى كونه غير قادر أمنياً على حماية أبناء المنطقة من أي اعتداء خارجي”.
من جهتها، قالت الكاتبة المعارضة، ريما فليحان، والتي تنحدر من محافظة السويداء، إن “هناك فوضى منتشرة في المحافظة من خلال انتشار السلاح والمليشيات وعصابات الخطف، وهذا يهدد السلم الأهلي في السويداء”. وأعربت فليحان في حديث مع “العربي الجديد”، عن اعتقادها بأن السويداء “تحتاج أكثر من أي وقت مضى لعقد اجتماع عام يضم كل الشخصيات المؤثرة على المستوى المدني والثقافي والعائلي والاجتماعي والديني والسياسي، من أجل وضع رؤية واحدة وخطة عمل لإنهاء مظاهر العصابات والمليشيات بالمحافظة”. وأضافت: “يجب على كل عائلة أن تتولى وضع حد لتجاوزات الخارجين عن الأعراف والعادات والأخلاق، وفوضى السلاح، بطريقة سلمية، وكذلك التوافق على رفض أي عنف داخل المحافظة وضمان السلم الأهلي”.
ورأت المتحدثة نفسها أنه “لا يمكن مقاومة العنف بالعنف، لأن هذا سيؤدي لمزيد من العنف حتماً، وهو ما سينتج الخراب”، مضيفةً: “التوافق العام ضد هذه المظاهر الشاذة ونبذها اجتماعياً، ونبذ من يقوم بها، كفيل بنزع فتيل أي نزاع محلي”. وأشارت إلى أن “معظم المجموعات المسلحة تقف خلفها أجهزة المخابرات”، لافتة إلى أن “هناك تناقضات كثيرة في المحافظة، ولذلك السلاح والفوضى ستكون مدعاة لتفاقم الأوضاع ويجب استيعاب الحالة من خلال تحرك أهلي مدني لضبط تلك المجموعات ومنع تصاعد وتيرة المواجهات”.
من جانبه، أشار الكاتب حافظ قرقوط، وهو من أبناء السويداء، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن المحافظة “شهدت في الآونة الأخيرة فلتاناً أمنياً وتمدداً لعصابات مسلحة دخلت في نزاعات بين بعضها البعض على النفوذ”. وأوضح أن “الأنظار اتجهت إلى حركة رجال الكرامة لإيقاف ما ترتكبه هذه العصابات المدعومة من الأجهزة الأمنية، وخاصة جهاز الأمن العسكري”، مضيفاً أن “أفراد هذه العصابات لديهم بطاقات أمنية من النظام الذي استخدمهم لتقويض السلم الأهلي في جنوب سورية من خلال عمليات الخطف من محافظتي درعا وريف دمشق المتاخمتين للسويداء”. ولفت قرقوط إلى أن متزعمي هذه العصابات “حوّلوا بلدات وقرى إلى مناطق نفوذ لهم يديرون شؤونها، وهذا إرهاب مدعوم مباشرة من النظام”. واعتبر أن قيام حركة رجال الكرامة بمحاصرة مبنى فرع الأمن العسكري في السويداء “رسالة للنظام، وأعتقد أنها وصلت”، موضحاً أن المدعو راجي فلحوط “لديه سوابق في الخطف والاعتداء على كرامات الناس، في حين تحاول حركة الكرامة استعادة الأمن والأمان في محافظة السويداء”.
المصدر: العربي الجديد