أول هذه الأسس ” اللغة ” :
اللغة هي واسطة التفاهم العقلي بين الناس, ثم إن كل ما يقال أو يكتب من أدب وعلم ودين وثقافة عامة وكل ما يتحدث به الناس من شؤون حياتهم اليومية يستند الى اللغة, ومن هنا كانت هذه اللغة لا بد أن تصبغ هؤلاء القوم بصبغة خاصة تميزهم وتميز نتاجهم الفكري. وكانت الغة العربية لغة شبه الجزيرة العربية وبعض أطراف الشام والعراق قبل الرسالة المحمدية. ولكنها بعد هذه الرسالة أصبحت لغة كل السكان الذين يقطنون الوطن العربي على اختلاف أديانهم واشتراك الجميع في حضارة واحدة ونتاج عقلي واحد منذ أربعة عشر قرنا حتى اليوم .
وثاني هذه الأسس ” وحدة الأرض ” :
هذه الأرض التي تمتد من أقصى الشرق الى أقصى الغرب ومن الشمال الى الجنوب… قطعة واحدة لا يفصلها عن بعضها فاصل طبيعي كبير, قطعة لها جغرافيا واحدة تتمثل في كل قطر من اقطارها المجزأة وتتلخص في احنوائها جميعا على صحراء وجبل وسهل ترويه الأنهار او الأمطار، والذي لا شك فيه أن هذه الطبيعة قائمة وحدها لا تشابه بينها وبين أي قطر يجاتورها, وهذه الصورة العامة لا توجد في كل أقطار الشرق الأوسط والأدني إلا في الوطن العربي .
التاريخ المشترك والمصير المشترك :
هذا التاريح الذي حمل صورة واحدة ومر على أدوار واحدة وصبغ الوطن بصبغة واحدة منذ فجر الإسلام حتى اليوم. فمنذ ضمت الحركة الإسلامية هذه البقاع تحت لوائها ومصير هذه البقاع واحد, تلاقي نفس ما تلاقيه أجزاؤها المختلفة. ففي الماضي القديم كان غزاة هذه المنطقة ينظرون اليها ككل. وفي الحاضر ينظر الإستعمار الى هذه المنطقة نفسها ككل ايضا, ولا ينظر اليها كأجزاء منفصلة، ان الدول الأجنبية تعترف وتجاهر بأن خططها في الشرق العربي لا يكتب لها النجاح إلا إذا وافقت عليها كل الأقطار العربية مجتمعة، وجميع مشاريع الدول الإستعمارية تهدف الى ربط الأقطار العربية كلها الى سياستها لأنها تعلم أن ربط قطر أو قطرين أو ثلاثة لا يوصلها الى هدفها .
إن هذا الواقع – الذي قد يكون غائبا عن بعض الحكومات العربية هو سبب التخبط في سياسة الدول الأجنبية تجاه العالم العربي, وفي السياسة العربية نفسها, فعلى العرب أن يعرفوا ان مصيرهم واحد كما كان تاريخهم, وأن ما يحدث في أي جزء تتجاوب اصداؤه في كل أجزاء وطنهم الكبير. فعليهم أن يحافظوا على هذا المصير, وكما حطموا حلف بغداد عليهم أن يحطموا مناطق النفوذ .
إن المصير المشترك لجميع اجزاء الوطن العربي هو الذي جعل الشعب العربي يساند الجزائر في كفاحها, ويعضد دفاع بورسعيد عن حريتها وكرامتها, ويؤازر جميع الحركات التحررية في المشرق والمغرب العربيين .
المصلحة المادية المشتركة هي الأساس الرابع من أسس القومية العربية :
ولا يحتاج إثبات وجود هذه الخاصية الى دليل فهي حقيقة واقعه, فحتى اعداء القومية العربية ودعاة التجزئة والإنفصال وحتى المستعمر الذي يرهبه انطلاقها…كل هؤلاء يقرون ويعترفون بوجود المصلحة المشتركة، فالثروة البترولية التي تنبع من أرض الجزيرة العربية والعراق لا يكون لها قيمتها ما لم تتكفل بنقلها الى الأسواق العالمية أرض عربية خارج العراق والجزيرة, والإنتاج الزراعي والصناعي في أي بلد عربي لا يمكن ان يجد أسواقه إلا في بقية البلاد العربية, فكل بلد عربي هو سوق المنتجات العربية الأخرى.
التجانس العقلي والروحي :
والأساس الخامس من أسس القومية العربية هو التجانس العقلي والروحي بين شعب هذه المنطقة, ولو أنه توجد فوارق بسيطة في هذه الناحية إلا انها ليست حقيقية بل هي مصطنعة خلقها الإستعمار وأعوانه منذ أن وطئت أقدامه الأرض العربية.
… إن العصبية الدينية هي أحد الفوارق بل أهمها, فرضها الإستعمار ليسنتطيع أن يطبق سياسة ” فرق تسد: على الشعب العربي, بل ان الرجعية بجميع أشكالها سواء أكانت رجعية دينية أم إقطاعية أم استعمارية تعمل على وجود هذه الفوارق لتحطيم وحدة النضال العربي وتفتيتها.
فوحدة النضال العربي ضد الرجعية والإستعمار ووحدة الثقافة العربية التقدمية ووحدة التفكير والتعامل والتعاون بين اجزاء الوطن العربي, وواقع الوجود العربي سيقضي على هذه العوامل الدخيلة وسيعمل على إزالتها …
المصدر: صفحة عبد الرحمن شهاب