احتواء إيران أميركيًا

بشير البكر

درجت العادة أن يتحدث المسؤولون الأميركيون من دون قيود دبلوماسية، حينما يغادرون المناصب، وبعد أن يتحرروا من الالتزامات الوظيفية، يكشفون عن مواقف وآراء تساعد في تفكيك الغموض، وفهم خلفيات المواقف الرسمية. ومن المسؤولين الذين لا يبخلون بإضاءة الوضع في سوريا السفير جيمس جيفري الذي تولى مسؤولية الملف السوري منذ أغسطس/آب 2018 حتى نهاية ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وآخر الآراء البالغة الأهمية التي صدرت عن جيفري ما جاء في حديثه المنشور في موقع “العربي الجديد” يوم السادس من الشهر الحالي. وحول الأوضاع في لبنان، رأى جيفري أن إيران و”حزب الله” هما السبب في إنتاج الفوضى الحاصلة، واصفاً ما يحدث في لبنان بأنه “درس للعراق وسوريا واليمن وغيرها، لما سيحدث إذا لم يتم احتواء إيران”.

لم يأت جيفري بجديد، وما قاله كلام يردده خبراء أميركيون على شاشات التلفزة، وصرح به مسؤولون كانوا في مواقع المسؤولية، مثل مسؤول الأمن القومي خلال الشوط الأول من ولاية ترامب جون بولتون، الذي دعا إلى شن الحرب على إيران من أجل إنهاء تدخلاتها في المنطقة. ووفق هذه الروحية التي كانت طاغية في أوساط إدارة ترامب، جرى إلغاء الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرمته إدارة سلفه باراك أوباما مع إيران في عام 2015، ورأى ترامب أن الاتفاق يحوي “ثغرات كبيرة”. وحسب وزارة الخارجية الأميركية حينذاك، من بين الثغرات “الدعم المادي والمالي للإرهاب”، و”التطرف”، و”مساعدة نظام الرئيس السوري بشار الأسد”، و”فظاعات ضد الشعب السوري”، و”الدور المزعزع للاستقرار” في دول أخرى مثل دعم حزب الله في لبنان والمتمردين الحوثيين في اليمن، و”التهديدات المتكررة لحرية الملاحة”، و”القرصنة المعلوماتية”، و”انتهاكات حقوق الإنسان”، و”الاعتقال العشوائي لرعايا أجانب”. ولا يتطرق الاتفاق بشكل مباشر إلى برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، ولا إلى دور طهران الذي اعتبره “مزعزعاً للاستقرار” في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا واليمن. وشدد ترامب على أن يشمل النص في الاتفاق النووي الجديد على التزام إيران بوقف التدخلات في المنطقة، بما في ذلك سحب الميليشيات الطائفية التي تقاتل في سوريا إلى جانب النظام.

ولم تتردد إدارة ترامب عن الاعتراف بالمسؤولية الأميركية عن تمدد إيران في المنطقة خلال ولايتي أوباما، والعمل على معالجة النتائج المترتبة على ذلك، وأهم خطوة كانت على هذا الطريق هي إلغاء الاتفاق، وإصدار عقوبات صارمة بحق النظام السوري وداعميه عن طريق “قانون قيصر” الذي يشكل أحد أهم العقبات بوجه إيران في سوريا ولبنان، ولذلك لا توفر وسيلة من أجل وقف العمل به، وتبدو أكثر الأطراف زهوا وشعورا بالنصر بقرار نقل الغاز المصري إلى الأردن من أجل إنتاج الطاقة الكهربائية، ونقلها عبر سوريا. وتعتبر طهران أن هذه الخطوة هي الباب في جدار العقوبات الذي سيمر منه موكب التطبيع مع النظام السوري، الذي استقبل أول وفد رسمي لبناني منذ قرار الجامعة العربية تجميد عضوية سوريا عام 2012، وشارك وزير من النظام في اجتماع ضمه إلى نظرائه من الأردن، مصر، ولبنان في الأردن من أجل ترجمة قرارات نقل الطاقة الذي تم بقرار أميركي. وما كان لذلك أن يحصل لولا الفوضى التي أحدثتها إيران في لبنان على مدى السنوات الماضية. وهناك إجماع على أن انهيار الوضع في لبنان هندسته طهران، وتعمل واشنطن الآن من أجل وقفه قبل أن يبلغ الذروة، ومن يحصد في نهاية المطاف هي إيران بفتح طريق التطبيع مع نظام بشار الأسد. ولكن الطريق طويل، وعليها أن تنتظر ختام مفاوضات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي، والتي توقفت بعد ست جولات، بسبب عمق الخلافات بين واشنطن وطهران، والتي تدور حول دور إيران المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى