ما يكتب، منذ نحو شهر، عن أفغانستان وهزيمة الأمريكان وانتصار طالبان، أكثر من قدرة القارئ أو المهتم، على المتابعة والاستفادة.
هذا، إن لم نأت على الغائية ببعض الكتابات، التي لا تقل، كتطرف فكري، عن التطرفين الأمريكي والطالباني مجتمعين، إذ لاحظنا بكتابات لا حصر لها، النظر بعين واحدة لمجريات أفغانستان الأخيرة، ففي حين وصفها البعض بالانتصار المجلجل لطالبان ودحر الاستعمار الكافر الأجنبي، وعوّل على التجربة الطالبانية كأنموذج سيجتاح المنطقة ويجهض مخططات وتآمر الغرب، قلل آخرون مما حققته “الحركة” وبشّر وفق رؤيته الاستشرافية، بنموذج للدولة الدينية الفاشلة، التي ستعزز التطرف وتديم من الاحتراب إلى ما يشاء الله.
ربما، أو على الأرجح، أن في الرأيين كليهما من الجنوح والصحة ولو بعض الشيء، وربما، أو على الأرجح، أن واقع الحال، هو خليط من كلا الرأيين، إذ لا هزيمة لواشنطن ولا لطالبان كما لا انتصار لكيهما، ولعل قادمات الأحداث وما ستقرر الدول الكبرى، من شكل العلاقة مع طالبان، سيكون الفيصل بالمشهد الأفغاني.
قصارى القول: قرأت بهذا الموضوع الأسخن على الساحة الدولية، مقال رأي للسوري وائل السواح في موقع “العربي الجديد”، وفيه من التوصيف والعرض التاريخي الموثّق، ما يلفت الانتباه، أو يشبّع بلغة معدة الإعلام.
إذ عرض السواح، عبر نماذج لحروب الولايات المتحدة، من فيتنام فالكويت للعراق وصولاً لأفغانسان، مستدلاَ بما قاله الساسة الأمريكان والرؤساء خلال كل مرحلة، ليصل لمقولة مهمة برأينا، أن الولايات المتحدة “ربحت كلّ معركة خاضتها، ولكنها خسرت كلَّ الحروب”.
وربما الملفت بمقال السواح تساؤله المهم، لماذا لم تستثمر الولايات المتحدة، بعد انتصاراتها، في البني التحتية والتعليم والصحة وبناء المجتمع، ولماذا لم تسعف البلدان التي وضعت نفسها وصية عليها، بمفاتيح تطور الاقتصاد وبناء الكوادر واستغلال الثروات.
وذلك ليس بأفغانستان فحسب، والتي يشير الكاتب إلى فساد الدولة الأفغانية بظل الرعاية الأمريكية، بل وبالعراق أولاً وأهم، إذ سلمتها بعد قتل الرئيس العراقي، إلى دولة ثيوقراطية متطرفة، الأمر الذي أعاد برأي السواح، إعادة نشوء الحركات الراديكالية المتطرفة، وساق “داعش” كوليد حتمي للفراغ بالعراق وغرق الأمريكان بالدم “زمن قالح من العفن الطائفي والإرهاب الذي سيؤسس لاحقا تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)”.
نهاية القول سؤال: لماذا أغفل الكاتب السواح القصدية بالتصرفات الأمريكية، خاصة بالعراق ومن ثم بأفغانستان اليوم؟
بمعنى، أليس من المحتمل، أن يكون الهدف الأمريكي من غزو العراق واحتلال أفغانستان” احتلال بدليل تفاوض واشنطن مع طالبان للجلاء” هو تماماً الذي رأيناه ونراه، أي ترك العراق بمنطقة الشرق الأوسط، كأنموذج للاحتراب بثوبه المذهبي الجديد وترك طالبان كحالة عن انتصار “الإسلام” ليعتبر من يهمه الأمر، فيترحم على حسني مبارك ومعمر القذافي وحافظ الأسد. خاصة أن واشنطن، صاحبة اليد والقرار بوصول السيسي العسكري إلى سدة الحكم بمصر، بانقلاب علاني سافر على ديمقراطية الصناديق، وهنا لسنا بوادر تقييم تجربة محمد مرسي والإخوان المسلمين بمصر، بقدر ما نشير لتكريس الديكتاتورية العسكرية كخيار أمريكي ورد على مطالب الشعوب بالديمقراطية.
أعتقد، وليس بالاعتقاد غرقاً بنظرية المؤامرة أو اثم، أن “لا شيء يخلق ولا شيء يفنى” على رأي “لافوازيه”، وكل الذي نراه بمناطق دخول الولايات المتحدة، وعبر العالم من أقصاه إلى أقصاه، إنما هو ضمن الخطط الاستراتيجية الأمريكية، لإبقاء أتون الحرب مستعرة، وذلك، ليس فقط لتسويق منتجات الموت من شركات الأسلحة التي تساهم بالدور الأكبر بإيصال الرئيس للبيت الأبيض، بل ولجر من تراهم واشنطن، أنداد المستقبل إلى مستنقعات تلك المناطق، فتوصي بعد أن تخربها وتجلس على تلتها، بضبط النفس واللجوء إلى طاولة المفاوضات.
لا أعتقد أن الولايات المتحدة، بما فيها من تقدم ومراكز أبحاث وتفوق مخابراتي، أنها غبية للحد الذي صوره الصديق وائل، أو من الترف والتخمة المالية لترمي بمليارات الدولارات وعشرات آلاف القتلى، فقط لتربح حروباً خاسرة.
المصدر: زمان الوصل