كمال بركاني: روائي جزائري متميز، هذا أول عمل روائي أقرأه له. نحن أمام رواية من نوع خاص؛ الشعر غالب عليها، سرد شعري وأحاديث مسبوكة بمشاعر فياضة ، نحن أمام تدفق نفسي لانسان ممتلئ بكل شيء في الحياة. لا حيادية عنده يتكلم عن مشاعرة العابرة المباشرة، يحمل هم الظلم والمظلومين في العالم بكل اللّهفة والحرارة.
بطل الرواية غير محدد الاسم هو السارد وهو الموضوع المتكلم عنه، هو وامتداده في قريته (باتنة) والجزائر وفلسطين والعراق؛ الرواية كلها. يعيش الغربة، المرأة حاضرة في وجدانه، تحتل كيانه (ومن منا ليس كذلك). في البدء كانت أمه التي توفيت حين وضعته، ومن يومها يبحث عن معالمها ولا ينجح. عاش في كنف جدته (فاطنه). جدّته المرأة نموذج الحنان والحب والاحتضان. جدّته الوطن، تزوجت سبع زيجات وانحبت والده الوحيد لها، بلعت كل الازواج واستمرت طالبة المزيد. كانت تعيش احساس الانوثة المطلق وتستجيب لنداء الوجود وتتطلب مزيدا من الرجال؛ كالارض العطشى لمزيد من الماء. كانت وطنا صغيرا له. كانت من القوة بحيث فرضت نفسها على محيطها.
هو جرّب المنافي غادر وارتحل واخيرا كان الوطن مستقرا له، وطنا ممتلئا بشرا مأزومين، بدأ من ثورة تحرير عظيمة حملت كارثة ورثها الشعب هي(الحكام وعصبتهم الذين حولوا البلاد مزرعتهم الخاصة وحولت الناس لعبيد ). لذلك كان الوطن فقرا وفسادا ومرضا وبطالة وعوز، كان احتقان وبحث عن خلاص. في المدرسة كان له زملاء، هم العمر المعاش ومحتوى الذاكرة والمصائر المترابطة أو المتفرقة. كانوا ثلاثة هو سمير وأيمن ورابعتهم هيفاء. هيفاء التي دخلت قلبه شبّهها لملاح امّه أو أن تكون وريثة للجده. تباعدوا هو وهي كثيرا، واخيرا كان التفاعل الحتمي. كان الاصدقاء يقولون له انهما متشابهان وعندما اقتربا من بعضهما اكثر، اكتشفا نار الحب تلتهمهم. كانت المصارحة وقطعت الدرب عليه طريقي مقطوع عليك حب دون اقتران. وعند التفاعل والتساؤل اكثر تبين أنها ضحية اغتصاب جماعي في سنّها المبكر وأنها (مدنسة)؟!!!. تدمن الحبوب المهدئة. تعيش أزمة وجودية. هي الإنسان الضحية لوقت ما، والضحية -دائما- عندما لا تنصف اجتماعيا او ذاتيا تستمر مأزومة، مع ذلك يستمر الحب ويعمر وجودهم. الصديقان أيمن وسمير والكل يعيشون آلام الواقع واحساس الظلم ؛ وأن الوطن يلفظ ابناؤه الى الغربة أو الفاقة والبطالة ، لكل رأي: سمير قلبه عامر بالله. أيمن يغب من ملذات الدنيا، فهي عابرة بحلوها ومرّها. يمر على الوطن وجع العرب في فلسطين كل يوم. العراق وبغداد المستباحة ويجتمع الشباب يلبوا نداء الجهاد، ليذهب صوتهم في الفراغ واستجابتهم لا تتجاوز قلوبهم و حناجرهم. تسقط بغداد تحت اقدام الغزاة مدمرة مدماة جريحه. وفي الوطن الجزائر يدخلون تجربة الديمقراطية الموؤودة الضائعة بين عسكر لم يتنازلوا عن السلطة ومكاسبها، وبين شباب لم يستسلموا، ليدخلوا في صراع مع السلطة استخدمت بها كل شيئ، كانت الجزائر وشعبها الضحية، صديقه ايمن كان مع السلطة وقتل في الصراع، سمير كان مع الاخرين واصبح من سكان الجبال و الصراع المرير والدائم.
في يوم ما يحضر والد هيفاء ليأخذها وتصبح حياة صاحبنا جحيما. و يستيقظ يوما على خبر زواج هيفاء من سمير. أوراق ايمن اكدت انه احبها ايضا، لقد اشتركوا جميعا في (جرم) الحب العظيم لهيفاء.
تنتهي الرواية وصاحبنا يبحث عن أفق جديد.
في تحليل الرواية نقول:
هيفاء هنا الوطن المغتصب من الكل؛ الغازي وأبناء البلد الذين لم يعرفوا كيف يعيشون علاقة شرعية مع وطنهم بالديمقراطية. الغرب حاضر بجرح فلسطين واحتلال العراق.
للرواية فصل لم يكتب؛ ها هو ربيعنا العربي يأتي ونحن الشعب العربي متعطشين لثمرة الحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل.
الحكّام المستبدون والغرب ما زالوا يقومون بنفس الدور: قتل وصمت عن المظالم وفتنة ونحن الشعب الضحية دائما. للرواية فصل لم يكتب بعد، وهو أننا سننتصر يوما ما قادم.
الواقع متشابه …