بعد منتصف الليل وأهلنا المحاصرين تحت القصف والجوع والرعب من الموت العابر بأشكال مختلفة، يقصف النظام في مناطق واسعة من الغوطة وهم نيام تلك المواد الكيماوية السامة والخانقة، وتحصل مجزرة تصيب الناس واغلبهم نساء وأطفال، استشهد ما يزيد عن الألف وخمسمائة انسان والإصابات بالالاف، وفريق التفتيش الدولي في الفنادق بدمشق يغط في نومه وهو على بعد عدة كيلومترات من موقع الجريمة المجزرة.
اولا. لم يكن النظام القمعي السوري ليتجرأ على فعل هذا العمل لولا وجود ضوء أخضر دولي، عبّر عنه من خلال دعم حلفائه المطلق له، حيث قدم الروس سابقا ما اعتبروه ادلة على ان المعارضة السورية المسلحة قد استخدمت الكيماوي إلى مجلس الأمن، وأسسوا لاحتمال استعماله ثانية والمجرم جاهز. وهل الثوار يستخدمونها لقتل أهلهم.؟!!. ولن نتكلم عن دعم إيران المطلق للنظام مالا وسلاحا ورجالا، ولا آخر كلام نصر الله: انه مستعد للقتال شخصيا في سورية، كمؤشر معنوي ومادي على الدعم المطلق للنظام، و خطاب الأسد الأخير الذي أعلن فيه الحرب الشعبية “شعب وجيش” يعني هو وعصبته وبكل الوسائل ضد “الإرهابيين” يعني ضد الشعب السوري حتى فنائهم أو عودتهم عبيدا.
ثانيا. الحالة السورية بدأت تأخذ منحى ايجابيا لصالح الثورة، فقد عاد النظام لموقع الدفاع مجددا وأخذ يخسر بعض مواقعه والاهم هيبته وخاصة على جبهة الساحل، وان كل الجعجعة والصوت العالي والتهديد والوعيد من الأسد وحلفائه روسيا وإيران وحزب الله لم تستطع أن تعيد الزخم له أو أن ينتقل للمبادرة والهجوم ثانية.
ثالثا. تقدم الثوار في الساحل ووصلوا إلى بيوت أركان النظام وحاضنته الشعبية، وهذا أثر في معنوياتهم حيث أنهم وعدوا بالنصر وان لا يطالهم أي خطر، فوصلها الموت والتشرد وظهر وهمهم أمامهم عاريا، ولم يستطع النظام عبر أشهر أن يخترق جديا أي موقع في خاصرة دمشق: المعضمية وداريا والغوطة الشرقية صامدة بل في تقدم أيضا، موكب الأسد يستهدف، والخرق داخل مدينة دمشق يتسع، وفي حلب والشمال يسقط مطار ويحاصر الباقي، تغير نوعي في دير الزور لصالح الثوار، النتيجه النظام على الأرض يتراجع، انه يحتاج لمخرج نوعي.
4.هناك استحقاقات دولية حول الحالة السورية تنتظر التفعيل في المسار السياسي المتوقف فلا جنيف، والنظام يتريث لينتهي من الثورة ويسميها إرهابا، ويفضل الحل الداخلي بمن تبقى من الشعب السوري، والثورة بفعالياتها لم تعد قادرة على قبول أي حوار حول مستقبل سوريا إلا والنظام خارج المعادلة، فالقتل والتشريد والتدمير والتخريب تجاوز أي حالة تفاهم مع النظام بل وضعنا أمام مطلب إسقاطه ومحاسبته، لذلك كان النظام والثورة يعتمدان على واقع الحسم على الأرض ، وانتصارا لطرف على آخر في الميدان.
خامسا. اصبح واضحا ان المسرح العربي صار كله تحت الهجمة المتعددة الأبعاد، والمقصود بها خلط الأوراق: تفجيرات في لبنان لتسعير الوضع الطائفي ومن خلال الاختلال في الوضعية اللبنانية، ومن دعم حزب الله للنظام السوري و مقدمة لحرب أهلية لبنانية، وكذلك في العراق حيث التفجيرات مستمرة والضحايا أيضا، والاحتقان الطائفي يزداد والاصطفاف مع وضد الثورة السورية، مع مظلومية الحالة العراقية داخليا تضع العراق على نار الحرب الأهلية، ولا نعرف متى تتصاعد لتصنع الحالة التي لا رجعة عنها، وكذلك مصر والمجهول الذي تسير فيه بعد إسقاط رئيس منتخب وتبرئة رئيس قامت عليه الثورة؛ قتل بالآلاف وتحويل جزء من الشعب الى ارهابيين “.الاخوان المسلمين”، وخلق شرخ وطني تحت عنوان “إسلامي عَلماني” ، وعودة النظام السابق عبر الجيش وبقية أركان الدولة السابقة ، وهجمة شرسة ، وحملة قتل وتخوين وتهم جاهزة في القضاء: كل قيادات الإخوان متهمة بالتحريض على القتل .والبرادعي متهم بالخيانة العظمى، مصر تدخل في المجهول، في ليبيا اغتيالات وتفجيرات وتصعيد لخلق فتنة وكذلك تونس ، بنفس الآليات والطرق، والهدف غير المعلن ولكن الممارس : اسقاط الربيع العربي وعودة الاستبداد أو الذهاب للحرب الأهلية.
سادسا. كل ذلك كان حاضرا في عقل النظام السوري، واستقراء هوى الغرب ، وكذلك الدعم المطلق من حلفائه، وإرادته بحسم الحالة أو تسجيل انتصار ميداني نوعي يعيد المبادرة له ويشد أزر مناصريه يختبر ردة فعل النظام العالمي حول تصرفاته.
سابعا. في هذا التوقيت بادر النظام للقصف ليلا بالكيماوي في ريف دمشق على المدنيين وهم نيام لضمان اصابة اكبر عدد منهم، ليكون الجرح اكبر، ومنعكسه شعبيا اقوى، لضرب معنويات الناس وزرع اليأس من الثورة وإلغاء الحاضنه الشعبيه لها، واختبار رد الفعل الدولي، مع العلم انه يحتمي بالفيتو الروسي الصيني ، إضافة لقدرته مع حلفائه على تمييع ما حصل، وليقدم للغرب متغيرا يبني عليها سلبا او ايجابا اتجاه الحالة السورية.
ثامنا. نحن في الثورة السورية أصبح لدينا يقينا ان الاطراف الفاعلة ، في الحالة السورية تتحرك على قاعدة :”تحريك الأزمة السورية وليس حلها”، أصبحنا نفهم غياب الدعم أحيانا أو نقصه وأن يحصل ذلك في مناطق ومناطق وان يصل مجموعات دون مجموعات، أصبحنا نفهم شراء الولاءات والعمل على استمرار التشتت بالعمل العسكري للثورة وكذلك العمل السياسي، كله يخدم استمرار “الأزمة” وليس حلها.
تاسعا. نحن في الثورة السورية وباسم شعبنا الذي قدم مئات آلاف الشهداء والمعتقلين والجرحى والمفقودين وملايين من المشردين داخليا وخارجيا، لا نتعامل مع دمنا كلعبة سياسية، بل كتحدي وجودي نقدم كل الجهود لننتصر، واننا ندرك ان توحدنا السياسي والعسكري هو المطلوب المباشر على الارض، واننا غادرنا والى غير رجعه المراهقة الفكرية والسياسية وأن الدم السوري يصرخ وعلينا أن نلبي النداء.
اخيرا: يا أهلنا يا امهاتنا يا أطفالنا الذين يقتلون يوميا بجميع انواع الاسلحة، إن دمكم عار على العالم ، ووصمة على النظام ، عهدا سنسقطه ونحاسبه لن نرحم ولن نسامح.
يا أهلنا الذين “ناموا”مطمئنين نموت معكم في كل لحظة، و نستمر بالحياة من أجل أن نسترد لكم دمكم: حرية وكرامة وعدالة وتقدم ودولة ديمقراطية لكل الشعب السوري العظيم.