وجه الجنرال الفرنسي غورو إنذارًا إلى حكومة الملك فيصل في دمشق تطالبه بحل الجيش السوري المشكل حديثًا، ومع أن قائد الجيش ووزير الدفاع آنذاك القائد يوسف العظمة طلب رفض الإنذار، إلا أن حكومة الملك فيصل قبلت الإنذار وقامت بحل الجيش وتسريح عناصره، لم يكن الإنذار سوى حجة لغزو سورية، فقد ادعى الجنرال أن الرد لم يصله بالوقت المحدد، فأرسل قواته من الفرقة الأجنبية المشكلة من جنود من المستعمرات الفرنسية في المغرب والجزائر والسنغال وغيرها لاحتلال دمشق. قرر قائد الجيش يوسف العظمة التصدي للمحتل وعدم تركه يدخل دمشق دون مقاومة مع أن النتيجة كانت معروفة فميزان القوى مختل بشكل كبير لصالح العدو ولم يستطع هذا القائد الشهيد أن يجمع سوى 3000 جندي وضابط من عناصر الجيش المنحل وبتسليح خفيف مقابل عشرات الآلاف مدججين بالسلاح الحديث والمدرع وكانت آخر كلماته لفيصل بيت شعر للمتنبي يقول فيه : لايسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم، وأوصاه بابنته الوحيدة ليستشهد بهذه المعركة المشرفة والتي لم تستمر أكثر من ساعات في قرية ميسلون على طريق بيروت دمشق. حيث يرقد إلى الآن وتذهب الوفود كل عام بهذه المناسبة لزيارة قبره.
قيل الكثير في هذه المعركة فالبعض اعتبرها انتحارًا ليس له معنى ومعروفة النتائج ومن عزى انتصار الفرنسيين السريع لخيانة في الجيش السوري ومن ومن ومن الخ.
ولكن دعونا نتصور أن هذه المعركة لم تحصل وأن القائد يوسف العظمة جلس في مكتبه ينتظر الجنرال الفرنسي ليسلمه المدينة دون قتال. أو ينسحب إلى حمص أو حلب بعيدًا عن أعين المحتل فماذا سيكتب التاريخ عندها، هل سيمتدح موقفه بأنه منع إراقة الدماء في معركة خاسرة وأنه عمل جيدًا بتسليمه المدينة دون قتال. هناك موقف آخر حصل مع وزير دفاع سوري آخر عام 67 فقد سلم محافظة القنيطرة المحصنة والمسلحة والتي لم يكن العدو يحلم باحتلالها حسب مذكرات قادته وكانت أوامره تقضي بترك السلاح والإنسحاب كيفيًا بدون سلاح {يبدو أن المحافظة بيعت مع السلاح} فما هو تقييمنا الآن لموقف الوزيرين وما هي كلمة التاريخ. إلى الآن وبعد أكثر من مئة عام لا يذكر الشهيد يوسف العظمة إلا بالاحترام والتبجيل، كما لايذكر الآخر إلا وتصب عليه اللعنات.
في زياراتنا السنوية لضريح يوسف العظمة لم نكن نقابل بالترحاب من عناصر الأمن في المنطقة وكان البعض يتعرض للاستدعاء إلى الفروع الأمنية، فقد كانت تصرفات النظام تتجه دائمًا إلى محو ذكرى وتغييب آثار كل الوطنيين الشرفاء وبذلك يعتقد الأسد أن لاغيره في الميدان فهو باني مجد سورية من خلال مجده الشخصي ومجد إنجازاته التي لم تكن سوى مذابح وكوارث سياسية واقتصادية واجتماعية وفي كل المجالات ممتدة على أكثر من نصف قرن.
فهل أضحى واضحًا لماذا نحتفل ونبجل ذلك الجيل من الرواد الذين ضحوا بحياتهم من أجل مجد وطنهم ومواطنيهم، مقارنة بمن ضحوا بالوطن من أجل مايظنون أنه مجدهم الشخصي الذي لم يجلب سوى الاحتلالات والتدخلات في وقت ما زال النظام ينبح بالسيادة والشرعية وهو يعرف تمامًا ومحازبوه يعرفون أيضًا أنه ضحى بالسيادة وبالوطن والمواطنين من أجل مجد شخصي زائف.
لم تكن معركة ميسلون سوى معركة حرية وكرامة التي مازلنا نبحث عنها إلى الآن
حولت فرنسا الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم إلى احتلال وشتان بين الإثنين، فبدل التنمية والتنوير والبناء الذي تنص عليها مهام الإنتداب كان الاستعمار الذي قتل وشرد ونهب وسلخ أكثر من ثلث سورية، وذلك أيضًا بعد سايكس بيكو الذي قسمت سورية الطبيعية إلى أربع دول ولم تكن نصوص الانتداب تسمح للدولة المنتدبة التصرف بأي جزء من الدولة الواقعة تحت الانتداب.
إلى الآن هناك من يقول أن فرنسا ساهمت في البناء والتنمية، وهؤلاء هم عشاق الاستعمار وتوابعه. وبعد خروج فرنسا المحتلة من سورية جاء من يقسم المقسم أصلًا فسورية اليوم موزعة لأكثر من خمسة أجزاء بفضل نظام تابع ينفذ مافشلت بتنفيذه قوى الاستعمار. حمى الله سورية ونصرها على عدوها وأعاد لها حريتها وكرامتها بزوال نظام القتل والتدمير، ومجيء نظام وطني ديمقراطي لكل أبنائها.
المصدر: إشراق