يترقب سكان محافظة درعا، جنوبي سورية، نتائج الاجتماعات المتواصلة منذ أول من أمس الجمعة، الجارية بين اللجان المركزية في هذه المحافظة وبين النظام السوري برعاية من الجانب الروسي، لحسم مصير أحياء درعا البلد، التي حاولت قوات النظام ومليشيات تساندها اقتحامها منذ أيام، إلا أنها جوبهت بمقاومة من مقاتلين محليين أجبروها على التراجع.
وحول هذه الاجتماعات يقول الناشط الإعلامي أحمد المسالمة، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه من المقرر أن تستمر الاجتماعات بين وفد من اللجان المركزية التي تمثل أهالي المحافظة وبين الجانب الروسي، مشيراً إلى أن الأمور “تتجه نحو تهدئة وتسويات وتنظيم انتشار جيش النظام في عموم محافظة درعا”. ويوضح أن الفصائل المحلية التي وقفت بوجه قوات النظام في العديد من مناطق المحافظة أعادت العشرات من عناصر النظام الذين كانت قد أسرتهم في الاشتباكات التي جرت الخميس، مشيراً إلى أنه “تم تبادل أربع جثث للثوار مع جثة ضابط من قوات النظام”. ويكشف أن الجانب الروسي “يبحث عن تهدئة شاملة في جنوب سورية”، لافتاً إلى أن موسكو “تدرك أنها فقدت ثقة أهالي الجنوب السوري، لذلك تضع اللواء الثامن من الفيلق الخامس المدعوم منها بالواجهة لتنفيذ طلباتها”.
وكانت روسيا قد شكّلت هذا اللواء الذي يقوده القيادي السابق في الجيش السوري الحر أحمد العودة، في عام 2018، ويضم المئات من العناصر الذين كانوا ضمن فصائل المعارضة السورية التي اضطرت إلى توقيع اتفاقات تسوية مع النظام منذ ثلاث سنوات، لم يلتزم الأخير بها، وهو ما يدفع الأوضاع في المحافظة نحو التعقيد. وعلى الرغم من إعلان روسيا عن توصل نظام الأسد وممثلي أهالي درعا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في المحافظة اعتباراً من أول من أمس الجمعة، إلا أن معطيات ميدانية تؤكّد أن النظام السوري لا يزال يحشد قوات في المحافظة استعداداً لجولة جديدة كما يبدو للقتال، في حال فشلت المباحثات التي يرعاها الروس.
وحيال هذه المستجدات يشير الناشط أبو محمد الحوراني في حديثٍ لـ”العربي الجديد” إلى أن “تعزيزات كبيرة من الفرقتين الأولى والعاشرة، تضم دبابات وراجمات صواريخ، انطلقت من منطقة الكسوة، فجر أمس السبت، ووصلت إلى مدينة ازرع، في حين اتجه قسم منها نحو مدينة درعا”. ويبدي اعتقاده بأن “النظام يحاول كما يبدو تجميع قواته في مناطق محدودة، مع سحبه قسماً من قواته مساء الجمعة من الريفين الشرقي والغربي، وأيضاً سحب كامل قواته من بلدة المليحة الشرقية إلى اللواء 52 قرب الحراك ومعبر نصيب الحدودي. كما نقل آليات عسكرية ودبابات من منطقة الري ومجمع السالم بريف درعا الغربي، إلى حي الضاحية بمدينة درعا”.
ويبدو أن النظام السوري لا يزال مصرّاً على تسليم المقاتلين المحليين لأسلحتهم، وهو ما ترفضه اللجان المركزية في درعا التي تطالب بانتشار “اللواء الثامن” التابع للجانب الروسي في أحياء درعا البلد، واستبعاد أي وجود لقوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة له. ويؤكد القيادي السابق في فصائل المعارضة في الجنوب السوري، العميد إبراهيم جباوي في حديث مع “العربي الجديد” هذا الأمر، مشيراً إلى أن “تأخر الخروج باتفاق في المفاوضات الجارية برعاية روسية يعود إلى رفض الثوار تسليم أي سلاح للنظام، ويرفضون أيضاً إقامة أي نقاط أمنية أو حواجز لقوات النظام داخل أحياء درعا البلد”.
ويبدو أن عدم تدخل موسكو في مجريات الصراع العسكري، والذي تقدمت خلاله الفصائل المحلية، كان رسالة واضحة للنظام والإيرانيين أنهم غير قادرين على الحسم من دون تدخل روسي مباشر من خلال القصف الجوي. ويبدو أن أي اتفاق سيحدّ من النفوذ الإيراني في محافظة درعا، المتمثّل بـ”الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد، ومليشيات أخرى تابعة لها، والتي حاولت فرض سطوتها بالقوة على أحياء درعا البلد، إلا أنها فشلت وتكبدت خسائر كبيرة وظهرت أنها عاجزة عن تحقيق أي تقدم على الأرض.
وإزاء هذه التطورات يعتبر المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الجانب الروسي لم يستطع ضبط قوات النظام والمليشيات الإيرانية وحزب الله في درعا على الرغم من أنه كان الضامن لاتفاقات التسوية التي جرت”، مضيفاً أنه “وصل الأمر بهذه القوات إلى حد اعتقال شبان من محافظة درعا على الحواجز وزجهم في معارك الشمال الغربي من سورية”. ويشدّد على أن “المعادلة الآن في درعا إما الاستجرار إلى الموت من خلال العمل مع قوات النظام، أو الوقوف في وجهها”.
ويعرب عن اعتقاده بأنه “لا يمكن عزل المعطى السياسي عن المعطى العسكري في سورية”، مشيراً إلى احتمال “حصول اتفاق روسي ـ أميركي بعد قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن في جنيف السويسرية في 16 يونيو/ حزيران الماضي، لإيجاد حل سياسي في سورية وهو ما يقلق النظام”. ويشير إلى أن الجانب الروسي “لم يدخل المعركة التي جرت في درعا، بل إن اللواء الثامن التابع للروس قدّم تسهيلات للفصائل المحلية، التي واجهت قوات النظام التي لم تعد تملك إرادة قتال وباتت عاجزة تماماً عن تحقيق تقدم من دون الغطاء الجوي الروسي”.
ويصف الفرحات ما حصل في محافظة درعا خلال الأيام القليلة الماضية بـ”النصر الكبير للثوار بأسلحة خفيفة”، لافتاً إلى أن “الثوار تعاملوا بوعي كبير وإنسانية مع أسرى النظام من ضباط وعناصر”، مضيفاً: اضطر الأهالي إلى مواجهة النظام بسبب شروطه التعجيزية. واليوم بات الوفد المفاوض الذي يمثّل أهالي درعا بموقف تفاوضي أقوى مع رفض تسليم السلاح، أو انتشار قوات النظام في أحياء درعا البلد، أو تهجير أحد من الأهالي إلى الشمال السوري.
وتنقسم مدينة درعا مركز المحافظة التي تحمل ذات الاسم إلى قسمين، يفصل بينهما وادي متفرع من نهر اليرموك، هما: درعا المحطة التي لم تخرج عن سيطرة النظام السوري طيلة سنوات الصراع في الجنوب السوري، ودرعا البلد والذي يشمل طريق السد (نسبة للسد المائي) والمخيم (نسبة لمخيمين يضمان فلسطينيين، ونازحين من الجولان السوري منذ عام 1967).
المصدر: العربي الجديد