ناقشت مجلة “ناشونال إنترست” في تقرير وضع المسيحيين في سوريا، وكيف أثرت الحرب عليهم تحديداً من ناحية الهجرة، وركزت المجلة على مسعى النظام الذي يحاول أظهار نفسه على أنه حامي المسيحية في الشرق.
وأشارت المجلة في التقرير الذي حمل عنوان: “محنة اختفاء المسيحيين السوريين”، إلى أن الأسد يحاول تصوير نفسه على أنه حامي المجتمع المسيحي السوري خلال سنوات الحرب التي شهدتها البلاد، مسلطاً الضوء على التهديدات التي تمثلها العديد من الجماعات المتشددة المنتشرة في سوريا.
لأكثر من عقد من الزمن، تمزقت سوريا بسبب المواجهات العسكرية بين أطراف النزاع، بينما كان التركيز الدولي على وضع المسيحيين في العراق، فيما لا يتم الكشف عن الوضع المسيحي في سوريا.
كان المسيحيون في سوريا حتى أواخر ستينيات القرن الماضي يقدرون بحوالي 30 في المئة من عدد السكان، لتتضاءل النسبة منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 إلى 10 في المئة. وانخفضت أعداد المسيحيين من 2.2 مليون قبل الحرب إلى أقل من 677 ألفاً حالياً، وفقاً لمؤشر اضطهاد المسيحيين في البلدان العالمية، الذي نشرته المنظمة غير الحكومية “أوبن دورز”.
ويرى المنشق السوري والخبير الاقتصادي ورئيس منظمة “مسيحيون سوريون من أجل السلام” أيمن عبد النور أن “النظام ليس حامياً للأقلية”، مشدداً على أن النظام يستخدم تلك البطاقة للمساومة وتقديم المساعدة والتلاعب بالغرب وخاصة المسيحيين المحافظين.
ويعتبر عبد النور أنه في بداية الحرب، كان العديد من المسيحيين يؤيدون الأسد، إلا أنّهم أدركوا أنّه لن يوفر لهم الحماية، وذلك بعد نحو 4 إلى 5 سنوات من بداية الحرب. وتقدّر نسبة المسيحيين في سوريا حالياً بأقل من 5 في المئة من السكان، إذ انخفض عددهم من نحو 900 ألف قبل الصراع إلى أقل من 400 ألف حالياً، بحسب عبد النور.
وتتواجد في سوريا كنائس أثرية عدّة، اعتُبر العديد منها ملاذاً آمناً، بينما تم تفجير كنائس أخرى.
وأعلن الأسد قبل أسابيع فوزه بالانتخابات الرئاسية، ليخرج العديد من الموالين له للاحتفال “بالنصر” بمن فيهم عدد من المنتمين إلى طائفة الروم الأرثوذكس. ولكن بالنسبة لقسم آخر من المسيحيين السوريين، فإن هذا يعني تضاؤل الأمل بالعودة إلى الوطن في الوقت القريب. ومع ذلك، كانت فترة الأسد محفوفة أيضاً بالولاءات المعقدة للمسيحيين، بالنظر إلى أن النظام السوري يفتخر بأنه حامٍ للأقلية المسيحية.
ويعزز موقف الأسد العلني كمدافع عن المسيحيين بفكرة أنه هو أيضاً من الأقلية العلوية. والتي تبلغ نحو 17 في المئة من السكان. ويشكل المسلمون السنة الأغلبية، بنحو 74 في المئة من تعداد السكان المتضائل.
وقالت “ناشونال إنترست” إنه من خلال تسليط الضوء على التهديد الذي تمثله العديد من الجماعات الإرهابية والمتطرفة والمتشددة العاملة على الأراضي السورية، يصوّر الأسد نفسه على أنه حامي المجتمع المسيحي. وقد تفاقم هذا الموقف مع صعود تنظيم داعش في مساحات شاسعة من البلاد منذ نحو ثماني سنوات. بالإضافة إلى ذلك، عززت روسيا حليفة الأسد دورها كحامية مزعومة للمسيحية.
ويدعم العديد من المسيحيين السوريين الأسد لأنهم يعتقدون أنه الخيار الأفضل، وأن البديل هو التطرف وهذا سيكون أسوأ بالنسبة للمسيحيين.
وترى المديرة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة “انترناشيونال كريستيان كونسيرن” كلير إيفانز أن النظام يقدم حماية زائفة للمسيحيين، ولكن في نهاية المطاف يضع المسيحيين في وضع صعب، فأياً كان من يؤيدون سياسياً، سوف يتعرضون للتهديد والمعاقبة، ولهذا يقدمون الولاء للأقوى بهدف الحماية فقط.
مع ذلك، يسارع نشطاء حقوق الإنسان السوريين إلى تسليط الضوء على أن حياة الغالبية العظمى من المسيحيين انقلبت رأساً على عقب بسبب نظام الأسد وليس الجماعات الإرهابية.
وذكر تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان صادر عام 2019 بعنوان “استهداف أماكن العبادة المسيحية في سوريا تهديد للتراث العالمي”، أن النظام “يتحمل المسؤولية الأساسية عن 61 في المئة من استهداف أماكن العبادة المسيحية في سوريا”.
وخلال سنوات الصراع، تمّ توثيق ما لا يقل عن 124 هجوماً على دور العبادة المسيحية بين آذار/مارس 2011 وأيلول/سبتمبر 2019، خمسة وسبعون هجوماً منها كان على يد قوات النظام السوري، وعشرة على يد تنظيم “داعش”، في حين كانت “هيئة تحرير الشام” مسؤولة عن هجومين آخرين.
وأكد تقرير “ناشونال إنترست”، أن ترسانة الأسلحة العائدة لقوات الأسد أحدثت الضرر الأكبر مقارنة بفصائل المعارضة المسلحة الأخرى. وأشار إلى أن “استهداف دور العبادة المسيحية هو شكل من أشكال الترهيب ضد الأقلية المسيحية في سوريا ووسيلة لتهجيرهم”، مشدداً على أن قوات النظام غير مبالية بالأضرار التي يُلحقها بالدولة السورية، بما في ذلك تاريخ الأمة والتراث الحضاري الذي يعود إلى آلاف السنين”.
ويشدد مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فاضل عبد الغني على أن “أولئك الذين ما زالوا يدعمون الأسد في الغالب يفعلون ذلك بدافع الخوف، فالحرية غائبة عن سوريا”.
ويشير دعاة حقوق الإنسان إلى أن المسيحيين يلقون المصير نفسه كأي مواطن سوري يثير غضب الحكومة، كما أنهم يتعرضون بشكل روتيني للسجن التعسفي والاختفاء القسري والوقوع في مرمى نيران الصراع.
ومما يزيد من تفاقم محنتهم الآن، الظروف غير المستقرة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد والقوات المعارضة المدعومة من تركيا. علاوة على ذلك، فإن الظروف الاقتصادية المتدهورة والفقر الناجم عن جائحة كورونا جعلت الوضع لا يطاق بالنسبة للسوريين، مما دفع أولئك الذين صمدوا لفترة طويلة إلى الهرب.
وقالت إيفانز: “لدينا العديد من حالات الاضطهاد في المناطق الكردية حيث تم الاستيلاء على منازل المسيحيين، أو استهدفتهم الجماعات الكردية بعنف. وفي بعض الحالات، انسحب المسلحون الأكراد ليترك المسيحيون لمصيرهم مع الجماعات المسلحة”، مضيفة “يعيش العديد من هذه العائلات في ظروف يرثى لها دون أمل أو رغبة في العودة إلى ديارهم في ظل الظروف الحالية، وما علينا سوى أن نرى كيف ستنخفض الأرقام في الأشهر والسنوات القادمة، وما هو الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة في الحفاظ على المسيحية”.
ورغم أن الحرب قد انتهت في أجزاء واسعة من سوريا، إلا أن الأزمة الاقتصادية تفاقمت لأسباب عديدة أهمّها العقوبات الدولية، تحديداً الأميركية منها، التي أثّرت سلباً على السكان أولاً قبل أن تطال نظام الأسد، بحسب بنيامين بلانشارد، مدير منظمة “أس أو أس كريستيان دوريون” غير الحكومية، الناشطة في مجال الدفاع عن المسيحيين. كما يعتبر أن”العقوبات تدفع السوريين إلى الهجرة، خصوصا المسيحيين، لأن الأقليات هي الفئات الأكثر هشاشة وحساسية في أي أزمة”.
المصدر: المدن