قمة بايدن بوتين : “جيد أننا إلتقينا”

بسام مقداد

لم تبلغ العلاقات الروسية الأميركية منذ نهاية الحرب الباردة مستوى التدهور، الذي تعقد في ظله قمة بايدن بوتين في 16 من الجاري. وكما سبق لقمة بوتين وترامب في هسلنكي العام 2018 أن اكتسبت أهميتها من مجرد اللقاء الشخصي بين الرئيسين، لا يتوقع إعلام الطرفين نتيجة مختلفة  للقمة الحالية، على الرغم من تعداده للقضايا الثنائية والدولية، التي تنتظر مساهمة الدولتبن في إيجاد الحلول لها. وتشير عناوين النصوص، التي ينشرها هذا الإعلام عشية القمة إلى التناقض الحاد بين حقيقة إنعقاد القمة والنتيجة صفر المتوقعة منها: “بوتين ـــــــ بايدن، حلبة أم طاولة مفاوضات”؛ “بايدن وبوتين لا شيء يتحدثان به”؛ “القمة اللغز. لماذا يلتقي بايدن ببوتين”؛ “هل هو منتج الحوار مع الديكتاتور؟”: “ترامب يشك في أن بوتين “يسخر علنا” من بايدن”؛ ” بوتين بمواجهة بايدن: ما الذي يمكن توقعه من اللقاء الأول بين الرئيسين الأميركي والروسي منذ مدة طويلة”؛ “في الولايات المتحدة توقعوا هزيمة بايدن في القمة مع بوتين”، وسواها من النصوص التي تسنى الإطلاع عليها.

في موسكو، لم يقتصر الأمر على الإعلام وحده في الحديث عن إيجابية اللقاء الشخصي بين الرئيسين والنتيجة صفر المتوقعة للقمة، بل إنخرط الكرملين نفسه في تأكيد ما ذهب إليه إعلامه، مع التصريح عن تمسكه بالأمل في نتيجة معاكسة هو بأشد الحاجة إليها . فقد صرح الناطق بإسم الكرملين دمتري بسكوف بأن العلاقات الروسية الأميركية مأزومة، ولا يتوقع الكرملين تحقيق “أية خروق، ولا ننتظر تقدماً ما مهماً”. لكنه يرى أن التواصل الأول بين الرئيسين “مهم جداً”، فالعلاقات بين الطرفين مأزومة و”ثمة ما يتحدث به الرئيسان”. لكنه أضاف بأن مثل هذه الكمية من المسائل على جدول الأعمال من المستبعد أن يتم تذليلها بسرعة، عدا عن أن ثمة عدداً من المسائل المبدئية توجد حولها “خلافات جدية”.

وعاد بسكوف وأكد في اليوم عينه لوكالة نوفوستي على هامش “منتدى سانت بطرسبورغ الإقتصادي الدولي”، الذي عقد لقاءه السنوي بين 2 و5 من الجاري، بأن روسيا مستعدة لتطوير العلاقات مع الولايات المتحدة. وقال بأنه توجد دائماً فرصة لتصحيح الأخطاء، فرصة لمحاولة إيجاد مخرج “حتى من الطرق المقفلة”، لكن هذا “يتوقف على الإرادة السياسية”. وأكد على أن الرئيس الروسي قال غير مرة، أن موسكو على إستعداد للسير بعيداً على طريق تحسين العلاقات الثنائية “بقدر ما يكون الشركاء الأميركيون مستعدين للسير به”.

من جانبها، رئيسة الإتحاد الروسي فالنتينا ماتفيينكا أكدت على “الحاجة” إلى لقاء الزعيمين الروسي والأميركي، إلا أنها حذرت من أنه إذا “حاولوا تعليم روسيا الديموقراطية، فلن يكون هناك حوار”. وكررت ماتفيينكا التأكيد على أن العلاقات الروسية الأميركية تمر ب”أوقات عصيبة”، وأن الولايات المتحدة تنتهج سياسة عدائية علنية، وتفرض عقوبات، وتسوق إتهامات “غير مثيتة” ضد روسيا. كما رأت أن العلاقات الأميركية الروسية ليست مجرد علاقات، بل هي “العمود الفقري” للأمن الدولي والإستقرار الإستراتيجي، ويرتبط بالعلاقات الأميركية الروسية القانون الدولي والحرب والسلم وحل النزاعات المزمنة . لكنها حذرت من  التوقعات المبالغ فيها من الاجتماع القادم، وقالت بأن روسيا كانت تعلن دوماً عن إستعدادها للحوار، لكنه “حوار الإحترام المتبادل، المفيد للطرفين والذي يأخذ بالاعتبار مصالح كل من الطرفين”، حسب نوفوستي .

القوميون الروس يتحسسون من أية علاقة روسية مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من تأييدهم الكامل لسياسة بوتين الخارجية حيال الغرب، إلا أنهم لا يرون في القمة الحالية من ضرورة. فقد كتبت صحيفتهم “CP” (الصحافة الحرة) نصاً بعنوان “بايدن وبوتين: ليس من شيئ يتحدثون به”، وتساءلت عن معنى اللقاء إذا كان الرئيس الأميركي يراهن مباشرة على المواجهة. ونقلت عن نائب وزير الخارجية للشؤون الأميركية سيرغي ريابكوف قوله بأن جدول أعمال الرئيس الروسي لا يتطابق مع جدول أعمال زميله الأميركي. وتقول الصحيفة بأن عدم التطابق بين جدولي أعمال الرئيسين صرح به بايدن نفسه مباشرة حين قال: “سألتقي مع الرئيس بوتين بعد أسابيع في جنيف، وأعلن صراحة بأننا لن نسمح بخرق هذه الحقوق (الإنسان)”. وتنطلق الصحيفة من عداء الكرملين الصريح لمفهوم الغرب لحقوق الإنسان، وتقول بأن تصريح بايدن هذا يعني بأنه يعتمد المجابهة منذ البداية، وتتساءل “هل يعقل أن نلتقي  في ظل مثل هذا المزاج ؟ على ماذا يمكن ان نتفق” إذاً؟

وتنقل الصحيفة عن رئيس “مجلس خبراء مؤسسة التطوير الإستراتيجي” إيفور شاترين قوله بأنه، إضافة إلى مسائل العلاقات الثنائية، يضم جدول الأعمال الروسي مسائل الأمن العالمي، التي تتحمل مسؤوليتها الولايات المتحدة وروسيا معاً كعضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، وهذه مقاربة “واقعية وبراغماتية. وإلا “عن ماذا يمكن أن يتحدث زعيما “الدولتين الأعظمين” في لقائهما الأول وهما ليستا في أحسن العلاقات. ويقول الخبير أن معلوماته تشير إلى أن الجانب الأميركي لن يقدم على تقريب المواقف من بعضها.

ورداً على السؤال ما إن كان يجب أن يعقد اللقاء دون أن تحصل أية خروق كما هو واضح، يقول الخبير بأنه للقاء الأول قد تكون كافية الصور، التي تُظهر القدرة على الجلوس إلى طاولة مفاوضات واحدة.

الطبعة الروسية للشهرية الأميركية المتنوعة المعروفة “ESQUIRE” قدمت لنصها بشأن القمة بإستعراض الأحداث العاصفة، التي شهدتها العلاقات الروسية الأميركية منذ وصول بايدن إلى البيت البيض. وخلصت إلى الإستنتاج بأن كل شيئ بدا وكأن الطرفين ، أو قد يكون طرف واحد، يعدان للإنسحاب إلى مواقع تم إعدادها سلفاً. وبلغ التوتر مستوى أصبح معه الهواء يطن كالمعدن ، كما يقال ، وبدا الوضع وكأنه لم يعد لدى البلدين ما يتحدثان به.

ومع ذلك يدرك الطرفان جيداً أن عليهما أن يتحدثا إلى بعضهما، سيما أن كمية المشاكل العسكرية السياسية العالمية بلغت حجماً يستحيل معه أن يأخذها طرف واحد على عاتقه. لدى الطرفين ما يقولانه لبعضهما البعض بشأن التدخل في الشؤون الداخلية؛ إقتحام مناطق النفوذ التقليدية؛ المواجهة في الفضاء السيبراني؛ المطالب في القطب الشمالي؛ مصالح الطاقة في أوروبا والمصالح السياسية في الشرق الأوسط.

لكن التخوف الأساسي للموقع ما أن يعمد بايدن إلى محاولة جعل منصة الحوار الأميركي الروسي حول مجموع القضايا المتراكمة، إلى علاقات أميركية ثنائية، ويستغلها لتوبيخ زميله الروسي بإسم البشرية المتنورة جمعاء، ويتنطح لدور المدافع عن حقوق جميع البلدان الصغيرة والمتوسطة المتضررة من سياسة الكرملين، ويتلو محاضرة عن فوائد الديموقراطية. والإغواء لمحاولة القيام بذلك يبدو كبيراً، سيما أن بايدن أعلن في مطلع عهده عن نيته في تكوين “تحالف الديموقراطية”، الذي يجمع “كل الحكومات الديموقراطية في محاربة التسلطية. وعلى الرغم من أن ملامح هذا التحالف ومعايير المشاركة فيه  ليست مفهومة حتى الآن. إلا أن محاولة تحميل روسيا المسؤولية عن كل مشاكل العالم المعاصر وانحطاط المؤسسات الديموقراطية قد تصبح إعلاناً عن تشكيل “إتحاد القلوب” الجديد.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى