تحدث وزير الخارجية الإيراني في حوار مسرب، كان قد أجراه في شباط 2021 مع الاقتصادي سعيد ليلاز، عن وقع اغتيال قائد الحرس الثوري قاسم سليماني واصفًا تأثيره بأنّه “وجه للبلاد ضربة كانت أكثر من تدمير مدينة”.
ظريف عبّر أكثر من مرة عن استيائه من الدور المتعاظم لقائد الحرس الثوري القتيل وسيطرته على السياسة الخارجية وتفاصيلها وتغليب الأمني على السياسي والتفاوضي، كما كانت إشارته لافتة لدور روسيا في تعطيل الاتفاق النووي عام 2015.
لا يشك المرء كثيرا في أن مفهوم التسريب ليس وارداً في ظل نظام ولاية الفقيه، وتالياً فإنه لا بد من النظر إلى توقيت خروج كلام ظريف ووضعه في سياق مرتبط بكل معارك إيران الميدانية.
ينطوي تأكيد ظريف على انعدام وزن الدبلوماسية أمام العسكر على تهديد وليس على احتجاج، وكذلك فإن ما أورده من عمق تأثير اغتيال سليماني على البنية العسكرية والاستراتيجية لإيران، لا يعني سوى أن فكرة التفاوض لا معنى لها في القاموس الخاص بولاية الفقيه إلا بقدر ارتباطها بمجال أمني وميداني.
من هنا فإن إصرار إيران على ربط إطلاق التفاوض بالإفراج المسبق عن الأموال ورفع العقوبات، وهو شرط غير تفاوضي في بنيته، لا يهدف سوى إلى وضع الأمور أمام استحالة يمكن من خلالها تبرير سلسلة لا متناهية من تعميق القبضة الأمنية في الداخل الإيراني، وتصعيد الحملات العسكرية في البلاد التي تتدخل فيها بشكل مباشر.
أي انفراج مالي يمكن أن يسفر عنه رفع العقوبات لن يستخدم، كما يبيّن واقع الحال، في حل المشاكل الاقتصاديّة العميقة، بل في تدعيم النشاط النووي من ناحية والميليشيات المسلحة من ناحية أخرى.
ظريف الذي تحدث حول حجم اغتيال سليماني وعمقه الأشد هولاً من تدمير مدينة، يقول إن إيران ألغت فكرة التفاوض فعليًا بعد اغتياله، وإن وجوده وما أسّس له من اختراقات واسعة وتمدّد تجاوز حدود المنطقة، كان يؤمّن الجسم الفعلي لما يمكن لإيران أن تسميه تفاوضاً.
سليماني كان المفاوض الرئيسي والفعلي والنهائي، ولا بديل عنه. والتطورات الميدانية المتسارعة في اليمن والهجوم الكبير للحوثيين على مأرب وما حققه من نجاحات، طرح سؤالا جدياً حول معنى إصرار إيران على حسم الأمور عسكرياً مع انطلاق التفاوض.
التوتير الميداني هو منطقها الذي يعبر عن رغبتها في فرض واقع لا يمكن الرجوع عنه، وليس هذا الواقع المفترض مجرد اختراق ميداني، بل محاولة لإنجاز احتلال بكل ما للكلمة من معنى.
ليس أدلّ على ذلك من ما تسعى لتكريسه في لبنان وفي سوريا كذلك، ففي لبنان تحرص على إقفال البلد مالياً واقتصادياً مع تواتر الإعلان عن الإمساك بشحنات مخدرات مرسلة إلى دول الخليج وغيرها بكميات هائلة.
كذلك تبرز الجهود المبذولة من خلال تفاهم ميليشياتها المحلية مع التيار العوني في سبيل الضغط على مؤسسات استيراد الأموال الشرعية وتهديدها، كي لا يبقى هناك أي منفذ لاستيراد الدولارات وتداولها، ما يسمح بخلق مناخ سيطرة تامة ونهائية لحزب الله ومنافذ تهريبه وسوقه السوداء غير الخاضعة للرقابة على كامل المشهد الاقتصاديّ في البلد، وتحويل التّسلط إلى نوع من الاحتلال المباشر والمغلق.
في سوريا تتكاثر المعلومات حول التغيير السكاني في مناطق سيطرة إيران وميليشياتها، وكذلك عن استملاكات واسعة في دمشق ومحيطها بعد أن عمدت سابقا إلى مطالبة نظام الأسد بسد ديونه عقاريا، وكانت النتيجة أنها قد باتت من أبرز ملاكي العقارات والأبنية والأراضي في سوريا.
ويضاف إلى ذلك أن حزب الله عمد إلى افتتاح سوبرماركت تضم السلع الإيرانية والعراقية المتدنية الجودة في المناطق الحدودية التي احتلها مثل منطقة القصير وهو ما يؤكد على أنه يعتبرها امتدادًا لمناطقه في الداخل اللبناني.
ومن ناحية أخرى تكشف الإشارة إلى رفض روسيا للاتفاق النووي والذي كان متناغما مع التحفظ الكبير الذي تبديه قيادات الحرس الثوري عليه، أنه كان عنوانا لعلاقة تنازعية مع الغرب، يمكن من خلالها تأجيل طرح الملفات الخلافية الأخرى من قبيل تدخلاتها الخارجية وصواريخها البالستية وميليشياتها.
ضبط الأمور على هذا الإيقاع كان السّمة التي حكمت خروج الاتفاق النووي إلى النور في عهد أوباما، وكانت إيران مرتاحة لسير الأمور ضمن هذا الترتيب الذي أتاح لها التوسع والتمدد.
ولاية ترامب دفعتها إلى إعادة الحسابات، وحاليا ومع إدارة بايدن تجد نفسها أمام مشروع تفاوضي شامل لا يقتصر على النووي الذي يمكن النظر إليه كعنوان عرضي، بل يشمل سلاحها البالستي وتدخلاتها الخارجية، وكذلك قد لا يكون من الممكن الخروج باتفاق ترضى عنه الأطراف المؤثرة في المنطقة من دون حل قضية تهريب المخدرات التي كرست إيران وأذرعها كأكبر تجار مخدرات على سطح الكوكب.
يعني ذلك أن إيران وبعد الضربات المتوالية لها في سوريا بتغطية روسية تعلن أنها بلا حلفاء، وأنّها مستعدّة للذّهاب إلى أقصى الحدود، وأنّها لن ترضى بالتنازل عن استثماراتها الدموية المفتوحة في المنطقة، من دون الحصول على ثمن ضخم. ليس هذا الثمن المطلوب سوى الإقرار بحكمها للمنطقة، ليس كقوة ناظمة وإدارية، ولكن على منوال الاحتلالات البربرية المطلقة والمباشرة.
ظريف في رده على الاحتجاجات التي أعقبت انتشار حديثه، كتب على صفحته في موقع إنستاغرام قائلا “اتركوا التاريخ لأنني تحدثت للتاريخ، ولا تقلقوا على التاريخ وكونوا قلقين بسبب الله والشعب”.
لعل الأشارات المتوالية إلى التاريخ في هذا المقام تؤكد على أن عين نظامه ليست عليه ولكنها مصوبة في اتجاه الجغرافيا التي قد تذوب خارج مشاريع التوسع العابرة للحدود، والتي لا ينسجم منطقها مع منطق الاتفاقات، أو لا تكون الاتفاقات ممكنة إلا إذا كانت تكريساً لواقع الاحتلال وتشريعاً له.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
تسريبات ظريف تثبت نقاط أساسية أولها بأن دور الأجهزة الأمنية “الحرس الثوري” وقاسم سليماني يفوق دور رئيس الوزراء والوزراء كأي دولة ديكتاتورية بوليسية ، ثانيا الدور الإقليمي لروسيا بالملف النووي المعرقل ضمن توجه الروسي لأخذ ثنائي القطب بقيادة المجتمع الدولي ، وتأكيده على الرؤية التوسعية لنظام الملالي خارج الجغرافية والإتفاقيات