أعادت أزمة ولي العهد الأردني السابق، الأمير حمزة بن الحسين، دعوات الإصلاح السياسي في البلاد إلى الواجهة بشكل أكثر إلحاحاً. فالأزمة العميقة التي ضربت الأردن منذ 3 إبريل/نيسان الحالي، عندما تم الحديث عن ضلوع الأمير وآخرين بـ”التواصل مع جهات خارجية في محاولة لتقويض أمن واستقرار الأردن”، جعلت الإصلاح السياسي ليس مطلب المعارضة فقط، بل حتى مطلب المقربين من السلطات، وبعض مؤسسات الدولة والعاملين فيها، باعتباره ضرورة سياسية لتحقيق الاستقرار والتكيّف مع إقليم متغيّر محفوف بالمخاطر.
وعلى الرغم من أنّ أزمة الأمير حمزة مالت إلى الهدوء خلال الأيام الأخيرة، إلا أنّ التداعيات السياسية للقضية مستمرة. واليوم، لا يمكن إغفال أهمية الإصلاح السياسي في الأردن، في ظل الأزمات التي يعاني منها، ولا سيما تداعيات الأحداث الأخيرة، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع معدلات البطالة إلى أرقام قياسية، واتساع دائرة الفقر، واهتمام العالم بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، وفي ظلّ الضبابية التي تغلّف مستقبل الإقليم المضطرب.
أمام هذا الوضع، والأزمة غير المسبوقة في الدائرة الضيقة للنخبة السياسية العليا ودوائر صنع القرار والعائلة المالكة، فإنه لا بدّ من وسيلة للخروج من الأزمة، ولن تكون هناك وسيلة أفضل من الإصلاح السياسي، ليتم توزيع المهام والمسؤوليات على مختلف مؤسسات الحكم، وقيام الحكومة ومجلس النواب بدورهما بدل الجلوس على الهامش ومقاعد الانتظار.
وحول الإصلاح وتداعيات الأزمة الأخيرة، قال الأمين العام للحزب “الديمقراطي الاجتماعي” الأردني، النائب السابق في البرلمان، جميل النمري، في حديث لـ”العربي الجديد”: “الآن سقف المطالب ارتفع، فهناك إحساس بأنّ التعديلات الجزئية لا نتيجة لها إذا لم يكن هناك تحوّل جذري في إدارة شؤون الحكم، وذلك يشمل تعديل الدستور”. ورأى أنّ “الحكومة حتى الآن لم تخرج بأي شي جديد، ولا حتى أي جهة في دوائر صنع القرار”، مضيفاً: “نحن نعيش فترة صمت وكمون، وهذا على الأرجح يعود إلى أنه لم تتبلور في دوائر صنع القرار حتى الآن وجهة محددة لسلوكها والسير فيها للوصول إلى الإصلاح، في حين أنّ الرأي العام والقوى الإصلاحية في البلاد، تنتظر ظهور الدخان الأبيض من هذه الدوائر، لترى ما سيحصل خلال الفترة المقبلة”.
واعتبر النمري أنّ المتابعة الإعلامية المكثفة للأحداث الأخيرة، “سلّطت الضوء على الواقع السياسي ونظام الحكم في الأردن، متجاوزة الحديث عن المنافسة المحتملة داخل الأسرة الملكية، والتدخلات المحتملة لزعزعة أمن البلاد، بالتركيز بشكل أكبر على البنية القائمة لإدارة الحكم في الأردن، وحالة اللاديمقراطية التي تعيشها البلاد، وهو ما يجعل هناك احتمال للدفع باتجاه استحقاق إعادة النظر في النهج السائد حالياً”.
بدوره، رأى الأمين العام لحزب “جبهة العمل الإسلامي”، مراد العضايلة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ “الأزمات التي تتوالى في البلاد؛ من اقتصادية واجتماعية وسياسية، إضافة إلى الأزمة الأخيرة المتعلقة بالأمير حمزة، تُبيّن عمق المشكلة”، مضيفاً: “اليوم هناك فجوة بين الحكومات والقيادة السياسية والمواطنين، وهي فجوة لا يمكن ردمها إلا بإعادة الثقة عبر إصلاحات سياسية عميقة تعيد تعريف المجتمع ودوره في مؤسسات الحكم”. وأشار إلى أنّ “الدستور ينصّ على أنّ نظام الحكم نيابي ملكي وراثي، وأنّ الشعب مصدر السلطات، مما يتطلّب تأكيداً وترسيخاً لذلك عبر تعديلات دستورية متعقلة بالإصلاح، كإعادة النظر بقانون الانتخاب”، مشدداً على أنه “قبل الشروع بأي إجراءات أو تعديلات يجب إعادة بناء الثقة، وتفكيك الأزمات التي عصفت بالبلاد خلال الفترة الأخيرة، مثل أزمة نقابة المعلمين (المتعلقة بالعلاوات)، وملف الحريات، عبر حكومة سياسية موثوق بها من الشارع تقود حواراً وطنياً”.
ووفق العضايلة، فإنه “حتى هذه اللحظة لا يوجد شيء على أرض الواقع؛ سواء في مجال بناء الثقة، أو تعديل القوانين المرتبطة بالإصلاح السياسي، مما يجعل الأزمات تتعمق مع الشارع المُطالب بالإصلاح، والذي لا يثق بالحكومة ومواقفها وما يصدر عنها، حتى لو كان صحيحاً، وهو ما يؤكد عمق الأزمة، والحاجة إلى أداء مختلف من قبل السلطات”. وتابع “ما كنا نحذر منه كالعبث بإرادة الناس والناخبين، وتضييق الخناق على الحريات والأحزاب والنقابات والجمعيات، نرى مردوده على أرض الواقع، فاليوم هذه الأزمات وغياب الثقة، هي ثمرة تلك السياسات”.
ورأى العضايلة أنه “إذا لم تتم معالجة الأزمات القائمة اليوم، ستتولّد أخرى، وستزداد الفجوة بين المجتمع والدولة، لينتظر الجميع المجهول”، مؤكداً أنه “لا يمكن أن تُحلّ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد، إلا بإصلاح سياسي، وهو ما يحتاج إلى حكومة إنقاذ أو إصلاح، من شخصيات محترمة، تقود مرحلة التصالح مع المجتمع”. وشدد على “أهمية عدم إقصاء أي مكوّن اجتماعي أو سياسي، ليكون الجميع شركاء في السلطة والقرار، من خلال تشكيل حكومات برلمانية تخفف العبء عن صاحب القرار”.
من جهتها، قالت الأمينة العامة لحزب “الشعب الديمقراطي الأردني” (حشد)، العضو السابقة في مجلس النواب، عبلة أبو علبة: “هناك ضرورات قصوى للإصلاح الوطني الشامل الذي يعتبر الإصلاح السياسي أحد أركانه الرئيسية، فيما الركن التوأم الثاني هو الاقتصادي والمالي لانعكاسه على الأوضاع المعيشية للمواطنين”. وأضافت، في حديث لـ”العربي الجديد”: “ليس هناك من مفرّ سوى العودة للشعب، والعودة الآمنة تستلزم انتهاج استراتيجية إصلاحية شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية، وإجراء حوار وطني شامل، وترك سياسة تكبيل الحريات، قبل فوات الأوان”، لافتة إلى أنّ “السياسات الإصلاحية ستحظى باحترام كبير لدى المجتمع الدولي، كما أنها ستفوّت الفرصة على الخصوم والأعداء الذين يريدون النيل من الأردن واستقلاله ومكانته السياسية”.
وأشارت إلى أنه “قبل وقوع الأزمة الأخيرة، برزت بحدة الحاجة للإصلاح، وموجباتها تمثلت في الأزمات السياسية والاقتصادية المتفاقمة ليس في السنوات الأخيرة فقط، بل منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي. فقد تضافرت عوامل أضرت كثيراً بالأوضاع العامة في البلاد، كالتراجع عن المكتسبات والمنجزات السياسية التي أحرزت عام 1989 إثر هبة نيسان (تظاهرات شعبية عمت مختلف المدن الأردنية احتجاجاً على الظروف الاقتصادية السيئة وانخفاض سعر صرف الدينار وقرار الحكومة برفع الأسعار)، وتقويض دور المؤسسات العامة للدولة، والإقصاء الممنهج للمعارضة الديمقراطية على وجه الخصوص، ثم السياسات الاقتصادية التي تم البدء بتنفيذها عام 1992 والتي فرضها صندوق النقد الدولي، واعتمدت تحرير الأسواق وبيع مؤسسات القطاع العام، ورفع يد الدولة عن المحاور الأساسية للاقتصاد الوطني”.
وبحسب أبو علبة، فإنّ هذه العوامل “أدّت إلى متلازمة التهميش السياسي والفقر المعيشي، كما أدت إلى الارتفاعات الخطرة في نسبة المديونية العامة للدولة، وهيمنة اقتصاد السوق والوكلاء التجاريين الكبار، بدلاً من تنمية الاقتصاد الوطني؛ صناعةً وزراعة”. وتابعت: “لقد خلقت هذه الأوضاع المتردية فجوات كبرى في جسم الدولة الأردنية، وتركتها عُرضة للنهب والفساد والعبث ومحاولات الاختراق وحرف الانتباه عن القضايا الرئيسية والأوجاع التي يجب أن توضع اليد عليها ومعالجتها على الفور”.
وأكدت أبو عبلة أنّ “المؤسسة الرسمية معنية بأن تسلك طريق الإصلاح، إذ لا توجد ممرات أخرى للنهوض من الأزمات الحادة التي تعاني منها البلاد اليوم. فقد جرّبت اقتصاد السوق وويلاته منذ أوائل التسعينيات حتى اليوم، والنتيجة كانت الفشل والبطالة والجوع والفقر وانفكاك القواعد الاجتماعية عن المؤسسة الرسمية. كما عقدت المؤسسة الرسمية معاهدة سلام مع الاحتلال الإسرائيلي (معاهدة وادي عربة) أيضاً عام 1994، وحصدنا الكوارث من ورائها، وها نحن نتعرض لانتهاك السيادة الوطنية وعدم احترام الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة، ونقص حادٍ في المياه بسبب التنكر للحصص المائية للأردن، حسب ما ورد في معاهدة وادي عربة، والقائمة تطول”.
بدوره، قال الكاتب والصحافي الأردني محمد سويدان، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إنّ “هناك حديثاً من أعلى المستويات عن الإصلاح، قبل الأزمة الأخيرة وبعدها”، مشدداً على “أهمية التركيز على الإصلاح السياسي، في وقت يتراجع فيه دور الأحزاب والنقابات”. ولفت إلى أنّ “الحديث الرسمي عن الإصلاح عام وليس محدداً”.
وشدد سويدان على أنّ “الإصلاح بعد الأزمة الأخيرة أصبح ضرورة، فعلى الرغم من أنّه تم احتواء هذه الأزمة، لكن تداعياتها مستمرة، والسلطة التنفيذية تتحدث عن إصلاح لكن بدون أي خطوات تنفيذية، أو إصلاح عميق، ولا سيما لقانوني الانتخاب والأحزاب”. واعتبر أنّ “الإصلاح الشكلي لا يحقق المطلوب، في إطار ضمان الاستقرار، والمحافظة على الهدوء”، لافتاً إلى أنّ “سوء الأوضاع الاقتصادية يتسبب بمزيد من الاحتقان الشعبي”.
وأكد سويدان “ضرورة الإصلاح العميق والوصول إلى الحكومات البرلمانية، وإجراء انتخابات حقيقة تمثّل الشعب وإرادته، بمشاركة أحزاب قوية، إضافة إلى تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، وألا يكون الحديث عن الإصلاح مؤقت إلى أن تمرّ الأزمة الحالية. فإذا لم تكن هناك حلول حقيقية ستتراكم الأزمات، وتفقد الدولة منعتها”. ورأى سويدان أنّ “ما أضعف الدولة والنظام خلال الفترة الماضية هم الأشخاص الذين تم تكليفهم بالمناصب العليا ولم يكونوا على قدر المسؤولية، وانصب اهتمامهم على تحقيق مصالحهم، على حساب مصالح الدولة”. واعتبر أن “هناك إجماعاً شعبياً على النظام الملكي النيابي الديمقراطي”، مشدداً على “ضرورة أن تكون هناك قناعة بالإصلاح لحماية الدولة واستمراريتها”.
المصدر: العربي الجديد