نعى رئيس تحرير مجلة (الشراع) اللبنانية حسن صبرا، الكاتب والمعارض السوري محمد خليفة، الذي رحل يوم الخميس الفائت (2021/4/22) عن عمر يناهز التاسعة والستين عاما.. قضى أربعين عاما منها في المنافي معارضا لنظام الديكتاتور حافظ الأسد ثم وريثه غير الشرعي بشار الأسد.
وقال حسن صبرا في افتتاحية العدد الأخير من (الشراع)، وهي مجلة لبنانية عريقة ومعارضة لسياسات حزب الله وإيران، كان الكاتب الراحل على مر ثلاثة عقود أبرز كتابها:
“إنه محمد خليفة توأم الفكر والروح والسياسة والصحافة الذي انتزعه الموت بالكورونا من حياتنا المشتركة منذ أربعين سنة ليترك في كل ما يمثل الفراغ الذي نترك نسأل الله أن يعوض غيابه إنه الوهاب الرحمن الرحيم”
• رحلة هروب ومطاردة
وكان الصحافي والباحث السوري محمد خليفة الذي توفي في العاصمة السويدية (استوكهولم)، بعد صراع مع مرض “كوفيد-19” معارضا سياسيا بارزاً من أبناء محافظة حلب، هُجّر من سوريا في ثمانينيات القرن الماضي، وغادر مدينته حلب بعد الانتفاضة التي جرت فيها عام 1980 حيث وجهت مخابرات حافظ الأسد له، تهمة تغطية الانتفاضة وتصويرها ونقلها للإعلام الأجنبي، كونه المراسل الصحافي الوحيد في المدينة. وقد تمكن خليفة الذي كان قد تخرج للتو من كلية الحقوق بجامعة دمشق، من الفرار إلى لبنان نهاية عام 1980.. وخلال عامين استطاع التخفي ببطاقة لاجئ فلسطيني كي لا يكون صيدا سهلا لمخابرات الأسد في لبنان التي كانت تتعقبه بطبيعة الحال، وكتب في العديد من الصحف والمجلات العربية ومنها (الشراع) قبل أن يغادر لبنان عام 1982 إلى فرنسا حيث تعرض للطرد بسبب كتاباته، ثم يصل إلى السويد عام 1992 .. ويحصل على حق اللجوء فيها.. بعد تنقله بين عدد من الدول العربية تعرض فيها لمصاعب شتى.
حامل أوجاع السوريين!
كان محمد خليفة مقاتلا صلبا عنيدا في مقارعة استبداد الأسدين، وفي هذا تابع حسن صبرا في رثائه:
“آه يا أبا خالد لو كنت وحدك مقاتلاً آل الاسد لحق على العروبة وسوريا والضمائر الحية أن تشهد أنك على حق يا حاملاً بالقلم والصوت واللهجة الحلبية المحببة أوجاع عشرين مليون سوري دمر آل الأسد بلادهم وشرد منهم نصفهم واختطف منهم نصف مليون وقتل مثلهم”
وتابع حسن صبرا يصف إسهامات الراحل المتنوعة والغزيرة، فوصفه بأنه كان لوحده “نصف مجلة الشراع” وقال:
“محمد خليفة يا من كنت نصف الشراع وأنت رئيس تحرير القسم الثقافي ومجلة مصر داخل الشراع الغزير في كتابة المواضيع السياسية والتحقيقات وإجراء الحوارات. ما زلت أتخيل وقوفك رمحاً ويدك المصافحة كف عصب حب ومودة تشد به من يلاقيك. مازلت أتخيلك يا أبا خالد راكعا ساجداً لله وأنت تبتغي في صلاتك الوسط بين الجهر بها والخفوت. ما زلت أتخيلك تقرأ الشعر كما تسر بمعلومة كما تظهر الود وما سمعت على لسانك يوماً أي عيب. عندما كان يسألني الناس عن شرف الصداقة أقول محمد خليفة. وعندما كان يسألني الناس عن شرف المهنة أقول محمد خليفة”.
المذكرة التي أحرجت رئيس الحكومة اللبناني
كان الكاتب والباحث محمد خليفة، مؤمنا إيمانا عميقا بالثورة السورية، ولطالما بذل جهودا كبيرة للدفاع عنها، وخصوصا حين كان عضو المكتب السياسي في الهيئة العامة للثورة السورية، حيث قصد في آذار من عام 2012 بيروت آتياً من أوروبا ليسلّم رئيس مجلس الوزراء اللبناني آنذاك (نجيب ميقاتي) مذكّرة احتجاج باسم الهيئة العامة للثورة تتعلّق بالاعتراض على بعض الإجراءات التي تقوم بها الدولة اللبنانية وأجهزتها بحق معارضين سوريين، وبحق بعض اللاجئين الذين هربوا من القتل والقمع على أيدي النظام البعثي.
أحرجت المذكرة رئيس الوزراء اللبناني ووضعته في مأزق.. فما كان منه إلا أن اعتذر عن استقبال خليفة تفادياً لتحول الإحراجات السياسية إلى أزمة وخصوصا مع حزب الله الذي كان منخرطا في القتال إلى جانب نظام الأسد، فقرر محمد خليفة تسليم المذكّرة لمكتب دولة الرئيس، على أن يعقد مؤتمراً صحفياً في نقابة الصحافة في بيروت يشرح فيها أسباب زيارته وتفاصيل المذكّرة. إلا أن النقابة رفضت طلب خليفة بعقد المؤتمر الصحفي بحجّة “التداعيات الأمنية لهذا المؤتمر الذي يتناول قضية سوريا داخليا”، بعد “محاضرة” لنقيب الصحافة في محاولة للاعتذار والتبرير.
قبل أن يغادر بيروت أدلى محمد خليفة بتصريح صحفي أعرب فيه عن أسفه الشديد “لما وصلت إليه حرية التعبير في بيروت، التي كانت في السابق منبراً للحرية والأحرار وللديمقراطية في عموم المنطقة، إلا أنها اليوم محاصرة بالقمع والدكتاتورية والخوف والسيطرة”.
كان ذلك نحو قبل عشرة أعوام من رحيله.. لكن خليفة رأي في العامين الأخيرين كيف يسير لبنان على خطى “سوريا الأسد” حيث الجوع والفساد واستشراء مظاهر الاستبداد تعم لبنان لتؤكد مقولة ” نظام واحد في بلدين”
شاعر وباحث ومؤسس
يذكر أخيرا أن محمد خليفة محلل سياسي صدرت له مؤلفات عدة، إضافة إلى دواوين شعرية جمع فيها ما كان ينشره في الصحافة السورية من قصائد في سبعينات القرن العشرين.. وما كتبه من شعر بعد خروجه سوريا. وكان الراحل من بين المشاركين في تأسيس “المنظمة العربية لحقوق الإنسان”، وبرز عضواً مؤسساً في منظمات وفعاليات سياسية منذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011، وهو عضو الأمانة العامة لــ “المؤتمر الشعبي العربي”.
المصدر: أورينت نت