أهي المصادفة وحدها التي تجعل تلك الكوكبة من المناضلين السوريين الأشداء من أجل الحرية.. حرية شعبهم ووطنهم يرحلون في وقت واحد.. إذ لا يفصل رحيل الواحد عن الآخر غير أيام معدودات.. فمن تيسير الحاج حسين إلى حبيب عيسى إلى ميشيل كيلو إلى محمد خليفة الذي لحق بهم البارحة الخميس 22 نيسان 2021 وهو الصحفي والمثقف العروبي بامتياز.. أهي محنة إضافية للشعب السوري أن يغادره أحباؤه في هذا الوقت الحرج.. لا شك في أن الشعب أكبر من أبنائه، وهو نبع لا ينضب من طلاب الحرية.. لكن مثل تلك الكوكبة سوف تترك فراغاً في هذا الوقت من تاريخ الثورة السورية التي تمر بمرحلة ربما هي الأصعب من كل ما مر بها أتراهم قضوا حزنا على ما مسَّ شعبهم من ضُرٍّ؟! لكن إيمان هؤلاء بقضية شعبهم من العمق بحيث يضيف الحزن إلى ثورتهم قيماً جديدة، وإصراراً على نيل الحرية هدفاً أسمى.. منذ نحو سنة أو أكثر قليلاً التقيت مع عدد من الأصدقاء بالراحل محمد خليفة القادم من منفاه الأخير في دولة السويد إلى غازي عينتاب، فأخذ يحدثنا عن بدء المرحلة الثانية أو الموجة الثانية من الثورة السورية، وكله أمل وتفاؤل، وكأن الحرية حقيقة سورية قادمة لامحالة، وهو المغترب منذ أربعين عاماً، والمهجَّر من بلد إلى آخر، وليس في أفقه غير الحرية التي ربما وجد السوري أينما حلَّ بعضاً منها، لكنه يفتقدها كلية في وطنه سورية.. ويرى محمد خليفة السياسي والمفكر بحال وطنه سورية، فيرى أن ما تتعرض له لا يحصل في تاريخ الشعوب إلا كل ألف سنة ويرى أن “سورية والعراق تتعرضان على مستوى الشعب والأرض والتاريخ والحضارة والهوية، لاجتياح، واستباحة تشارك بهما إيران وروسيا بمباركة أميركية وضوء أخضر. كما إن فلسطين ولبنان جزءان من هذا الحدث الكبير الذي يستهدف تغيير هوية المنطقة العربية، وتدمير حضارتها وخصائصها القومية، وتهجير شعوبها (14 مليون مهجر من سورية وحدها، وملايين من العراق، ولبنان، وقبل ذلك من فلسطين) وإحلال شعوب وسكان من خارج المنطقة. وهذا لعمري تحليل دقيق لكنه في اعتقادي خارج عن سياق العصر، وعن تقاليد الشعب السوري، وعراقة حضارته وعشقه للحرية..
لترقد روح محمد خليفة بأمن وسلام واطمئنان فإن نضاله من أجل الحرية وقناعته بها لا شك قادمة..