لم تشهد جبهات ريف اللاذقية الشمالي، التي كانت شاهدة على بداية التدخل العسكري الروسي في سورية نهاية العام 2015، أي تغييرات كبيرة على خريطة السيطرة طوال خمسة أعوام سابقة، وذلك بعد تمكن قوات النظام السوري من إعادة فرض نفوذها على مساحات واسعة من جبلي الأكراد والتركمان شمالي المحافظة.
ورغم بعض المحاولات العسكرية المتفرقة التي شنتها قوات النظام طوال هذه المدة، بقيت قوات المعارضة السورية متموضعة على مساحات من الشريط الحدودي مع تركيا في جبل التركمان، كما حافظت على قمة جبل كبانة التي تعتبر بوابة النظام للسيطرة على مدينة جسر الشغور والطريق الدولي “m4” .
وبعد خمس سنوات من استقرار خريطة السيطرة وعدم تبدلها، تبدو جبهات ريف اللاذقية التي تخضع اليوم لاتفاق وقف التصعيد، الموقع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، مرشحة أكثر من غيرها هذه الآونة لمزيد من التصعيد، لا سيما مع ورود أنباء تؤكدها مصادر عسكرية محلية لـ”العربي الجديد” عن عمليات استطلاع مكثفة تجريها قوات النظام في المنطقة، ويصاحبها تصعيد في القصف العسكري على نقاط التماس.
كما رصدت مراكز استطلاع تابعة لقوات المعارضة، خلال اليومين الماضيين، وصول تعزيزات عسكرية لقوات النظام إلى المنطقة، فيما تبدو نقاط التماس التي تسيطر عليها فصائل المعارضة خالية، على عكس جبهات أخرى في إدلب، من الوجود العسكري التركي، الأمر الذي يثير بعض الشكوك في نفوس سكان المنطقة.
وبالعودة إلى الخريطة العسكرية، تستحوذ قوات المعارضة على مساحة لا تزيد على 15% من كامل جبل التركمان، بعد أن كان بمعظمه تحت سيطرتها قبل العام 2015، وترسم قرى حدودية صغيرة، أهمها اليمضية والحياة وشحرورة والسلور وكلس وشنبر وعين عيسى، شريطا صغيرا يجاور الحدود التركية، ما يحميها من غارات جوية ويقلل من استهدافها مدفعيا.
ومنذ هجوم النظام الأوسع، عززت قوات المعارضة، لا سيما “الفرقة الأولى الساحلية” و”الفرقة الثانية” و”فيلق الشام”، محارسها وقواتها فيها، وبقيت مدافعة عن هذه القرى التي باتت اليوم منطقة عسكرية تكاد تخلو من المدنيين، نظراً لصعوبة الوصول إليها من المناطق المجاورة.
أما جبل الأكراد الذي يشكل الواجهة الشرقية لسلسلة جبال اللاذقية، فهو مرشح ليكون مركز التصعيد الأكبر، لا سيما في تلة كبانة التي شهدت عمليات ومعارك طاحنة تزامنت مع تقدم النظام في إدلب بداية العام الفائت.
وتعتبر كبانة من أهم المناطق في جبهات الساحل حاليا بسبب ارتفاعها وإشرافها على مناطق في ثلاث محافظات، وهي سهل الغاب في محافظة حماة ومعظم قرى جبل الأكراد باللاذقية ومدينة جسر الشغور وصولا إلى أريحا في ريف إدلب، كما تكتسب أهمية عسكرية خاصة بسبب إمكانية المسيطر عليها كشف مساحات واسعة من طريق “m4” الذي تسعى روسيا وقوات النظام لاستعادته.
ويرى القائد العسكري السابق في “الفرقة الأولى الساحلية” التابعة لقوات المعارضة أبو يزن الشامي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن أي عملية عسكرية جديدة قد يطلقها النظام ستبدأ من هذه المنطقة لاعتبارات عسكرية، أهمها “ربط ريف اللاذقية الشمالي بريف إدلب الغربي، والإشراف نارياً على مناطق سهلية واسعة مثل سهل الغاب، واستعادة مدينة جسر الشغور التي تشكل حلقة وصل بين ثلاث محافظات هي اللاذقية وحماة وإدلب”.
إلا أن “الشامي” رغم ذلك يؤكد أن هذه العملية لا يمكن أن تتم إلا في حال توافق مع تركيا، وهو أمر مستبعد برأيه نظرا لأن قوات النظام ستكون حينها اقتربت كثيرا من شريطها الحدودي الذي يؤوي حاليا آلاف النازحين.
وعلى عكس نقاط التماس بين قوات النظام والمعارضة في إدلب التي عززتها تركيا بوجود عسكري كبير لمنع أي هجوم عسكري على المنطقة، لا يبدو الأمر مماثلاً في ريف اللاذقية سوى من نقطة عسكرية واحدة تقع في قرية شنبر بين جبلي الأكراد وجبل التركمان.
وفي ظل التفاهمات الروسية – التركية، لا يمكن الجزم بمستقبل آخر قلاع المعارضة في الجبهة الساحلية، إلا أن المرجح أن أي هجوم قد يحدث مستقبلا، أو تغير في خريطة السيطرة، سيكون لصالح قوات النظام بعد أن تحولت فصائل المعارضة للطرف المدافع منذ الحملة الروسية.
المصدر: العربي الجديد