اتسعت الحركة الاحتجاجية على الضفة اليسرى لنهر الفرات في محافظة دير الزور ضد الإدارة الذاتية، ويشكوا أهالي منطقة الجزيرة من اهمال متعمد من قبل المجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. وتشير عريضة «مطالب أهالي دير الزور ـ الريف الغربي» إلى أن سوء الواقع الخدمي في المنطقة، حيث تعاني من انقطاع كبير في التيار الكهربائي يصل إلى 22 ساعة، بينما تتوفر ساعتان يوميا فقط. في حين لا تنقطع عن محافظة الرقة مثلاً. ويؤدي انقطاع الكهرباء إلى توقف محطات ضخ المياه، ما يضطر سكان القرى إلى شراء المياه بسعر 500 ليرة سورية للبرميل الواحد، رغم ان منازلهم لا تبعد عن النهر أكثر من مئات الأمتار.
وترتفع أسعار المحروقات في دير الزور إلى خمسة وستة أضعاف عن محافظة الحسكة، رغم أن المحافظة «تطوف على بحر من النفط» حسب وصف العريضة. فسعر ليتر المازوت في الدير هو 400 ليرة، مقابل 75 ليرة في الحسكة، والبنزين يباع بـ 750 ليرة في الدير، وفي الحسكة 150 ليرة. وانعكست أسعار المحروقات على غلاء شامل لأسعار المواصلات والزراعة والمواد الغذائية والخضراوات والخبز.
ويعاني أهالي المنطقة من عدم الاستجابة الكافية لطلباتهم، حيث لا يُقبلون في وظائف الإدارة الذاتية، مثل «حراس المدارس» حيث قدموا أكثر من 1200 طلب توظيف ولم يتم تعيين أحد منهم. وحصلت «القدس العربي» على كتاب يوضح موافقة مجلس دير الزور المدني على مقترح لجان التربية والتعليم التي تشير إلى ضرورة تعيين حراس للمدارس التابعة لها، لمنع أعمال السرقة وكف يد العابثين في المدارس بعد انتهاء الدوام، خصوصا بعد انتهاء أعمال الصيانة لتلك المدارس. ويشير المجلس المدني في الكتاب المؤرخ في 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2020 إلى موافقته على تعيين الحراس للمدارس البالغ عددها 600 مدرسة. ورغم انقضاء خمسة أشهر على الكتاب فإن الإدارة الذاتية لم تستجب إلى طلبات الأهالي في ذلك.
ويبلغ مجمل طلبات التوظيف المقدمة إلى الإدارة نحو خمسة آلاف طلب، وما يدفع الأهالي إلى الشعور بالتمييز ان الإدارة تستجيب إلى طلبات التوظيف في باقي المناطق بخلاف حالهم في دير الزور.
ويشير أهالي دير الزور إلى نقص حاد في كميات الطحين المقدم للأفران ويطالبون بزيادة الكمية وفتح أفران جديدة، حيث لا تكفي كميات الخبز إلا نسبة 40 في المئة من سكان الريف الغربي. ويضيف الأهالي ان مجلس دير الزور المدني تقدم بطلبات للإدارة الذاتية لزيادة الكميات لكنه لم يتلق جوابا من الإدارة الذاتية.
ووصف رئيس المجلس المدني بدير الزور، غسان اليوسف مطالب الأهالي بالمحقة، وقال في تصريح لـ «القدس العربي»: «يشعر أبناء دير الزور بالظلم والتقصير بحقهم، لا يتناسب مع غنى مناطقهم بالنفط والغاز، ويجب على الإدارة خلق فرص ومشاريع خدمية في مناطقهم».
وأشار إلى ان الاستقرار السياسي والاقتصادي يساهم في محاربة داعش الذي ما زال موجودا.
وينعكس انهيار الليرة السورية على رواتب الموظفين في الإدارة، كونهم يقبضون رواتبهم بالليرة السورية، حيث أصبح الراتب يعادل 50 دولارا أمريكيا، دون زيادة أو تعويضات تخفف من الأضرار التي يخلفها فرق سعر الصرف.
ويشهد قطاع التعليم غضبا في صفوف المعلمين في دير الزور، الذين يطالبون بزيادة رواتب الموظفين وربط رواتبهم بالدولار، إضافة لوقف التجنيد الإجباري للموظفين، وتفعيل قانون العاملين، والحد من عسكرة المنطقة وتخفيف سيطرة العسكريين.
وتعاني دير الزور تهميشا واضحا منذ القضاء على آخر جيوب تنظيم «الدولة الإسلامية» في منطقة الباغوز، شمال نهر الفرات على الحدود السورية العراقية، ربيع 2019. وتمثل التهميش بتأخر الالتفات للتنمية وإعادة تأهيل البنى التحتية التي تعرضت إلى تخريب واسع بسبب العمليات العسكرية التي شنها التحالف الدولي لمحاربة داعش إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية، الجناح العسكري للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
إضافة إلى المشاكل الاقتصادية والخدمية، تعتبر المشكلة الأمنية هي أخطر ما يجري في المنطقة. حيث تصر قسد على سوق أبناء المنطقة إلى التجنيد الاجباري وتضيق عليهم بشكل كبير وهو ما دفع عددا منهم إلى الفرار خارج المنطقة تجنبا لعمليات الاعتقال التي تنفذها الشرطة العسكرية التابعة لقسد. وتلقى مسألة التجنيد الاجباري في قسد رفضا شعبيا كبيرا من قبل أهالي المنطقة العشائرية، ومرد ذلك إلى حساسيات قديمة بين العشائر العربية والأكراد في شرق سوريا، وشهدت المنطقة عمليات اقتتال متفاوتة تجلت في الانتفاضة الكردية على خلفية شغب في ملعب كرة القدم بين فريقي الفتوة الديري، والجهاد الذي يمثل مدينة القامشلي. حيث اندلعت مواجهات دامية لعدة أيام، بدأت في 12 و13 آذار/مارس 2004 وامتدت لتصل إلى كل المدن والبلدات الكردية شرق سوريا، وإلى الأحياء الكردية في حلب ودمشق أيضا، سمح خلالها النظام السوري للعشائر العربية بحملة انتقام من المحتجين الكرد. ورغم ان عشيرة طي وشيخها كانوا أبرز المندفعين للوقوف بوجه الأكراد إلا أن عشائر دير الزور تحركت ضد الأكراد ولو بشكل أقل مما فعلته عشائر الحسكة والقامشلي.
إضافة إلى الحساسية القومية تلك، تعتبر مسألة علاقة الأهالي بخلايا تنظيم «الدولة» واحدة من التهم المسكوت عنها وغير المعلنة. فقوات الأمن الداخلي «أسايش» تتعامل مع أهالي المنطقة على أساس انهم حاضنة شعبية للتنظيم المتطرف، وهو السبب الحقيقي لعدم استجابة الإدارة الذاتية لأهالي دير الزور وتقديم الخدمات لهم.
من جهة أخرى، يحارب التنظيم كل المنضوين في الإدارة الذاتية أو العاملين بمؤسساتها المدنية ومجالسها، كما يحارب أولئك المنتسبين إلى قسد، ويصنفهم في نفس خانة الخطر، ويقوم باستهدافهم بشكل يومي. فلا يكاد يمر يوم من دون أن يقتل أحدهم. ويستهدف التنظيم كذلك الشخصيات الاجتماعية التي تحاول بلورة أي حالة سياسية أو تنظيمية، على كافة المستويات، لتبقى المنطقة في حالة فراغ وانفلات تمكنه من البقاء وزيادة سيطرته.
وتتعقد المسألة مع قوة خلايا التنظيم وتغير أساليب عملها، وانتقالها من استهداف أفراد من العاملين المدنيين أو العسكريين إلى الهجوم على مقرات «الكوماندوس» في قسد كما حصل قبل عدة أيام في بلدة الشحيل. حيث هاجم عناصر التنظيم مقرا عسكريا تابعا لقسد بقذيفة ار بي جي، وردت الأخيرة بحملة اعتقالات لمشتبه بهم في المنطقة، والتضييق على حركة المدنيين ومنع تجوالهم بواسطة الدراجات النارية التي تشكل وسيلة النقل الأولى في أغلب الأرياف السورية، بسبب سعرها المنخفض، وكمية المحروقات الصغيرة التي تحتاجها والتي تتناسب مع الضائقة الاقتصادية التي يمر بها أهالي المنطقة.
ان سياسة التمييز بحق أهالي منطقة دير الزور ستخلف آثاراً سلبية على العلاقة العربية الكردية في المستقبل، وستكرس الانقسام الحاد بين العرب والأكراد في شرق سوريا، ويبدو أن إصرار حزب الاتحاد الديمقراطي وإدارته المدنية يهدفان إلى تفسخ العلاقة بين المكونين من أجل الاستثمار السياسي، لكن حاصل هذا الدفع سيولد كراهية عربية شديدة ليس ضد الإدارة فقط، وانما تجاه المكون الكردي في سوريا، وهذا أشبه باللعب بالنار.
ختاماً، فان السعي إلى الاستقرار مفتاحه التنمية والتمكين، واستيعاب البشر المنهكين من الحرب، وفتح باب امل لهم، لا تجويعهم وهم على ضفة نهر أو حرمانهم من المحروقات وهم يطوفون على بحر من النفط.
المصدر: القدس العربي