دشّن ثوار العراق، قبل أيام، صفحة جديدة من المواجهة بينهم وبين أركان العملية السياسية وأحزابها في المنطقة الخضراء، تحت ضغط الإجراءات الحكومية التي تمنع التظاهر والتجمع بسبب جائحة كورونا، والتزاما منهم، منذ بداية الوباء، باحترام التعليمات الوقائية والصحية. إذ أنشأ الشباب صفحة على “فيسبوك” سميت “جيش الأضحكني”، لتكون سلاحا ساخرا وفكاهيا، يحاربون به الأحزاب والشخصيات السياسية، وكذلك من يسمونهم الذيول والمتملقين والمنتفعين من السلطة السياسية من أتباع بعض العمائم والأسماء الطائفية. وقد حظيت الصفحة، خلال الأربعة أيام الأولى، بمتابعة كبيرة وواسعة لفكرتها اللامعة والمتميزة، من تأسيس جيش بقيادة وتراتبية ومهام وشعار أسلحته هي رموز “سمايلي” الضاحكة فقط، والمعروفة في شبكات التواصل الاجتماعي. وشنّ هذا الجيش الذي وصل تعداده اليوم إلى خمسين ألفا من المتابعين أول عملياته على أهداف معادية لثورة تشرين ولشبابها، فهاجم أغنيةٍ تشوّه المتظاهرين، للمغني علي الدلفي، وهو من أتباع مقتدى الصدر. ولشدة الهجوم الذي بلغ تسعين ألفا من رموز “سمايلي”، اضطر المغني لسحب الأغنية من التداول.
اتجه الجيش بعدها إلى الهجوم بواحد وسبعين ألف ضحكة على المنشد بهاء الحسيني، سليل العمائم الذي غنى أغنية تحريضية وعنيفة ضد المتظاهرين، كلماتها سب وقدح بهم. بعدها استهدف “جيش الأضحكني” بخمسة وعشرين ألف ضحكة صفحة صالح محمد العراقي، على “فيسبوك”، وهو ابن أخت مقتدى الصدر وصاحب هذه الصفحة، وسبق للصدر أن سمّاه “شعبوثي”، وهو شاب في مقتبل العمر، يدير حسابات الصدر على “فيسبوك” و”تويتر”، ويعطي فتاوى وتعليمات، ليس فقط إلى أتباع خاله، بل إلى الشعب العراقي، ويوقع ما يكتبه بوزير القائد. كما تمت مباغتة صفحة عمار الحكيم وقناته التلفزيونية، قناة الفرات، بواحد وعشرين ألفا وخمسمائة وتسع وسبعين ضحكة، وكذا صفحة المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي. وتم الهجوم أيضا على رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، الذي حظر عددا غير قليل من الساخرين منه في أثناء الهجوم عليه. واستُهدف المجرم الطائفي أبو درع الذي أظهرت أفلام فيديو له وهو يشوي مواطنين عراقيين، ويشمت بهم، قبل سنوات، ونال أربعين ألف ضحكة، إضافة الى قائمة طويلة من الأسماء، ما تزال في دور الانتظار.
حمد فرحان، شاب ولد عام 1999 في محافظة المثنى، هو أحد “أدمنية” الصفحة، وأحد مؤسسيها، مع عدد غير قليل من الأصدقاء والصديقات بالأعمار نفسها. تحدث عن فكرة الصفحة، وأفاد بأن التفكير بعدة صفحات بدأ منذ عام 2019، واحدة اسمها جيش الأضحكني، وثانية جيش الأغضبني. وكانت أفكارا ساخرة ومضحكة، يتكلم بها الشباب فيما بينهم، ويضحكون على ما يحصل في بلدهم، وعلى الذين يحكمون، والأشخاص الذين يتولون مناصب خطيرة من دون كفاءة، ولا قدرة تقرر مصائر العراقيين ومصير البلاد. ووراء هذه الضحكات، كان هناك شباب تشريني حر ورافض للعملية السياسية، يعادي المليشيات وإيران وغيرها.
يقول فرحان “ليس لدينا ما نحاربهم به إلا ضحكة، ومع ذلك أخافتهم هذه الصفحة، فمثلا عبر هجمتنا على المغني، علي الدلفي، عرف مقتدى الصدر أن هناك مائة ألف شخص صوّتوا ضده بأقل من ساعتين، هذا واحد من النماذج التي نجحنا كصفحة في تثبيتها، بعد أيام قليلة من إنشائها. وعن شعبية الصفحة، يقول إنها وصلت إلى المليون على أحد برامج التواصل، وكانت في مقدمة الصفحات في أول ثلاثة أيام لها. وقد تعلم هذا الشاب التشريني، كما يسمي العراقيون أبناء ثورتهم، تظاهرات ومواجهات كثيرة واسعة مع القوات الأمنية على مدى عام ونصف العام. وقد عاش كل تفاصيل ثورة تشرين من مرافقة الشباب النقي المطالب بوطن، وعرف المندسين والذيول من الوشاة وأتباع المليشيات وقتلة المتظاهرين الموجودين في ساحة التحرير في بغداد. وهو اليوم ورفاقه يشكلون جبهة سلمية جديدة، بصفحة لجيشٍ ساخر، لها كل التنظيمات الإدارية العسكرية، من قيادة عامة وفرق وأفواج لكل مدينة ومنطقة، تحمل شعارات الدولة العراقية ورموزها المصنوعة بحرفية، لتكون بداية لتنظيم ووحدة والتزام منضبط، ونواة لعمل جديد يهيئ للتطورات المقبلة، لأن هذه الآلاف المؤلفة من الشباب لم تلق أسلحتها بعد، ولم تفل عزيمتها، بل تمور جمرة ثورتها تحت حالة الطوارئ وتعليمات الصحة، وإلا لنزلت كما في بداية الثورة، هادرة تهتف بإسقاط العملية السياسية واسترجاع العراق.
“جيش الأضحكني” مفاجأة سارّة، يقدمها ثوار تشرين لكل الشعب، بها يفتحون جبهة سلمية ضد العملية السياسية وأحزابها ومليشياتها
في غضون ثلاثة أيام، تلقّف الشباب العراقي الصفحة، وبدأ العمل التطوعي من مختلف المدن، لتتشكل أكثر من عشرين مجموعة، وصفحات فردية كثيرة في مدن العراق المختلفة. ويصل تطوع الشباب للعمل صباحا أو مساءً إلى مئات يتحشدون للبدء في الهجوم على الأهداف المحدّدة والمقترحة. ونشرت قيادة “جيش الأضحكني” بيانا تدعو فيه الأعضاء إلى الوحدة والتنسيق والتركيز على الأهداف المهمة في العمل. كانت الصفحة مفاجأة جميلة وممتعة للشباب، حفزتهم للمشاركة الواسعة في كل العراق، وبالذات في المدن المشتعلة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019. ولاقت تضامنا واسعا على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، منها “تويتر”، حيث غرد أحد الشباب: واهم من يتصوّر أن ممارسات جيش الأضحكني هي ممارسات تافهة وناتجة عن فراغ، إنما هي عمل احتجاجي من نوع آخر. وغرّد ثان: من أهم نتاج “تشرين” أنها صنعت جيلا ساخرا، وظف سخريته لإزعاج السلطة والمطبلين لها في كل مكان. وكتب المغرد الثالث: وين اللي يقول ثوار تشرين غير سلميين؟ حاربناكم بضحكة وهزمناكم وأجبرناكم تتراجعون! نعم، إنه جيل شديد البأس جبار عنيد.
“جيش الأضحكني” مفاجأة سارّة، يقدمها ثوار تشرين لكل الشعب العراقي، بها يفتحون جبهة سلمية جديدة ضد العملية السياسية وأحزابها ومليشياتها، ليرسخوا نضالا سلميا، بدأ في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ولن ينتهي. هذه الصفحة الفكاهية الساخرة مبادرة ذكية ومؤثرة من ثوار تشرين، لأنها وليدة روح واحدة ومشاعر وتضامن لإخوّة وصداقاتٍ عمدت بالدم، والتضحيات كلها اجتمعت في هدف واحد، هو تحرير العراق واسترجاعه من مخالب القتلة والمجرمين واللصوص بكل أشكالهم. دعم صفحة “جيش الأضحكني” هو دفع ثورة تشرين إلى الأمام، وتعزيز لمواقف أبناء العراق في نضالهم السلمي، للتخلص من عملية الاحتلال السياسية، وتشكيل عملية سياسية وطنية تعيد للعراق سيادته وللشعب العراقي أرضه وبلده.
كتبت شابة تعليقا طريفا على الصفحة: “خطية الجماعة، بمن يلتهون بالقدس، لو بالمحتل، لو بجيش الأضحكني؟”.
المصدر: العربي الجديد