لم يتردد المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسن في التصريح بأنه ليست لديه خطة عمل للمستقبل بعد فشل الجولة الخامسة من أعمال اللجنة الدستورية المكلفة بكتابة دستور جديد للبلاد، بين المعارضة السورية والنظام، والتي عقدت في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي. ويرفض النظام حتى اللحظة تسهيل مهام الأمم المتحدة في التوصل لحل سياسي، وفق بيدرسن نفسه، وهو ما يعزز الاعتقاد بأنّ مسار الأمم المتحدة للعملية السياسية في طريقه للفشل، وأنّ الحل بعيد المنال في سورية.
ورسم المبعوث الأممي، أول من أمس الثلاثاء، صورة قاتمة عن العملية السياسية في سورية، في تصريحات صحافية له بعد انتهاء اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي في نيويورك قدم خلاله بيدرسن إحاطته للمجلس عبر دائرة تلفزيونية مغلقة. وحمّل المبعوث الأممي النظام السوري مسؤولية فشل اجتماعات اللجنة الدستورية المناط بها وضع دستور جديد للبلاد. وأبلغ بيدرسن، بحسب ما قال، مجلس الأمن بـ”أن الرئيس المشارك في أعمال اللجنة الدستورية عن الحكومة (أحمد الكزبري) لم يقبل بأي من الاقتراحات التي قدمتها له، أو قدمها الرئيس المشارك عن المعارضة (هادي البحرة)”. وتابع: “أشرت إلى المجلس أنه لا توجد لدينا خطة عمل للمستقبل حتى الآن. كما قلت إن الدورة الأخيرة للجنة الدستورية كانت فرصة ضائعة وعبارة عن خيبة أمل”. وأوضح أنه أبلغ المجلس “بضرورة تغيير طريقة عمل اللجنة الراهنة، والتأكد من أنه في حال استأنفت اللجنة عملها، فعليها أن تعمل بفعالية وسلاسة وسرعة وعدم تكرار ما حدث حتى الآن”. وتحدث بيدرسن عن غياب الثقة والإرادة السياسية للتوافق، وكذلك غياب حيز سياسي لإنجاز هذه التوافق.
وأشار المبعوث الأممي إلى أنه تحدث عن “ضرورة وجود دبلوماسية دولية بناءة بشأن سورية”، مضيفاً “أنا على اقتناع أكثر من أي وقت مضى بأنه من دون ذلك، فمن غير الممكن أن يمضي أي مسار قدماً، سواء كان الدستوري أو غيره”. وفي السياق، كشفت مصادر دبلوماسية لوكالة “فرانس برس”، أنّ مجلس الأمن الدولي فشل، في جلسته التي عقدها الثلاثاء، في الاتفاق على بيان مشترك بشأن فشل المفاوضات في سورية.
وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها المبعوث الأممي بشكل معلن وواضح عن عرقلة النظام السوري لجهود حلّ سياسي في البلاد، والتي بدأت في منتصف عام 2012، ولكنها لم تثمر حتى اللحظة عن نتائج، في ظلّ سعي من النظام لشراء الوقت وصولاً إلى منتصف العام الحالي، وهو موعد تنظيم انتخابات رئاسية تبقي رئيس النظام بشار الأسد في السلطة سبع سنوات أخرى. ولطالما طالبت المعارضة السورية الأمم المتحدة بتحميل النظام بشكل كامل وواضح المسؤولية عما آلت إليه العملية السياسية، خصوصاً أنّ هذه المعارضة قدمت تنازلات كي تثبت جديتها، عندما قبلت بتقديم سلة الدستور على سلة الانتقال السياسي لتسهيل مهمة الأمم المتحدة للتوصل إلى حلول.
وفي السياق، أوضح إبراهيم جباوي، المدير التنفيذي للمكتب الإعلامي في هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، أنّ بيدرسن “مجرّد ميسّر وليس وسيطاً، وطالما هو كذلك لا يمكنه تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتفاوضة”. وطالب جباوي، في حديث مع “العربي الجديد”، الأمم المتحدة بـ”تغيير مهام بيدرسن ليغدو وسيطاً بين النظام والمعارضة لتجسير الهوة بين الطرفين”، مضيفاً أنه “من خلال تصريحاته (بيدرسن) نشعر أنه غير مستقيم بأحكامه حول العملية السياسية”. وأشار جباوي إلى أنّ المبعوث الأممي “لا يحمّل النظام كامل المسؤولية، إنما يشير من بعيد إلى النظام في عرقلة الحل السياسي، وهذا خطأ جسيم يرتكبه. كما يتبيّن أن لا فائدة من وجود بيدرسن على الإطلاق، وليس له دور في العملية السياسية برمتها، فحتى اللحظة لم يعط أي أفكار جديدة حول بقية السلال التفاوضية ولا سيما سلة الانتقال السياسي، وهو لا يختلف عن المبعوث السابق ستيفان دي ميستورا”. وأعرب جباوي عن قناعته بأنه “إذا بقي الحال على ما هو عليه في تعاطي الأمم المتحدة والدول الفاعلة مع الأزمة السورية، فلا بصيص ضوء في آخر النفق للعملية السياسية”.
من جانبه، أشار عضو الهيئة السياسية في “الائتلاف الوطني السوري” عبد المجيد بركات، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ “الإحاطة السرية للمبعوث الأممي توحي بأنّ هناك خلافات جوهرية بين الدول الراعية للعملية السياسية”. واعتبر أنّ “بيدرسن لم يتحدث أمام وسائل الإعلام بعد الجلسة بشكل واضح عن أنّ النظام يعطل أعمال اللجنة الدستورية، ولم يتطرق إلى الدور الإيجابي الذي قامت به المعارضة السورية لإنجاح أعمال اللجنة الدستورية، من خلال تقديم مقترحات عمل، ما يؤكد أنّ المبعوث الأممي يحابي النظام وداعميه، معتقداً أنّ هذا الأسلوب يبقي النظام في العملية السياسية”. وأكد بركات أنّ المعارضة “كانت تدرك أنّ النظام سيعطل أعمال اللجنة الدستورية”.
وفي الوقت الذي تراوح فيه العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفق قرارات الشرعية الدولية في المكان ذاته منذ سنوات، تتداول أوساط المعارضة السورية معلومات عن سعي الثلاثي الضامن في سورية وفق مسار أستانة (تركيا، إيران، روسيا)، للتوصل إلى حلول سياسية للوضع في سورية، بعيداً عن المسار الأممي. ومن المقرر أن يعقد هذا الثلاثي جولة جديدة من هذا المسار في 16 فبراير/ شباط الحالي في مدينة سوتشي الروسية على البحر الأسود.
المصدر: العربي الجديد