آثار توسع نفوذ الميليشيات الإيرانية في شرقي سوريا محط أنظار الجميع، إذ لم يقتصر النفوذ الإيراني على الجوانب الثقافية والعسكرية والخدمية، بما فيها حملات التغيير الديمغرافي والتشييع، وإن كانت بشكل قليل وليس ذا ثقل، إلا أن اللافت اليوم هو النفوذ الأمني لتلك الميليشيات في شرقي سوريا وتحديدا في محافظة دير الزور، التي تعتبر المعقل الرئيس للقيادة المركزية الإيرانية، لما تملكه تلك المنطقة من أهمية جغرافية، كونها ممر بري وحيد وجزء من “الهلال الشيعي”.
النفوذ الأمني لم يعد يقتصر على الاطلاع على المعلومات الأمنية أو الأفراد والجماعات التي يشترك النظام وإيران بتوصيفها “إرهابية”، وعلى الرغم من تبادل المعلومات بين الطرفين، إلا أن وصول “قاعدة بيانات أمنية” لتلك الميليشيات أثار استغراب السكان المحليين، الذي صدموا من معرفة الإيرانيين بخلفياتهم الأمنية والدراسية والحزبية.
رفض منتسبين جدد وتقييم أمني للمنتسبين القدماء
في تفاصيل الأمر، كشف مصدر من ريف دير الزور الشرقي، لموقع تلفزيون سوريا، وهو شخص أراد إجراء تسوية مع الإيرانيين والانضمام لميليشيا الحرس الثوري، تفاجأ بوصول رفض من تلك الميليشيات وورقة مراجعة لشعبة الاستخبارات التي أنشئت حديثا ومقرها مدينة الميادين شرقي سوريا، ومسألة الرفض حالة نادرة جدا لأشخاص سعوا للانضمام إلى الحرس الثوري.
أشار المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية أنه راجع شعبة الاستخبارات، وهي عبارة عن منزل تعود ملكيته لمدني، وأبلغه قادة أمنيين في ميليشيا الحرس الثوري، أن السجل الأمني والحزبي لعائلته يتنافى ومساعيه، فعائلته لها جذور في جماعة الإخوان المسلمين، مؤكداً أن أمنيي الحرس الثوري ذكروا له وقائع وأحداث وأسماء شخصيات من عائلته، وطلبوا منه الالتحاق بجيش النظام وليس بالحرس الثوري.
وتكرر رفض الأشخاص بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وجميع من رفض بحسب المصدر، كان لأسباب قديمة إما ارتباط العائلة بالإخوان المسلمين، أو وجود أشخاص معارضين معروفين ضمن العائلة، وحيال هذا تواصلنا مع مصدر عسكري في الحرس الثوري الإيراني، وهو مسؤول عن قطاعات فيه، وقال في تصريح خاص لتلفزيون سوريا، إن الموضوع كانت القيادة تعمل عليه منذ سنة تقريبا، وحصلت على داتا أمنية من مخابرات نظام الأسد.
وأضاف المصدر، أن المخابرات التابعة للنظام، زودت الحرس الثوري ببيانات أمنية مشترطة أن لا تتوسع لتشمل أشخاص من محافظات أخرى، وإنما ستقتصر على أبناء محافظة دير الزور، مضيفاً: “مسألة الانضمام للحرس بات أمنية أكثر من أي وقت سبق”، وعزا ذلك لعمليات الانشقاق التي تتم بين الحين والآخر، وما يتبعها من تسريب للمعلومات الأمنية والمكانية لقوات الحرس.
تحركات للحد من الضربات الإسرائيلية
واعتبر الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي، في تصريح خاص لتلفزيون سوريا، أن الإجراءات الجديدة للميليشيات الإيرانية، تعكس حالة عدم الثقة بين كوادرها وعناصرها، لا سيما عقب الضربات الجوية الأخيرة التي طالت محافظة دير الزور، شرقي سوريا، مشيراً أن الانتساب سابقاً كان عشوائيا، بينما اليوم أصبح دقيقاً.
وأضاف عاصي، أن الإجراءات لن توقف الضربات الجوية الإسرائيلية، مقللاً من أهمية تلك السجلات الأمنية كون النظام فقد كثيراً من المعلومات عن كثير من السوريين، عقب اندلاع الثورة السورية، وأن مسألة تشكيل “داتا أمنية” جديدة تحتاج إلى وقت طويل، مضيفاً أن إجراءات الوصول إلى مراكز القيادات العسكرية من الممكن أن يفيد الإيرانيين، لكن مسألة تشديد قيود الانتساب إلى الحرس الثوري من شأنه أن يقلل من العنصر البشري في تلك الميليشيات.
الداتا الأمنية حملت على شبكة خاصة بالحرس الثوري، وأكد المصدر أن الحرس يعمل حاليا على إنشاء حزمة بيانات أمنية خاصة به وتوسعة الموجودة لديه، لدراسة الخلفيات الأمنية، مضيفاً أن قيادات في الحرس تريد تسريع هذه الوتيرة لإتمام عملية (الانغلاق)، وتلك عملية تريدها قيادة الحرس لحصر معلوماتها ضمن كوادرها على غرار الميليشيات التي تعمل في العراق.
وحيال هذا الربط، أو وجه التشابه، بين الميليشيات في العراق، ونظيراتها في سوريا، اعتبر الدكتور جاسم الشمري، الكاتب والمحلل السياسي العراقي، في تصريح خاص لتلفزيون سوريا، أن الميليشيات التي ولاؤها وتبعيتها لإيران وتنشط في العراق، لا تحتاج إلى الحصول على الداتا الأمنية من المخابرات العراقية، كونها – أي الميليشيات – تتمتع بسلطة أمنية تسمح لها الوصول إلى سجلات العراقيين الأمنية، معتبراً أن تجنيد أو انتساب الأفراد إلى الميليشيات تقوم على أساس التزكية من أحزاب أو شيوخ ينتسبون للطائفة، وأن الأمر مختلف كلياً عن المشهد في شرقي سوريا، كون الإيرانيون هناك لا يمتلكون سلطة أمنية، فيما في العراق، لديهم سلطة أمنية واسعة، عبر الفصائل الولائية التي تأتمر بأوامرهم، أو عبر القوى السياسية القريبة منهم.
وقال المسؤول في الحرس الثوري في معرض حديثه لتلفزيون سوريا، إن الداتا الأمنية قد لا يتوفر بها كامل المعلومات عن الشخص، وبهذا تلجأ القيادة الأمنية للحرس لتكلف متعاونين محليين لإجراء دراسة أمنية عن الشخص، في ذات الوقت تطلب من مخابرات النظام إجراء ذات الدراسة وتزويدها بالتقرير، وأشار أن الدراسات الأمنية تسببت بتكسير رتب بعض القيادات المحلية التي كشف الإيرانيون أن لعائلاتهم أو عشائرهم ارتباطات لا تتناغم ومساعيهم أو مساعي حزب البعث.
ويعتبر وصول الإيرانيين إلى الداتا الأمنية هيمنة واضحة على مفاصل الدولة في شرق سوريا، وهو ما عززوه في الآونة الأخيرة، إذ يعتقد الإيرانيون أن عملية الانغلاق من شأنها تقليص الضربات الجوية والحد من تسريب المعلومات، وهذا تبعه عملية منع العناصر العاديين والضباط الصغار من الوصول إلى مراكز القيادات دون حصولهم على موافقة، أي أن عملية التنقل بين المقار والمستودعات باتت محدودة على أشخاص بعينهم، وفق ما أكد المصدر.
وكان الإيرانيون قد سعوا لاستقطاب الشباب إلى المنطقة، لتشكيل قوات رديفة لهم، لا سيما عقب تنامي العمليات من قبل تنظيم الدولة في البادية السورية ووصولها إلى مشارف مدن كمدينتي الميادين ودير الزور، وتمثل ذلك بمساعيها لتشكيل قوات عشائرية، عبر اجتماع ضم شيوخ عشائر ومخاتير من مختلف مناطق الريف الشرقي لدير الزور، وعقد مؤخراً في مدينة الميادين، وذاك ربما يجنب الإيرانيين مسألة الاختراق المحلي، ويجمع المنتسبين الجدد في جسم عسكري بعيد عن مقارهم وقراراتهم، لكن تحت إشرافهم وتحت إمرتهم.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا