لا تُنبئ الدبلوماسية الأميركية بأي انفراجة على مستوى المفاوضات مع إيران، ولا بد أن ينعكس ذلك على منطقة نفوذ طهران بأسرها، سيما مع اشتداد الضائقة المادية. ذلك أن الـ”كلا” التي نطق بها الرئيس الأميركي جو بايدن كانت شديدة الوضوح، ولا لبس فيها، لجهة اشتراط التزام إيراني بالاتفاق النووي قبل رفع العقوبات، رغم جو التفاؤل الذي رافق تعيين روبرت مالي مبعوثاً الى ايران. فريق جو بايدن ليس نسخة عن إدارة الرئيس باراك أوباما وسياساتها في سوريا وإيران، بل هو أشبه بحركة تصحيحية ترمي إلى ردم هفوات الماضي.
لا تنظر الإدارة الحالية الى سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب بوصفها كارثة يجب الاعتذار عنها وتصحيحها. بالعكس، وقبل وفود هذه الإدارة الى مواقعها، أعرب أقطاب فيها عن أملهم بالاستفادة من الأخطاء السابقة، ليس لجهة تصحيحها، بل لأنها تُوفر فرصة لاعادة تركيب سياسات أوباما بشكل يأخذ الهفوات في الاعتبار، ومنها الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.
وهكذا لم يطرق بايدن الباب الإيراني في اليمن أولاً، بل حاول تجاوزه بالتعاطي مع المكون المحلي، ولمعرفة الساسة الاميركيين بأن الحوثي لا يخضع بالكامل لإرادة طهران رغم التحالف بينهما. رفعُ جماعة الحوثي عن قائمة الجماعات الإرهابية، أعطى زخماً محدوداً لسياسة بايدن. وهذا مثال على نهج الإفادة من سياسات ترامب، بدلاً من ادانتها والعودة عنها بلا مقابل. صحيح أن المبعوث الدولي مارتن غريفيث نقل أخيراً رسالة أميركية إلى ايران في الشأن اليمني، لكن ذلك حصل متأخراً ويعكس مراساً غير متعاون ومتحايلاً في واشنطن.
في الملف النووي الإيراني، تعلم إدارة بايدن مأزق طهران، ذلك أن هناك حاجة ماسة لبيع النفط، والأرجح أن احتياطي العملات الصعبة الذي مثّل ذخراً للايرانيين خلال السنتين الماضيتين، لن يدوم طويلاً. وقد يجد النظام الإيراني نفسه في موقع حرج مالياً الصيف المقبل، بما يجعل التفاوض مع الجانب الأميركي في الملفات الإقليمية، ضرورة أو “سُمّاً” لا بد من تجرعه، كما حصل في نهاية الحرب مع العراق في ثمانينات القرن الماضي.
بيد أن الجانب الإيراني اليوم يفرض شروطاً صعبة، ومنها رفع كل العقوبات قبل العودة الإيرانية للاتفاق. وهذا شرط منطقي من الجانب الإيراني، إذ أن واشنطن هي التي أخلت بما التزمت به في الاتفاق النووي، وليس إيران، وبالتالي على الولايات المتحدة المبادرة بالعودة إليه.
لكن بالنسبة للجانب الأميركي، من الضروري الاستفادة من لحظة الضعف الإيرانية لتحسين شروط الاتفاق ومناقشة قضايا إقليمية مقلقة مثل دور الميليشيات العراقية المدعومة إيرانياً، وعرقلة ولادة الحكومة اللبنانية، والدور الإيراني في اليمن وأفغانستان.
طبعاً، لن يعني ذلك انهاء الوجود الإيراني، ولكن الأمل في واشنطن هو في ضبطه وربط السلوك الإقليمي الإيراني بالعقوبات. إذا أخلت ايران بما تلتزم به، لن تتمكن من بيع النفط، على الأقل ليس بالكميات المأمول بها.
لكن على الجانب الإيراني، ليست الأمور بهذه السهولة أيضاً. الرئيس حسن روحاني وفريقه يرغبون في العودة للاتفاق، لكن هناك من يُخوّن هذا النهج، ويُطالب بشروط أقسى إيرانياً، جاء بعضها على لسان المرشد علي خامنئي.
فيما يضيق الخناق مالياً على الطرف الإيراني، تزداد احتمالات التهور في التصعيد، لكن أي خطوة غير محسوبة قد تجد أمامها رد فعل دولياً أوسع نطاقاً. عملية شد الحبال اليوم أصعب من الأمس، والأرجح أن ترى المطالب الأميركية، النور، ولو بعد حين.
المصدر: المدن