اقترب الائتلاف الوطني السوري المعارض خطوة باتجاه تشكيل هيئة سياسية موحدة لمحافظات المنطقة الشرقية في سورية، إذ انتخبت لجنة موسعة أعضاء المكتب السياسي الذي يمثل محافظة الرقة التي تعد من أهم المحافظات السورية لجهة الاقتصاد، ويتركز فيها جانب مهم من الثروة الزراعية والبترولية، وهو ما جعلها واحدة من أهم السلال الغذائية في البلاد خلال الفترة التي سبقت الثورة السورية.
وتوصلت لجنة “الجزيرة والفرات”، في الائتلاف الوطني المعارض، الإثنين الماضي، إلى تشكيل “مكتب سياسي” خاص بمحافظة الرقة يضم 15 شخصية، وفق الدائرة الإعلامية للائتلاف، التي أشارت في بيان لها، إلى أنّ أعضاء المكتب سيعقدون أول اجتماعاتهم في الفترة المقبلة مع قيادة الائتلاف. ويسعى الأخير إلى تشكيل هيئة سياسية موحدة تضم محافظات الجزيرة السورية والفرات، وهي الرقة ودير الزور والحسكة.
ونقلت الدائرة الإعلامية للائتلاف عن رئيس لجنة الجزيرة والفرات، عقاب يحيى، قوله إن “تشكيل هذه المكاتب ستكون له أهمية كبيرة على مستوى الوصول إلى تمثيل ومعالجة قضايا المنطقة الشرقية”. ومن المرجح أن يتخذ المكتب السياسي لمحافظة الرقة مدينة أورفا، جنوب تركيا، مقراً له، كون هذه المدينة تضم أغلب السوريين المتحدرين من محافظة الرقة الذين اضطروا إلى ترك بلادهم خلال السنوات الأخيرة.
وأوضح مهنا المحمد، وهو أحد أعضاء المكتب، أنّ لجنة تحضيرية مؤلفة من 266 شخصاً انتخبت الأعضاء، مشيراً إلى أنّ فعاليات مدنية رشّحت ممثلين عنها في اللجنة. ولفت في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن عدداً من أعضاء المكتب السياسي مقيمون داخل سورية بينما الباقون في جنوب تركيا. وبيّن أنّ المكتب السياسي سيفتتح مكتباً له في مدينة تل أبيض، مشيراً إلى أنّ الائتلاف الوطني “هو المبادر لإنشاء مكاتب سياسية في محافظات المنطقة الشرقية ينبثق عنها مكتب واحد، يتولى التفاوض لحسم مصير الشمال الشرقي من سورية في أي مفاوضات ربما تحدث في المستقبل”.
وتعد الرقة من كبرى المحافظات السورية، إذ تبلغ مساحتها أكثر من 20 ألف كيلومتر مربع، تمتد من الحدود السورية التركية شمالاً إلى عمق البادية السورية جنوباً، ومن الحدود الإدارية مع محافظة حلب غرباً إلى الحدود الإدارية مع محافظة دير الزور شرقاً. وتعد محافظة الرقة إحدى أهم السلال الغذائية في سورية، فهي المنتج الأكبر للمحاصيل الاستراتيجية في البلاد، ولا سيما القمح والقطن، فضلاً عن وجود حقول وآبار بترول في ريفها الجنوبي الغربي. ويخترق نهر الفرات الرقة، وهو الذي منحها تلك الأهمية الاقتصادية عن سواها من المحافظات السورية. وأقيم على نهر الفرات في الرقة سدان يعدان من أهم السدود في سورية، وهما سد الفرات في مدينة الطبقة وهو الأكثر أهمية على صعيدي الزراعة وتوليد الطاقة الكهربائية، وسد الحرية والذي يقع إلى الشرق من سد الفرات بنحو 30 كيلومتراً.
وتأتي الرقة في مقدمة المحافظات السورية التي عانت من التهميش والإقصاء منذ استقلال سورية في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، والذي ترسخ أكثر وأخذ أبعاداً كثيرة منذ عام 1970 حين استولى حافظ الأسد على السلطة. وظلت الرقة طيلة أكثر من خمسين عاماً رافداً رئيساً للاقتصاد السوري، من دون أن ينعكس ذلك إيجاباً على حياة أكثر من مليون ونصف المليون سوري كانوا يشكلون سكان المحافظة في عام 2011. في بداية عام 2013، كانت الرقة أولى المحافظات السورية خروجاً عن سيطرة النظام، وهو ما جرّ عليها ويلات القصف الجوي والصاروخي. وفي بدايات عام 2014، سيطر تنظيم “داعش” على المحافظة بشكل كامل، وعطّل كل نواحي الحياة فيها، وهو ما دفع عدداً كبيراً من سكانها لنزوح داخلي أو لهجرة خارج البلاد. وفي 2017، بدأ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية حملة عسكرية واسعة النطاق لطرد “داعش” من المحافظة، وهو ما أدى إلى تدمير جل مدينة الرقة، مركز المحافظة، وسيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) على القسم الأكبر من المحافظة مترامية الأطراف.
وتظهر نظرة على خريطة السيطرة في محافظة الرقة، أنّ كل أطراف الصراع على سورية لهم وجود عسكري في المحافظة، إذ تسيطر “قسد” على جلها، بدءاً من قرية شعيب الذكر غرباً مروراً بمدينة الطبقة ومن ثمّ شريط قرى على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، أبرزها الصفصافة ومزرعة الصفصافة والمنصورة والحمام، وصولاً إلى شرقي قرية كسرة شيخ الجمعة. وتسيطر هذه القوات على كل مساحة الرقة شمال نهر الفرات أو ما بات يُعرف اصطلاحاً بـ”شرقي الفرات”، باستثناء مدينة تل أبيض ومحيطها في ريف الرقة الشمالي التي سيطر عليها الجانب التركي أواخر عام 2019. بينما تسيطر قوات النظام على جانب من ريف الرقة الغربي، وخصوصاً قريتي دبسي فرج، ودبسي عفنان، وعلى أغلب بادية المحافظة، وعلى قسم من الريف الجنوبي الشرقي، خصوصاً بلدتي معدان والسبخة. وفي أواخر عام 2019، اضطرت “قسد” لتوقيع تفاهم عسكري مع الجانب الروسي سمح للأخير ولقوات النظام باتخاذ جانب من مطار الطبقة مقراً لتجميع قوات لهما لتنقل إلى منطقة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي. كما يتخذ الأميركيون من بعض المناطق في محافظة الرقة نقاط تمركز غير ثابتة، ولا سيما في قرية الجزرة على تخوم مدينة الرقة الشمالية الشرقية.
إلى ذلك، قالت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، إنّ سكان محافظة الرقة “يعانون مثل أغلب السوريين”، لكنها استدركت: “ربما الأوضاع في المناطق الخاضعة لقوات قسد أفضل حالاً على بعض الصعد”. وأوضحت: “فترة انقطاع التيار الكهربائي هي الأقل في محافظة الرقة على مستوى سورية، بحكم وجود سد الفرات، وهو المنتج الأكبر للطاقة في البلاد”. وأضافت أنّ الوضع الاقتصادي “في تحسن”، مشيرةً إلى أنّ “الأوضاع الأمنية مقبولة، ولكن يجب أن تكون أفضل، خصوصاً في مدينة الرقة”. وأكدت المصادر أنّ “هناك رفضاً شعبياً كبيراً لعودة قوات النظام إلى محافظة الرقة تحت أي ذريعة”، مشيرةً إلى أنّ “الرقة عانت كثيراً خلال السنوات الماضية، وقتل عشرات الآلاف من سكانها نتيجة قصف طائرات النظام والروس والتحالف الدولي، ومجيء النظام يعني عمليات انتقام واسعة النطاق بحق من بقي من السكان”.
ووفق مكتب الإحصاء في مجلس الرقة المدني التابع لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سورية، فإنّ عدد سكان المحافظة بلغ في عام 2020 نحو 759428، وعدد الأسر 142792، وعدد المنازل 118440، مشيراً إلى أنّ عدد سكان مدينة الرقة وحدها بلغ 287356.
المصدر: العربي الجديد