قد ينكسر الهدوء السائد في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة في قادم الأيام بفعل عوامل عدة بعضها خدمي وبعضها الآخر عسكري، إذ تمر المدينة الآن بظروف وتفاعلات تضعها في عين الحدث، وتؤثر في طبيعة الحياة السائدة فيها منذ سنوات.
تخضع القامشلي كما مدينة الحسكة لسلطة “الإدارة الذاتية” الجناح السياسي لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، تشرف هذه الأخيرة عبر أجهزتها على حفظ الأمن وضبطه، كما تتحكم بمفاصل الحياة في المدينتين، إلا عددا من المؤسسات الخدمية والطبية ومربعات الأمن، هذه تخضع لسسيطرة نظام الأسد، وهذا هو الحال في المدينة منذ سنوات، وتقوم العلاقة بين السلطتين على معرفة كل منها الحدود التي تستطيع التحرك بها، ولم يخلُ الأمر من بعض المنغصات الأمنية خلال السنوات الماضية، إلا أنها كانت تحل ولم تتطور وتؤثر على باقي التعاملات بينهما.
لكن يبدو المشهد في القامشلي الآن مختلفا عـما كان يشهده سابقاً، فثمة تحركات وأحداث بعضها يجري خارج حدود المدينة، لكن تأثيرها ينعكس مباشرة على الأرض، ويمكن الإشارة هنا إلى ثلاثة مؤشرات من شأنها أن تحدث تغييراً فيها.
أزمة خبز غير مبررة.. هل يبتز النظام “قسد” بالدقيق
تشهد مدينة القامشلي، ازدحاماً كبيراً على الأفران والمخابز العامة وسط توقف بعض الأفران السياحية والخاصة عن العمل، بسبب ارتفاع أسعار مادة الدقيق خلال الأيام الأخيرة، وأفادت مصادر محلية لتلفزيون سوريا بأن نسبة كبيرة من سكان القامشلي يلجؤون إلى شراء الخبز السياحي بسبب سوء جودة خبز الأفران العامة وعدم تغطيتها لحاجة المنطقة.
وأظهر تسجيل مصور في مدينة القامشلي، قيام عمال في “فرن البعث الحكومي” ببيع كميات من الخبز بطريقة غير شرعية وبشكل خفي، وبيّن التسجيل شابا يحمل كمية كبيرة من داخل الفرن ويتوجه بها إلى السور ليلقي بها إلى ثلاثة شبان خارج سور الفرن في منطقة مهجورة، والذين قاموا بدورهم بنقلها عبر شاحنة صغيرة إلى مكان آخر لبيعها بأسعار مضاعفة، مستغلين الأزمة الحالية في المحافظة، حيث يصل سعر الربطة من 500 ليرة سورية إلى 1000 ليرة سورية دون وجود أي رقابة مع انتشار الفوضى العارمة.
ويوجد في مركز المدينة ستة أفران سياحية، حيث تباع ربطة الخبز حالياً للمستهلك بسعر 650 ليرة سورية، بعدما كان سعرها 500 ليرة سورية، وتشهد معظم المحافظات السورية أزمة خبز خانقة في مناطق سيطرة النظام بالتزامن مع انتشار الفوضى والفساد دون أي رقابة إضافةً إلى أزمة المحروقات وانتشار البطالة.
وتحصل الأفران التابعة لـ “قسد” و”الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا على الدقيق، من المطاحن التي يديرها نظام الأسد، حيث تقوم “قسد” بتصدير كميات من القمح للنظام ليعيد جزءا منه دقيقاً، وتجري هذه العملية إلى جانب عملية تصدير “قسد” النفط الخام للنظام الذي يقوم بتكرير جزء منه أيضاً ويعيده إلى “قسد”، وتشير مصادر مطلعة إلى أن عمليات تصدير النفط توقفت منذ مدة بين الطرفين لأسباب غير معروفة.
وتشير المصادر إلى أن النظام بدوره أحجم عن تزويد أفران “قسد” بالدقيق وجعلها متوفرة في أفرانه بالقامشلي والحسكة، ما سبب أزمة في مادة الخبز، وخلق أزمة عند السكان.
وترجح المصادر أن يكون تقليل التبادل بين الطرفين ناتجا عن الخلافات الأمنية التي تحدث بينهما في القامشلي، إلى جانب ارتباطها بالمفاوضات المتعثرة حول مصير بلدة عين عيسى بريف الرقة.
ولم يصدر حتى الساعة توضيح رسمي من قبل النظام و”قسد” بشأن أزمة الخبز في القامشلي والحسكة، إلا أن الرئيس المشترك للإدارة العامة للأفران في منطقة الجزيرة محمود محمد، عزا الأزمة إلى احتجاج أصحاب الأفران الخاصة ومطالبتهم برفع سعر ربطة الخبز.
وأوضح أن”أصحاب الأفران الخاصة طلبوا زيادة سعر مبيع ربطة الخبز، لأن السعر الحالي لا يغطي تكاليف الإنتاج ولا يؤمن لهم الدخل اللازم للمعيشة”.
وحول أزمة الخبز التي شهدتها مدينة القامشلي قال، إنهم سيعملون على إحداث خط إنتاج جديد يضاف إلى الخطوط الثلاثة الموجودة، من أجل زيادة كميات إنتاج الخبز.
مناكفات أمنية مستمرة بين النظام و”قسد”
ما تزال تداعيات الأحداث التي جرت في كانون الأول 2020، بين “قسد” وذراعها الامني “الأسايش” من جهة وقوات نظام الأسد وميليشيا “الدفاع الوطني” من جهة ثانية مستمرة حتى الساعة، إذ لا يزال التوتر يسيطر على المدينة، في حين تفرض “الأسايش” نوعاً من الطوق الأمني حول المربع الأمني الذي يضم أجهزة النظام الأمنية.
وحدث أن اعتقلت “الأسايش” بداية 3 من عناصر المخابرات الجوية، بعد ذلك اعتقل النظام أربعة عناصر من “الأسايش” لتتدخل روسيا بعد ذلك وتتوسط للإفراج عن المعتقلين لدى الطرفين.
بعد ذلك بدأ الطرفان يتبادلان اعتقال عناصر كل منهما، وحدث في إحداها أن اعتقل ضباط وأكثر من 10 عناصر من النظام، قابلها اعتقال عناصر من “الأسايش” قبل أن تتدخل روسيا لتطلقهم.
ورافقت عمليات الاعتقال تفجير قنابل صوتية في مواقع الطرفين، اتخذت على إثرها “الأسايش” قراراً بفرض طوق أمني محكم على المربع الأمني الذي يتحصن فيه النظام بمدينتي القامشلي والحسكة وهددت باعتقال أي عنصر تابع للنظام يمر بحواجزها الأمنية، وفق مصدر محلي تحدث لموقع تلفزيون سوريا.
قابله، توجيه النظام قواته العسكرية والأمنية بالدخول في حالة تأهب واستنفار أمني، كما استقدم تعزيزات عسكرية من فوج طرطب بمدينة القامشلي إلى حواجزه الأمنية.
ويقول مراقبون إن الأسباب الأساسية لبدء المناكفات بين الطرفين تعود إلى وجود خلافات بين الطرفين بشأن مصير بلدة عين عيسى، التي تتحضر تركيا للسيطرة عليها وانتزاعها من يد “قسد” وهذه الأخيرة تتهم النظام وروسيا بالتخاذل وتركها تواجه مصيرها لوحدها.
وكانت مفاوضات بين روسيا و”قسد” بشأن عين عيسى وصلت لطريق مسدود بسبب رفض “قسد” تسليم البلدة لنظام الأسد، وكان مؤيدون لـ “قسد” هددوا بطرد النظام من محافظة الحسكة في حال تخلى عن عين عيسى ولم يشارك في المعارك ضد الجيش التركي.
تعزيزات عسكرية روسية تزحف إلى شمال شرقي سوريا
تحاول القوات الروسية لعب دور الشرطي في ضبط التوتر الحاصل في القامشلي بين “قسد” ونظام الأسد، وقد عملت في أكثر من مرة على إطلاق معتقلين كان الطرفان يحتجزانهما نتيجة خلافات في القامشلي.
ويبدو أن روسيا فكرت في استغلال هذا التوتر المرتبط بالقامشلي وعين عيسى على حد سواء، وقررت تدعيم قواتها في القامشلي، حيث تمتلك هناك قاعدة عسكرية في مطار المدينة، وتضم هذه القاعدة عدداً من عناصر الشرطة العسكرية وجنرالات من الجيش الروسي.
وأمس الإثنين، أعلنت وزارة الدفاع الروسيّة، إرسال وحدة شرطة عسكريّة روسيّة إضافية تضم قرابة 300 جندي روسي، إلى محافظة الحسكة.
وقال مسؤول مركز المراقبة الروسية – السورية المشتركة الرائد دميتري سونتسوف – حسب وكالة “سبوتنيك” الروسيّة – إنّ “هدف هذا الإجراء، تعزيز نقاط المراقبة المشتركة مع قوات نظام الأسد في محافظة الحسكة”.
وأضاف أن الوحدات وصلت إلى إحدى نقاط المراقبة المشتركة في الحسكة ومهمتها الرئيسية، هي المساهمة في تهدئة النزاع بالمنطقة، ومراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار، وتقديم جميع أنواع المساعدة للسكّان المحليين، وفق قوله.
ووصلت المجموعة الأولى مِن هذه التعزيزات إلى الحسكة، وستنضم إليها المجموعات الباقية قريباً، وستُنشر في بلدتي عامودا وتل تمر وغيرها مِن المراكز السكنيّة في ريف الحسكة، إضافةً لـ مدينة عين عيسى شمالي الرقة.
وبحسب شبكة “tvzvezda” التلفزيونية التابعة لـ وزارة الدفاع الروسيّة فإنّ طائرة نقل عسكرية روسيّة مِن طراز “Il-76” وصلت إلى مطار القامشلي في ريف الحسكة، وهي تقلّ كتيبة مِن الجنود الروس، إضافةً لـ أسلحة ووسائل اتصالات ومعدّات عسكرية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا