في ظل أزمة الخبز الذي تعاني منها مناطق سيطرته، لم يجد النظام السوري حلاً لتوفير القمح، إلا السيطرة على الأراضي الزراعية التي أُجبر أصحابها على النزوح، وتأجيرها وفق مزادات، شريطة زراعتها بالقمح.
بما يشبه تجربة التأميم الذي شهدته سوريا في ستينيات القرن الماضي، اعترف النظام السوري بالسطو على أراضٍ زراعية تعود ملكيتها لمهجّرين، رغم مخالفة ذلك للقوانين التي ينص عليها الدستور السوري، جاء ذلك وفق ما نقلت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام السوري، عن مدير الإنتاج الزراعي في وزارة زراعة النظام أحمد حيدر.
والمفارقة هي اعتبار النظام أن التصرف بالأراضي لن يؤثر في حقوق أصحابها الحقيقيين، لأن استثمار الأراضي سوف يكون لموسم واحد، حسب حيدر، ما يثير الشكوك حول وجود مخطط يهدف إلى السيطرة التدريجية على هذه الممتلكات، التي تعود ملكيتها في الغالب لمدنيين.
وكانت مؤسسات تابعة لحزب “البعث”، قد أعلنت منتصف العام 2020، عن أكثر من مزاد علني لتأجير وضمان الأراضي الزراعية في أرياف حماة الشمالية، وإدلب الجنوبية والشرقية، وهي المناطق التي تقدم إليها النظام السوري إثر حملته العسكرية الأخيرة المدعومة روسياً على مناطق المعارضة شمال غربي سوريا.
كذلك أصدر رئيس اللجنة العسكرية والأمنية في محافظة حماة رمضان الرمضان قراراً في آب/أغسطس، بمنع حراثة الأراضي الزراعية لغير المالكين الأساسيين لها أو العمل بها، ما يبدو تمهيداً لوضع النظام يده على الأراضي.
“بوصفها مناطق احتضنت الثورة في فترة من الزمن، لا بد من معاقبة أهلها، بزيادة المضايقات الأمنية على من تبقى منهم، وبمصادرة ممتلكات من نزح عنها”، هذا ما قرأه الخبير الاقتصادي سمير الطويل في خطوة النظام، موضحاً أن “النظام وجد في معاناة الأهالي من نقص الخبز، فرصة سانحة للاستيلاء على الأراضي التي هُجّر أصحابها قسراً”.
واعتبر في حديث ل”المدن”، أن اشتراط النظام زراعة القمح على المستأجرين لهذه الأراضي، محاولة للتضليل، لأن الغالبية العظمى من المساحات الزراعية التي سيطر عليها النظام خلال حملته الأخيرة، باستثناء مساحات من سهل الغاب، لا تصلح لزراعة القمح بسبب طبيعتها الصخرية، وتصلح لزراعات الأشجار المثمرة (فستق حلبي، زيتون).
ولا يستطيع النظام دعم عملية زراعة القمح، وفق الطويل الذي أوضح أن “النظام عاجز عن تأمين البذور المحسّنة والأسمدة والمحروقات وغيرها من المواد اللازمة لعملية الإنتاج، فضلاً عن عجزه عن تسويق محصول القمح، كما ظهر واضحاً الموسم الماضي، حين عجز النظام عن شراء كميات كافية من قمح الحسكة، بعد تحديد قسد سعر شراء أعلى من السعر الذي حدده”.
دير الزور، كذلك شهدت خطوات مماثلة من جانب النظام، إذ كشف موقع “الشرق نيوز” عن سيطرة النظام على مساحات زراعية كبيرة في الريف الشرقي، تعود ملكيتها لمعارضين.
وبيّن الموقع أن اللجنة الفرعية في فرع حزب “البعث” في دير الزور أعلنت عن إجراء مزايدة علنية لاستثمار أراضي مدينة موحسن في الريف الشرقي، وبمساحة تقدر ب3500 دونم في منطقتي النحامة والدانة، وهي مناطق زراعية تعود لأهالي المدينة، وكان الأهالي يزرعونها للحصول على قوتهم قبل أن يتم تهجيرهم من مدينتهم التي عرفت بمعارضتها لنظام الأسد خلال الثورة السورية. وحددت اللجنة يوم 30 كانون الأول/ ديسمبر، موعداً للمزايدة.
خارج القانون
وقال عضو “هيئة القانونين السوريين” المحامي عبد الناصر حوشان قال ل”المدن”، إن ما يقوم به النظام من عمليات سطو على الممتلكات، يدلّ بوضوح على أنه سلطة خارجة عن كل القوانين.
وأوضح أن كل قرارات الاستيلاء على الأراضي تصدر عن اللجان الأمنية، لأن نص القانون السوري لا يتيح للنظام تجريد الأشخاص من الملكية الفردية إلا في حالة واحدة، وهي استصدار قوانين استملاك بغرض النفع العام. وتابع حوشان أن اللجان الأمنية مؤلفة من الأجهزة الأمنية وأفرع حزب “البعث” ومليشيات “الدفاع الوطني”، وجميع هذه الأجسام لا علاقة لها بالقانون أصلاً، وبالتالي ما يصدر عنها هو خارج القانون.
المصدر: المدن