كشف مسؤول عراقي حكومي ومصدر مقرّب من “هيئة الحشد الشعبي”، المظلة الجامعة لأكثر من 80 تنظيما عراقياً مسلحاً، معلومات عن خطوات اعتقال قادة مليشيا “سرايا الخراساني”، وتفكيك المليشيا وتوزيع أفرادها على ألوية مسلحة ضمن “الحشد”، والتي تمّت خلال الأسبوعين الماضيين. وذكرا أن الأمر كان بين مخرجات الاجتماع المغلق الذي عُقد بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وزعيم “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في بغداد. زيارة التقى فيها قاآني قيادات سياسية ومسلحة، حسبما ذكرت قيادات سياسية ومصادر مقرّبة من “الحشد”، ثم أكدها السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي، في 5 ديسمبر/كانون الأول الحالي، لوسائل إعلام إيرانية.
وبرزت نتائج اللقاء في الأسبوع الماضي، حين اعتقل “أمن الحشد”، الذراع الأمني الداخلي في “هيئة الحشد الشعبي”، كلاً من رئيس مليشيا “سرايا الخراساني” علي الياسري، ومساعده حامد الجزائري، بالإضافة إلى نحو 40 عنصراً من المقرّبين منهما. وأُغلقت 3 مقرات لهم، بالتزامن مع إغلاق مقر لجماعة مسلحة تطلق على نفسها اسم “المقاومة الإسلامية” في حي الكرادة، واعتقال عدد ممن كانوا داخله. وأصدرت “هيئة الحشد الشعبي”، بياناً أشارت فيه إلى أنها أغلقت مقرّات مخالفة للضوابط والتعليمات، مؤكدة أن “عمليات الإغلاق طاولت 6 مقرات في أحياء الكرادة والجادرية”.
وسارع زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر إلى الثناء على الخطوة، مطالباً بـ”تخليص الجادرية والكرادة في بغداد من تجار الجهاد”، من دون أن يكون هناك أي ذكر للحكومة والأجهزة الأمنية في هذه الحملة، إذ توّلتها قوات تابعة لـ”الحشد الشعبي” طيلة الأيام الماضية. وتمتلك مليشيا “سرايا الخراساني” جناحاً مسلّحاً يقاتل مع نظام بشار الأسد في سورية منذ عام 2015، كما تنتشر على الحدود مع سورية، غربي محافظة الأنبار العراقية. وتُوجّه لهذا الجناح تِهَم القيام بعمليات تطهير طائفي وسرقة منازل في المدن العراقية المحررة، وكذلك التورّط بعمليات القمع التي طاولت المتظاهرين في الأشهر الماضية. وتُظهر صور عدة زعيمي المليشيا (الياسري والجزائري) مع قيادات إيرانية، أبرزها زعيم “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني المُغتال قاسم سليماني (مع نائب قائد قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، على يد القوات الأميركية في 3 يناير/كانون الثاني الماضي قرب مطار بغداد الدولي)، وشخصيات أخرى في “الحرس”. وهو ما أعطى أهمية لحدث تفكيك المليشيا.
وكشف مسؤول بارز في بغداد لـ”العربي الجديد”، أن تفكيك “سرايا الخراساني” سيعقبه تفكيك جماعات أخرى، فضلاً عن اختفاء جماعات أخرى تدريجياً عن الإعلام، ولن يعود لها أثر، لا سيما تلك التي ظهرت بعد مقتل سليماني، وهي معروفة بأنها “الوجه الثاني” لفصائل موجودة منذ سنوات. وأضاف المسؤول أن هناك تفاهمات بين الكاظمي ورئيس “هيئة الحشد الشعبي” فالح الفياض من جهة، وبين قاآني من جهة أخرى، على ضرورة معالجة الفوضى الفصائلية الحالية، ووقف انشطار المليشيات وتأسيس الجماعات المسلحة وكذلك تحدي الدولة والقانون. ونوّه إلى أن “الاجتماع الأخير بين الكاظمي وقاآني الشهر الماضي في بغداد، استعرض جملة من الأحداث والعمليات التي حصلت في بغداد وخارجها، ونفى قاآني وجود توجيه لها، واعتبر بعض المواقف الصادرة عن تلك الجماعات مزايدة أو تمرّداً من قبلها”. ولفت المسؤول إلى أن “قاآني أكد أهمية محاسبة الفصائل غير الملتزمة بقرارات هيئة الحشد الشعبي والحكومة، وأنه لن يوفر أي حماية أو دعم لهم”.
في السياق، قال مصدر مقرّب من “الحشد الشعبي”، لـ”العربي الجديد”، إن “إيران منحت الضوء الأخضر لضبط فوضى الفصائل المسلحة داخل العراق، من خلال تفكيك تلك المتمردة أو غير المسيطر عليها، ودمج عناصرها ضمن ألوية الحشد الشعبي”. واعترف بنشوء جماعات مسلحة جديدة في الأشهر الماضية، ساهمت في حالة الفوضى الكبيرة وإعطاء صورة الدولة التي تسيطر عليها المليشيات المدعومة من إيران. وهو بالتأكيد ما لا تريده طهران. وأضاف المصدر أن قاآني “أعرب عن تأييده إنهاء فوضى الأسماء وتعدد الفصائل وضرورة احترام الحكومة العراقية”، لافتاً إلى أنه “يعلم بتفكيك سرايا الخراساني، وقد يلحق بها لواء الطفوف، وجماعة أخرى في الفترة المقبلة للسبب نفسه. كما ستختفي أسماء فصائل ظهرت بالفترة الماضية بشكل تدريجي أيضاً”.
وتعليقاً على ذلك، قال النائب كريم عليوي عن تحالف “الفتح”، الذي يمثل الجناح السياسي لـ”الحشد الشعبي”، إن إغلاق مقرات تابعة لفصائل عدة في بغداد “جاء ضمن حملة لإغلاق المكاتب والمقرات التي تدعي انتماءها للحشد الشعبي، ومن نفذ الحملة هو أمن الحشد”. وأضاف في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الفصائل المسلحة التي تدعي أنها تمثل الحشد الشعبي سيتم محاسبتها وإغلاق أنشطتها”.
في المقابل، ذكر الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي مؤيد الجحيشي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “بعد مقتل سليماني، بدأت الكثير من المليشيات التي كان يقودها بشكل مباشر، بالتمرد وعصيان الأوامر الإيرانية. فقد أدركت هذه المليشيات عدم حاجتها إلى الدعم الإيراني، بفعل سيطرتها على المشاريع الاقتصادية في العراق، والدخول في العملية السياسية واستلام المناصب”. ولفت الجحيشي إلى أن “هيئة الحشد الشعبي، وحتى القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الحكومة)، لا يستطيع التحرك نحو أي مليشيا من دون رفع الحماية الإيرانية عنها، فالتحرك باتجاهها مع وجود حماية من طهران سيولّد ردود أفعال من قبل المليشيات الأخرى. والأمر سوف يصل إلى الاشتباك المسلح، والكاظمي لا يريد حصول هذا الأمر”. وأضاف أن “تحرك أمن الحشد نحو بعض المليشيات، جاء بعد رفع الحماية والدعم الإيراني عنها، فطهران لا تريد لأي قوة مسلحة تنافسها على نفوذها في العراق، ولهذا السبب منحت الضوء الأخضر لتفكيك هذه المليشيات. وهذه الحملة بكل تأكيد لن تتوقف مع سرايا الخراساني وقياداتها، بل ستشمل المزيد من المتمردين من المليشيات على إيران”.
المصدر: العربي الجديد