في العاشر من هذ الشهر ديسمبر/ كانون أول، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن موافقة المغرب على التطبيع مع إسرائيل، وأنه وقع اعترافاً بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المعروفة باسم “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” المتنازع عليها بين المغرب وجبهة “البوليساريو” منذ العام 1975. ويكون المغرب بذلك الدولة المغاربية الوحيدة التي تقيم علاقات مع إسرائيل، بعد إقدام موريتانيا على قطع علاقاتها مع تل أبيب في العام 2010، والدولة العربية الرابعة الني توافق على التطبيع مع إسرائيل خلال العام 2020، بعد توقيع الإمارات والبحرين والسودان.
عندما علم دونالد ترامب بأن الجزائر غاضبة منه بسبب إعلانه أن الصحراء الغربية هي أرض مغربية وتعود ملكيتها للمغرب، قال ترامب ساخراً ومستهزئاً بالجزائر:” سأمنحهم أهم من الصحراء الغربية، سأعلن أن “الكسكس” هي أكلة شعبية جزائرية. وقاحة ما بعدها وقاحة. ولكن ماذا نتوقع من معتوه مثل ترامب.
الديوان الملكي المغربي أعلن في الحادي عشر من الشهر الجاري عن استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وأن هذا القرار جاء استناداً إلى الدور التاريخي، الذي يقوم به المغرب “في التقريب بين شعوب المنطقة، ونظرا للروابط الخاصة التي تجمع الجالية اليهودية من أصل مغربي، في إسرائيل”. ثم طلع علينا سفير المغرب في الدوحة، محمد ستري، ليقول إن لبلاده “جالية كبيرة في إسرائيل يفوق تعدادها 700 ألف يهودي مغربي”. وحاول السفير التقليل من أهمية “التطبيع” ليقول إنه يرفض هذه الكلمة ليس لأنه ضد التطبيع بل لأن لديه وصفاً آخر وهو “إستمرار للعلاقات”. بمعنى أن التطبيع موجود منذ سنين طويلة والخطوة المغربية الجديدة هي مجرد عملية تطوير العلاقة إلى درجة أكبر.
لا ندري عن أي دور تاريخي قام به المغرب في المنطقة، سوى أنه ترأس لجنة القدس منذ عام 1975 من أجل حمايتها ووقف التهويد والإستيطان فيها كما تنص أهداف اللجنة المشكلة من منظمة المؤتمر الإسلامي. فهل التطبيع المغربي يخدم القدس؟ وهل استمرار العلاقات يوقف الإستيطان؟
المغرب يبرر هذه الخطوة أيضاً بوجود جالية يهودية في إسرائيل. ما هذه الكذبة الكبرى؟ فهل نسي المسؤولون المغاربة معنى كلمة “جالية”؟ المهاجرون طوعاً إلى بلد ما يقومون بتشكيل جالية تهتم بشؤونهم ويجتمعون بمقرها ويناقشون أمورهم الحياتية ويتابعون أخبار الوطن الذي يزورونه باستمرار. فهل هذا يطبق على اليهود المغاربة؟ أكيد لا. لأن اليهود المغاربة لم يذهبوا إلى إسرائيل طلباً للعمل والرزق كما يفعل بقية المهاجرين، بل ذهبوا إليها نتيجة صفقة سياسية أبرمت بين المغرب وإسرائيل تم على أثرها في النصف الأول من سنوات الستينات نقل أكثر من مائة ألف يهودي إلى إسرائيل. وفور وصولهم تلقوا الجنسية الإسرائيلية ليصبحوا مواطنين في دولتهم التي ينظرون إليها كدوة أم وليس المغرب، بدليل أنهم لم يعودوا للمغرب. والمهاجر يعود لبلده، والمغترب يا صاحب الجلالة يتذكر وطنه الأصل، لكن اليهود المغاربة الذين أصبح عددهم الآن يتجاوز السبعمائة ألف يهودي، لا توجد لديهم أي حنية وطنية للمغرب. حتى أن وجبة الأكل الشعبية “كسكس” قليلاً ما يتذكرونها في مطابخهم.’ذا موضوع اليهود المغاربة في إسرائيل لا ينظر إليه كموضوع مهاجرين إنما هو قضية سلخ مواطنين عن دولة وترحيلهم إلى دولة أخرى كصفقة سياسية لها ثمنها.
السبب الرئيس والمنطقي لتطبيع المغرب مع إسرائيل هو: (ألأرض مقابل التطبيع) أي: الصحراء الغربية مقابل التطبيع وهذه مقايضة مكشوفة، إضافة إلى أمر آخر وهو التخلي عن الهوية العربية لفلسطين.
دبلوماسي عربي رفيع المستوى أكد لي أن دولة خليجية حاولت إقناع الجزائر باللحاق في قطار المطبعين، مقابل اعتراف ترامب بجزائرية الصحراء الغربية لكن الجزائر رفضت ذلك. لكن المحاولة الخليجية نجحت مع المغرب الذي وافق ملكها على العرض الأمريكي: نسيان الهوية العربية لفلسطين والتطبيع مقابل الإعتراف بسيطرة المغرب على الصحراء الغربية. وبذلك تكون الصحراء الغربية قد دخلت المزاد العلني السياسي الأمريكي وربح المغرب هذا المزاد. والسؤال المطروح بحق: ما الفائدة من بقاء العاهل المغربي محمد السادس رئيساً للجنة القدس وهو الذي لم يفعل شيئاً للقدس سوى أنه ورث هذا المنصب عن أبيه الحسن الثاني الذي هو الآخر لم يقدم شيئاً للقدس أو لشعب فلسطين؟ أليس من الأفضل إبعاده عن هذا المنصب؟ هذه طبعاً مهمة فلسطينية ويجب أخذها بعين الإعتبار. وهنا أتذكر قول القائد الفلسطيني الراحل أبو داوود الذي قال لي وقتها بالحرف الواحد:” خيار أبو عمار للحسن الثاني رئيساً للجنة القدس كان خطأً كبيراً”.
المصدر: كل العرب