قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إن أعمال العنف التي اندلعت في الأسابيع الأخيرة في مدينة درعا الاستراتيجية بالتزامن مع اشتباكات بين القوات الحكومية ومقاتلين سابقين وسط موجة من الاغتيالات، تكشف عن الصعوبة التي يواجهها بشار الأسد في الحفاظ على سيطرته على المناطق التي يقول إنه عمل على تهدئتها.
تُعتبر مدينة درعا الجنوبية الغربية مهد الثورة السورية لأنها المكان الذي اندلعت فيه أول مظاهرة مناهضة للحكومة في عام 2011. وبعد سبع سنوات، بعد أن تحولت الاحتجاجات السلمية إلى حرب أهلية مدمرة، استعادت القوات السورية المدعومة من روسيا السيطرة على درعا. ورفعوا العلم الوطني واستحدثوا برنامج “المصالحة” مع المقاتلين المتمردين.
لكن المعارضة استمرت في التصاعد في درعا، حتى عندما نقلت القوات الحكومية معركتها إلى جبهات أخرى. وأصبحت الاضطرابات في الأسابيع الأخيرة أحدث تحدٍ لسلطة الأسد، التي كانت تتعرض بالفعل لضغوط ناتجة عن أزمة اقتصادية خانقة وتزايد الخلافات داخل صفوف حلفائه التقليديين.
تصاعدت التوترات في درعا في تشرين الأول/أكتوبر، بعد أن هاجم مسلحون سيارة قيادي بارز في المعارضة استمر في التعبير عن معارضته للحكومة حتى بعد استعادة قوات الأسد السيطرة على المنطقة. قُتل القائد السابق أدهم الكراد وأربعة من مرافقيه، ما أثار أسابيع من العنف.
وتقول الصحيفة في تقرير لمراسلتها في بيروت سارة دعدوش بعنوان: “تصاعد العنف في مدينة سورية استراتيجية يكذب ادعاء الأسد أنه في موقع السيطرة”، إنه “غالباً ما تكون المعلومات الموثوقة حول التطورات في سوريا نادرة بسبب الضوابط الحكومية الصارمة على وسائل الإعلام والخوف المنتشر من الدولة البوليسية”. لكن مكتب التوثيق، وهو مجموعة مراقبة مقرها بلجيكا، سعى إلى تأريخ الحصيلة المتزايدة، حيث أفاد بأن 193 من مقاتلي المعارضة السابقين الذين ألقوا أسلحتهم قُتلوا في درعا منذ أن استعادت القوات الحكومية المدينة في تموز/يوليو 2018. وذكرت المنظمة أن أكثر من 200 مدني آخرين قتلوا، بعضهم تحت التعذيب.
هذه المشكلات لا تشير، بحسب الصحيفة، بأي حال من الأحوال إلى أن الحرب الأهلية تنقلب على الأسد. استعادت قواته الكثير من الأراضي التي فقدتها في ذروة التمرد، والآن يتم تكديس مقاتلي المعارضة في جيب واحد متبقٍ في شمال غرب سوريا. ولا يوجد أي منافس آخر واضح على رئاسة البلاد التي تحكمها عائلة الأسد منذ 50 عاماً.
لكن الاضطرابات في درعا تأتي في وقت يواجه فيه الأسد أكبر التحديات لسلطته منذ أن ثار السوريون ضده لأول مرة في عام 2011، بما في ذلك التوترات على مدار العام الماضي داخل أسرته ومع حلفائه الروس المهمين.
كما أدّى العنف في درعا إلى تآكل الصورة التي حاول الأسد تصويرها وهو يحث السوريين الذين فروا من البلاد على العودة إلى ديارهم في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة. لقد وعد بعدم إلحاق الأذى بالعائدين. لكن العديد من اللاجئين السوريين ما زالوا متشككين، مدركين للتقارير التي تفيد بأن بعض الذين عادوا قد اختفوا أو ماتوا في الحجز.
ويرى عبد الله الجباسيني، الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط، أن “النصر العسكري المعلن للحكومة السورية والعودة المادية لمؤسساتها لا يعني استعادة الأمن والاستقرار.. الوضع في درعا يتعارض مع رواية عودة الدولة المثالية”.
ويضيف أن حكومة الأسد لا تستمر فقط في مواجهة معارضة عنيفة، لكنها لم تُظهر بعد أنها تستطيع ممارسة سيطرة حقيقية على الأراضي التي استعادتها. ويشير إلى أن الاضطرابات المستمرة في درعا تغذيها مجموعة من العوامل، بما في ذلك المظالم التي لم يتم حلها وتصفية الحسابات، والعدد الكبير غير المعتاد من الثوار السابقين، ووفرة الأسلحة، والغضب المحلي من وجود مقاتلين من الميليشيات الإيرانية وجماعة حزب الله اللبنانية المتحالفة مع الأسد.
تتجاوز أهمية درعا رمزيتها. تقع مدينة درعا شمال الحدود السورية مع الأردن، وتستضيف المحافظة التي تحمل الإسم نفسه معبراً حدودياً استراتيجياً. بعد شهرين من استعادة قوات الأسد السيطرة على المدينة، أعادت الحكومة فتح المعبر أمام الناس والتجارة، سعياً لاستعادة طريق تجاري مربح للغاية بعد أن تم إغلاقه لسنوات.
روجت وسائل الإعلام الموالية للحكومة لصفقات المصالحة قائلة إنها “تحافظ على الدم وتعيد أولئك الذين ضلوا طريقهم إلى أحضان الوطن”. ولكن على عكس بعض المناطق الأخرى التي تمت استعادتها في سوريا، فإن المصالحات في درعا لم تضع حداً للمقاومة. ظل العديد من قادة ومقاتلي المتمردين السابقين يتحدون الحكومة علانية.
كان كراد، زعيم المتمردين الذي اغتيل الشهر الماضي، أحد هؤلاء القادة. حتى بعد سقوط المدينة، واصل الحديث عن الثورة وانتقد إيران وروسيا.
وقال في منشور على فيسبوك بعد أن نجا من محاولة اغتيال في 2019: “نحن متمردون من المدينة التي هي مهد الثورة. استسلمنا للمصالحة تحت ضغط دولي ولم نتخلَّ عن قضيتنا”.
المصدر: المدن