على هامش مؤتمر عودة المهجرين السوريين، الذي عُقد في دمشق، قررت روسيا منح النظام السوري مبلغ مليار دولار ل”الأهداف الإنسانية، وإصلاح شبكة الكهرباء والإنتاج الصناعي والمواقع الدينية”، كما أعلن ميخائيل ميزنتسيف، رئيس هيئة التنسيق الروسية السورية لعودة المهجرين السوريين. وإذا كان المؤتمر، بنتائجه المتواضعة في مساعدة الكرملين على بلورة خطواته المقبلة في سوريا(كارنيغي موسكو)، لم يحظ من المواقع الإعلامية الروسية سوى ما تستحقه هذه النتائج من الإهتمام الضعيف وندرة النصوص التحليلية، إلا أن نباْ المليار دولار، لم يكن ليمر كما المؤتمر، سيما وأنه ترافق مع نبأ مماثل بمنح الديكتاتور الآخر في بيلوروسيا مبلغ مليار ونصف المليار من الدولارات. فقد أثار “كرم” الكرملين إستياء قوى سياسية معارضة ومواقع إعلامية، خاصة على خلفية فشله في مواجهة تفشي وباء الكورونا، الذي تخطى 20 ألف إصابة يومياً، لامتناعه عن إعلان الحجر العام، حتى لا يضطر إلى دفع تعويضات للمواطنين والبيزنس الصغير، على غرار ما تقوم به الدول المقتدرة.
موقع “Rosbalt” المتهم باليسارية، نشر تعليقاً لناشط سياسي معارض لمعونة بوتين للأسد ولوكاشنكو، بعنوان “الأسد ولوكاشنكو أقرب إلى بوتين ويحتاجهما أكثر من مواطني روسيا”. قال هذا الناشط، أن روسيا، وبقرار فردي من بوتين، منحت مساعدة لسوريا (الديكتاتور الأسد ــــــ الموقع) مبلغ مليار دولار (75 مليار روبل)، وبقرار من بوتين أيضاً، سبق أن منحت بيلوروسيا (الديكتاتور لوكاشنكو ــــ الموقع) مبلغ مليار ونصف المليار دولار (حوالي 115 مليار روبل). أموال المواطنين هذه، التي خصصتها روسيا ل”هذين الوغدين” من دون بحث أو نقاش، ومن دون رقيب أو حسيب، لن تستعاد أبداً. وهي أموال حُرمت من المواطنين الروس، “الفقراء والمرضى والناس المحرومين من أدنى متطلبات الحياة”، إنها “أموال منهوبة” عملياً.
يقارن الكاتب بين هذه الأموال، التي صُرفت دون “بحث أو نقاش”، وبين مبلغ 20 مليار روبل خُصص، بعد مناقشة في مجلس الوزراء لمدة سنة، لمساعدة منطقة “من أكثر مناطق روسيا فقراً ومديونية”، يُصرف خلال 10 سنوات، بمقدار 2 مليار كل سنة. ويؤكد، أن هذه الأموال سوف تُغطى من ضرائب على مؤسسات “غير موجودة حالياً، ولم يتم الإستثمار فيها بعد في منطقة بسكوف المعنية”، أي أنها غير متوفرة حالياً، “ولن تتوفر أبداً، على الأرجح”، في حين يحصل “إثنان من الغيلان” على أموال المواطنين الروس، ومن دون الوقوف في طابور الإنتظار.
ثمة مقولة شائعة بين المواطنين الروس غير المسيسين تقول، بأن “سياسة بوتين الخارجية ناجحة، في حين أن سياسته الداخلية ليست على ما يرام، ويجب تحسينها”، حسب الكاتب. ويؤكد، أنه في ظل مثل هذه السياسة الخارجية، يستحيل إنتهاج سياسة داخلية أخرى، إذ أن فقر الروس وعوز المناطق الروسية، هما الضريبة، التي يدفعها بوتين مقابل دعمه للأنظمة الديكتاتورية في أرجاء العالم.
رئيس الحزب الديموقراطي الروسي الموحد (يابلوكا)، وعبر موقع الحزب الإلكتروني، توجه بنداء إلى رئيس مجلس الوزراء الروسي ورئيس ديوان المحاسبة يطالبهما بإعادة النظر بتخصيص أموال من الموازنة لتقديم مساعدة لسوريا. يقول رئيس الحزب نيكولاي ريباكوف في ندائه، بأن تقديم المساعدة المالية لسوريا، يأتي في ظل وضع حرج في تمويل النظام الصحي الروسي. حيث نشأ، في ظروف إنتشار وباء فيروس الكورونا، وضع حرج في عدد من المناطق الروسية بشأن تأمين المعدات والأدوية ووسائل الحماية الشخصية والإختبارات.
وبعد أن يشير رئيس الحزب إلى العجز في موازنات المناطق الروسية وحجم مديونيتها، يقول بأنه يستحيل في ظل الظروف الناشئة تخصيص أموال لسوريا. ويؤكد، بأن أجهزة السلطة الروسية عليها أن تسترشد، بالدرجة الأولى، بمصالح المواطنين الروس، وتوفر لهم مستوى حياة رفيعاً. ويطالب رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين ببحث الأوضاع في المؤسسات الصحية، وإعادة توزيع الأموال المخصصة لمساعدة سوريا، لصالح توفير المساعدات للمواطنين الروس في ظروف الجائحة.
ومن رئيس ديوان المحاسبة ألكسي كودرين، يطلب رئيس الحزب التحقق من الإلتزام بتنفيذ قانون الموازنة الفيدرالية، والتدقيق في توافق الإنفاق على مساعدة سوريا مع الأهداف القومية والمهمات الإستراتيجية لروسيا. وفي حال وجود مخالفات لقانون الموازنة، يطالبه باستخدام صلاحيات ديوان المحاسبة لإتخاذ التدابير الآيلة إلى الحؤول دون الإمعان في ارتكاب المخالفات.
أسبوعية “vlast” الصادرة عن الهولدنغ الإعلامي الروسي الكبير “top secret”، لم تخرج عن السياق المعترض على “كرم” الكرملين مع “ديكتاتوريي” العالم و”أوغاده”، وعن “بخله” مع الروس في الوقت عينه . فنشرت للإعلامي نيكولاي سفانيدزه نصاً بعنوان “القبضايات أغلى من المواطنين”. يقول الكاتب، بأن مثل هذا الأمر لم يحدث أبداً في السابق، فها هي روسيا تخص سوريا بمبلغ مليار دولار، وتغمر بكرم مساعداتها بيلروسيا وأستيا الجنوبية ومولدوفيا وفنزويلا. روسيا تمد يد العون للخارج “بكل سرور”، لكن يدها نادراً ما تصل إلى شعبها، وإذا وصلت، تبلغه بانتقائية شديدة.
يبذل الكرملين مكارمه على الخارج، بينما الداخل هو بأشد الحاجة إلى أمور كثيرة. لكن الدولة الروسية، وبحكم العادة، تعتبر نفسها دولة عظمى لها مصالح عالمية، أو هي “تتوهم ذلك”، وأحياناً يتبين أنها ليست مصالح، بل هي منافع قبضايات. وبكل الأحوال، الأطماع والطموحات الكبيرة تتوفر بكثرة لدى روسيا، ولذا غالباً ما تتقدم فيها السياسة الخارجية على الداخلية، وهو أمر شديد الضرر، لا سيما في مرحلة الصراع مع الجائحة، حيث المساعدة في الداخل ملحة.
من الواضح جداً، برأي الكاتب، أنه في هذه المرحلة شديدة الصعوبة من الصراع مع الجائحة، لا تريد السلطات الروسية أن تكثر من الإنفاق، وتدرك في الوقت عينه، أن حجراً عاماً آخر، هو موت محتم للإقتصاد. ولذلك تسير طوال الوقت في مكان ما بالوسط، فتنقذ البعض كالأطباء والمدرسين، وتمتنع عن إعلان الحجر الكامل وإنقاذ ملايين الروس، ويخلص للقول، بأن “دولتنا تجيد الإقتصاد في إنفاق الأموال على مواطنيها”.
لكن الكاتب يستدرك، بأنه قد لا يكون على الروس الشعور كثيراً بالأسى على المليار دولار لسوريا، إذ أن النهب في روسيا بلغ مستوى قد يختفي معه نصف المبلغ في الطريق، وإذا بقي في روسيا قد يختفي بالكامل. ولذلك يعتبر، أنه من الجيد إذا كان المبلغ يساعد “الرفاق السوريين”، أما الروس فحالهم مع حكامهم، كما في تلك النكتة “غير المهذبة”، كحال العروس ليلة الزفاف، حيث لا فرق على أي جنب تستلقي.
الكرملين ليس شديد الخشية من أصوات المعارضة الروسية، مهما علت في الحديث عن الأزمة الإقتصادية المعيشية الفعلية، التي يعيشها الروس، إذ أنه على ثقة تامة بفعالية ما ارتكبه بحقها خلال عشرين عاماً. يدرك، بالطبع، بأن المساعدات المالية، مهما عظم حجمها، ليست الحل للإقتصاد المتأزم في سوريا الغارق حتى الأذنين في مستنقعها. ولم يقدم له مؤتمر عودة المهجرين، ما كان يتوخاه من مساعدة في تلمس سبل مقاربته اللاحقة لهذا الصراع، حسب مركز كارنيغي موسكو، ولا يعفيه مخدر المساعدات المالية من تحديد موقف واضح من إنهيار سوريا الإقتصادي وعواقبه الوخيمة على “إنجازاته” السورية. وقد يكون معبراً عن ما كان يتوخاه الكرملين من المؤتمر النص، الذي استبقت به المؤتمر كبرى أسبوعيات الأعمال الروسية “expert”، وكتبه مستشار الدولة الخبير الإقتصادي إيغور ماتفييف بعنوان “آن الأوان لتحدد روسيا موقفها من الإستراتيجية الإقتصادية في سوريا”.
المصدر: المدن