مع إزالة “حركة شرق تركستان الإسلامية” من قوائم الإرهاب الأميركية، بحسب ما أعلنت عنه الخارجية الأميركية قبل أيام، بناء على قرار صدر نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن تساؤلات ستطرح حول مستقبل مقاتلي الحركة في سورية والمعروف تنظيمهم باسم “الحزب التركستاني الإسلامي”.
وفي ما إذا كان القرار سيشكل اختراقاً أو بداية لحل مشكلة المقاتلين الأجانب في سورية، ضمن صياغة الحل النهائي للأزمة المستمرة منذ تسعة أعوام، والتي تسعى الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيين لإنجازه وفق قرارات الأمم المتحدة، مع ما يساعد من جهود دولية تصب في هذا السياق.
و”حركة شرق تركستان الإسلامية” هي حركة ذات توجه جهادي – سلفي، لا يوجد تاريخ دقيق لتأسيسها، إلا أن نشاطها بدأ عام 1997 في إقليم شينجيانغ شرقي الصين، أو ما يعرف بـ “تركستان الشرقية”، والذي تقطنه غالبية مسلمة من الإيغور التركمان، حيث يطالب الإيغور باستقلال الإقليم عن الصين، وفي سبيل ذلك خاضت الحركة مواجهات مع الحكومة الصينية.
وتلجأ الحكومة الصينية لاضطهاد الأقلية الإيغورية في الصين، الأكثرية في الإقليم، وكانت وزارة الخزانة الأميركية أدرجت الحركة على قوائم الإرهاب عام 2002 بتفاهم مع الصين إثر زيارة مسؤول أميركي إلى بكين حينها.
ومع العام الثاني لبداية الثورة السورية، بدأ دخول مقاتلي الحركة إلى سورية للمشاركة في مواجهة قوات النظام، وتعاظم وجود التنظيم شيئاً فشيئاً ليبلغ قوة لا يستهان بها في نهاية 2014، وكان واضحاً مشاركة المقاتلين الإيغوريين المعروفين في سورية بـ”التركستان” في عمليات السيطرة على محافظة إدلب ومحيطها في بداية 2015، وتعرف عنهم الصلابة والاستبسال في القتال والتصدي، بالإضافة إلى المواجهة العنيفة لقوات النظام والمليشيات المتحالفة معه.
ولا توجد إحصائية رسمية لأعداد ما بات يعرف بـ “الحزب الإسلامي التركستاني” في سورية، إلا أن التقديرات تشير إلى وجود حوالي 1000 مقاتل، ينتشرون بين الريف الشمالي الغربي من إدلب وريف اللاذقية الشرقي، يضاف إليهم 2000 من أسرهم، ليكون المجموع ثلاثة آلاف، بيد أن معلومات من مصادر على الأرض تشير إلى ضعف هذا الرقم، في حين يبالغ النظام وحلفاؤه بالإحصائيات بشأن المقاتلين الإيغور التركستان.
ولم يسجل على المقاتلين التركستان الكثير من التجاوزات بحق المدنيين أو الجهات المدنية، إذ يعد الانعزال والالتزام بجبهات القتال سمتين لمقاتلي التنظيم، غير أنهم أيدوا تنظيمات إسلامية خلال مواجهاتها مع فصائل معارضة معتدلة، لكن من دون مشاركة مباشرة.
وينخرط مقاتلو الحزب في غرفة عمليات “الفتح المبين” إلى جانب فصائل أخرى إسلامية ومعتدلة في إدلب ومحيطها، أو ما يعرف بـ”منطقة خفض التصعيد الرابعة”، لمواجهة قوات النظام، إلا أن نشاط التركستان يتركز في محاور ريف اللاذقية الشرقي التابع لـ”خفض التصعيد”.
وفي حال صياغة الحل النهائي للأزمة السورية، أو حل معضلة إدلب بين الروس والأتراك، فإن مقاتلي الحزب سيكونون حجر عثرة ومحطة إحراج لأنقرة في حال قررت سحب المقاتلين التركستان وعوائلهم إلى أراضيها، كونهم يرتبطون بها عرقيا، ما يجعل التكهنات مفتوحة أمام القرار الأميركي الأخير حول إزالة الحركة التركستانية من قوائم الإرهاب.
ويتحدث الباحث في شؤون الحركات والجماعات الإسلامية عباس شريفة عن ثلاث فرضيات وراء الخطورة الأميركية. تتعلق الأولى بضغط أميركي على الصين من خلال دعم المعارضة التركستانية، ولا سيما أن الخطاب الأميركي بات ينصف المسلمين الإيغور من خلال إثارة الانتهاكات الصينية بحقهم.
أما الفرضية الثانية فتتعلق بالمفاوضات القائمة بين واشنطن وحركة “طالبان” الأفغانية، وربما يكون هناك طلب من طالبان لرفع الحركة من قوائم الإرهاب نظراً للصلة بين الحركتين، بينما تشمل الفرضية الثالثة سورية، ويكمن وراءها دافع أميركي لإزالة الحرج عن تركيا في إدلب التي ينتشر مقاتلو الحركة في شمالها، وذلك لإزالة الذرائع الروسية لاستهداف إدلب، وربما يكون بداية لصياغة الحل النهائي للقضية السورية والمقاتلين الأجانب من خلال التنسيق التركي – الأميركي.
ويميل شريفة إلى الفرضية الثالثة، إذ يعتقد أن “الخطوة الأميركية هي نوع من تصفية ملف المقاتلين الأجانب في شمال غرب سورية، وخطوة نحو التنسيق التركي-الأميركي في المنطقة وعملية حلحلة للملفات العالقة شرق الفرات وإدلب وقطع الذرائع الروسية لاستهداف منطقة”.
وأضاف شريفة في حديثه مع “العربي الجديد”: “بالنسبة لمستقبل مقاتلي (الحزب الإسلامي التركستاني) في إدلب، أعتقد أن عددهم لا يتجاوز ألف مقاتل، وفي حال التسوية السياسية السورية، فإنه سيتم وضع ملفهم مع ملف كل المقاتلين الأجانب في سورية، بما فيهم المليشيات الشيعية التي استقدمها النظام وقام بتجنيس بعضها، وسيتم التفاوض بين المعارضة والنظام على خيارات عدة بين التوطين أو الإخراج وهو المرجح”.
ويرى شريفة أنه في حالة إخراج المقاتلين من سورية، فإنه ربما يتم ترحيلهم لدولة تقبل باستضافتهم مثل تركيا، ضمن شروط معينة، بسبب تعذر عودتهم إلى الصين ضمن الظروف السياسية المعروفة التي يعيشها إقليم شينجيانغ.
المصدر: العربي الجديد