في سورية التدمير لا التطبيع

محمود الوهب

ما هو معلن أنَّ النظام لن يذهب إلى التطبيع، لا لأنه غير راغب بذلك انطلاقاً من مواقف “وطنية” لطالما تغنّى بها، وليس لأن التطبيع أصبح وجوده وعدمه سواء، بل لأنَّ الوقائع كلها تشير إلى أن وظيفة النظام، في الأصل، هي التدمير التام لسوريا شعباً ومقدرات. فلا يزال النظام، حتى الساعة، يصرُّ على أنه غير راغب في التطبيع مع العدو الإسرائيلي، إذ نفى رأس النظام ما كانت قد تناقلته بعض المواقع ووسائط التواصل عن لقاءات دولية هذا الشهر لتقريب وجهات النظر بين سوريا وإسرائيل.

ففي المقابلة التي أجرتها معه وكالة أنباء “روسيا سيفودنيا” الروسية، ونشرتها وكالة “سانا” يوم الخميس الثامن من تشرين الأول 2020 نفى ذلك، إذ أجاب عن سؤال حول إذا ما كانت هناك مفاوضات، وهل ثمة إمكانية لقيام علاقات مع إسرائيل تماشياً مع ما يحصل في المنطقة، بقوله: “ليست هناك أية مفاوضات على الإطلاق” مضيفاً أن “الموقف السوري واضح منذ بداية محادثات السلام في تسعينيات القرن العشرين”. وأنه “يمكن إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل فقط، عندما نستعيد أرضنا.. ولذلك يكون الأمر ممكنًا عندما تكون إسرائيل مستعدة، لكنها ليست كذلك”.

بالطبع من حق الأسد أن يرفض، وأن يقول أي كلام يشاء، ولكن مجريات الواقع، تُكَذِّب ذلك، فقرار الكنيست الإسرائيلي بضم هضبة الجولان السورية أُعلن على الملأ منذ عام 1981.. كما أن اعتراف رئيس الولايات المتحدة الأميركية في 25 آذار 2019 لم يمض عليه أكثر من عام. بينما النظام لم يحرك ساكناً على الأرض.

قد يقال، وكما يُرَدَّد دائماً، لا يريد لأحد أن يفرض على سوريا معركة في غير أوانها، ورغم سلامة هذا المنطق سياسياً، إلا أن الأوضاع السورية قبل عام 2011 وبعده، بما في ذلك زمن الأب، لم تكن لتشير إلى أن النظام يهيئ البلد لاستعادة الجولان بل كان رأس النظام وأعوانه مشغولين بنهب الدولة والشعب، ونشر الفساد، ما يعني أنهم يعملون ضد كل ما يمكِّن من استرداد الجولان.

ولذلك فثمّةَ تقدير وسؤال يفرضان نفسهما وهما: إذا كان الأسد الأب في آخر مباحثاته مع الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون وتحقيقاً للسلام وفق ما عرف بـ “وديعة رابين” التي تقضي بانسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران 1967 قد توقَّف عند عدة أمتار داعماً موقف إسرائيل المراوغ حول الوديعة ذاتها! فهل ترغب إسرائيل اليوم بالتطبيع، وإثارة قضية الجولان، وسوريا على ما هي عليه من الضعف والدمار والاحتلالات؟! الواقع يقول: لا، لن تفعل وثمة أسباب أخرى منها:

أولاً: وجود اتفاقية فصل القوات التي ثبتت فعاليتها على أرض الواقع، إذ لم يجرؤ جندي سوري على تعكير صفو الإسرائيليين خلال حكم الأسدين الأب والابن وإن عن طريق الخطأ.

ثانياً: إن الأهم لدى إسرائيل قد حصل فعلاً، وهو التدمير الذي أتى بعد تدمير العراق، وبعد أن آلت منظمة التحرير الفلسطينية إلى ما هي عليه الآن، فما يذكر في هذا المجال أن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش قال ممتعضاً رداً على تمادي الإسرائيليين في طلباتهم، وضغوطهم عليه “ما الذي يريده الإسرائيليون أكثر من تدمير العراق لأجلهم؟!”

ثالثاً: وكما أن التطبيع وعدمه غدا واحداً. فإن المقاومة قد فقدت اعتبارها بما هو واقع أيضاً لا بتدمير سوريا التي ساهمت به، بل بعملية ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية وما سوف تفرضه من وقائع جديدة وما قد تثيره من مشكلات حول مزارع شبعا.

وعَوْد على بدء، هل كان تدمير سوريا قراراً عن سابق تصميم وإصرار؟ نعم هو كذلك فالوقائع كلها تشير إلى ذلك، فلا يهم، في هذا المجال، من قرر، بل من ساهم ونفَّذ.. ففي أبجدية أي قرار سياسي لا يحكم على اتخاذه بل على نتائجه، ولمن خدم؟!

إن مسار الأحداث منذ الأسابيع الأولى للاحتجاجات، وحتى بعد أن أخذت تتزايد يوماً بعد يوم، قد بيّن بوضوح تام، ومن خلال الندوات العامة التي عقدت لفهم ما يريده الشعب، وساهم فيها مثقفون ومفكرون ومجموعات كثيرة من قوى سياسية لها حضورها النسبي، ومواطنون من مواقع مختلفة، بيّن ما تحتاجه سوريا، ويمكن إيجازه بما يلي:

رفع حالة الطوارئ وعودة الحياة السياسة إلى البلاد، وإصدار قانون للأحزاب، وآخر لصحافة حرة تنطق باسم الشعب وفئاته كافة، لا باسم الحكومة فحسب، إضافة إلى إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تميز بين البعثي وغيره، فلا تحقق المواطنة الفعلية التي تساوي بين جميع المواطنين. وإجراء انتخابات حرة وديمقراطية.

والأهم مكافحة الفساد، وإيقاف النهب المنظم للمال العام، والعمل على متابعة التنمية، والحد من البطالة بين الخريجين تحديداً، ومحاولة الصعود نحو معارج المدنية والتحضر! ولا شك بأن النظام قد فهم تلك المطالب.. بل هو يعرفها أصلاً، لكنه أدرك أنها قد تنال من بعض سلطته، أو تسلبه قراره الفردي، فأدار لها الظهر، واختار الحل الأمني حفاظاً على المزرعة (الوطن).

كل ذلك أكد أن تدمير سوريا كان في أفق صاحب القرار، إذ سرعان ما ارتفع شعار “الأسد أو نحرق البلد” بدلاً من الذهاب إلى ملاقاة الشعب، وتلبية مطالبه المشروعة. وحين أخذ حال البلد بالتدهور والانهيار، لم يفكر النظام بوقفها، رغم الاقتراحات العربية التي تقول بحقن الدماء. وكذلك كان الموقف من المبعوثين الدوليين الأوائل، ولا شك في أن للإيرانيين دورهم وكذلك للروس الذين عرقلوا في مجلس الأمن اتخاذ أيَّ قرار يصب في الاتجاه ذاته.

اليوم لم يعد للتطبيع السوري أية قيمة إذ هو حاصل كـ: نتيجة طبيعية.. وقد يؤدي في حال إعلانه، خدمات للنظام أهمها البقاء، وتأمين الحماية، كما يفكر وتفكر دول التطبيع، ولكن ما هي حوامل البقاء بعد كل هذا الخراب، واحتراق ورقة ما يسمى بالمقاومة؟ وحال الشعب المزرية التي جللتها الحرائق الأخيرة التي أتت بفعل فاعل ليست بعيدة عن النظام وصراعاته الداخلية. ثم إن شرارة الربيع العربي التي اندلعت قبل عشر سنوات لم تنطفئ بعد، بل لا تزال جمراً تحت رماد.

 

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى