تسببت التسريبات الروسية، التي رشحت عن المباحثات الروسية – التركية الأخيرة في أنقرة، بحالة من القلق والخوف لدى المدنيين في “منطقة خفض التصعيد” (إدلب وما حولها)، والنازحين منهم على وجه التحديد.
فالمعلومات التي سربتها وسائل إعلام روسية عن الاجتماع، إن صحت، ستكون نتائجها كارثية على المدنيين لجهة فقدان الأمل بعودتهم إلى مدنهم وقراهم التي نزحوا عنها بعد دخول قوات النظام إليها، خلال معارك متتالية بدأت منذ إبريل/ نيسان من العام الماضي، وتوقفت مع توقيع الاتفاق الروسي – التركي في مارس/ آذار من العام الحالي.
وتشير المعلومات إلى أن الروس طلبوا من الأتراك سحب نقاطهم العسكرية التي باتت مُحاصرة ضمن مناطق سيطرة النظام جنوب طريق حلب – اللاذقية الدولي “أم 4” المار من إدلب، الأمر الذي قابله الأتراك بالرفض، ليكون المقترح الروسي الجديد، هو سحب الأسلحة الثقيلة من المناطق الواقعة جنوبي الطريق، فيما أشارت المعلومات إلى أن هذا المقترح يخضع للنقاش.
وتحدثت معلومات أخرى، مصدرها الإعلام الروسي كذلك، عن طلب تركي من الروس خلال المباحثات بتسليم مدينتي منبج وتل رفعت شمالي حلب، اللتين تسيطر عليهما “قوات سورية الديمقراطية” (قسد). إلا هذا الطلب أو المقترح التركي قابله رفض روسي كذلك، بحسب التسريبات، التي لم تشر إلى المقابل الذي سيتنازل عنه الأتراك لصالح الروس في حال التنفيذ.
المدنيون في إدلب يراقبون كل تلك الأخبار والتسريبات بلا حول ولا قوة، متخوفين من صفقة مقايضة روسية – تركية تجعل من قضية عودة 1.7 مليون نازح منهم إلى مدنهم وقراهم شبه مستحيلة مع بقاء النظام السوري في السلطة. ويرفض النازحون، الذين خرجوا تحت ضربات الطيران الروسي ومدفعية النظام وتقدم قواته، من أرياف حماة الشمالي والغربي، وإدلب الجنوبي والشرقي، وحلب الجنوبي والغربي، العودة إلى منازلهم. وكان النظام، الذي لم يسمح أساساً بعودة المدنيين إلى هذه المناطق، ترك القرى والبلدات عرضةً للنهب الممنهج بإشراف ضباط مختصين، فلم يسلم من النهب أي من ممتلكات المدنيين وحتى المنشآت الحكومية والخدمية بالكامل.
ذلك التخوف من المقايضة له بواعثه في نفس المدنيين في إدلب، إذ لم يخفِ النظام مراراً رغبته الكبيرة في السيطرة على كل المناطق جنوب “أم 4″، والوصول إلى مدينتي أريحا وجسر الشغور الواقعتين على هذا الطريق. كما تأمل روسيا ومعها النظام كذلك بالوصول إلى الطريق وافتتاحه بأسرع وقت أمام الحركة التجارية والطبيعية، لمساعدة النظام على ترميم عجزه الاقتصادي من خلال طرق الترانزيت، وهو الذي استمات في المعارك الأخيرة، قبل توقفها، للسيطرة على الجزء المار من إدلب من طريق دمشق – حلب الدولي “أم 5” وافتتاحه أمام حركة المرور.
كما تزيد من تلك المخاوف معرفة إيلاء تركيا الأهمية القصوى لإبعاد القوات الكردية عن حدودها الجنوبية، خصوصاً أن أنقرة تسعى لتوسيع سيطرة قوات المعارضة، المدعومة من قبلها، غربي نهر الفرات، وتحديداً عبر إبعاد المجموعات الكردية عن مدينتي تل رفعت ومنبج، بعد أن توغلت القوات التركية في محيطهما بشكل كبير بالمشاركة مع “الجيش الوطني”، ولا سيما في معركتي عفرين والباب وجرابلس.
ومن الملاحظ أن المسؤولين الأتراك توقفوا عن المطالبة بانسحاب قوات النظام إلى ما وراء النقاط التركية المحيطة بـ”منطقة خفض التصعيد” تطبيقاً لتفاهمات أستانة وحدود اتفاق سوتشي الجغرافية، المتفق عليها بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في سبتمبر/ أيلول 2018. وكانت أنقرة قد شنت عمليتها الأخيرة في إدلب لطرد قوات النظام، قبل توقف العملية باتفاق موسكو لوقف إطلاق النار.
ولم تؤكد أنقرة التسريبات الروسية عن نتائج المباحثات، أو بعضاً من التفاصيل التي دارت خلالها، إلا أن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو وصفها، في حديث صحافي عقب الاجتماعات، بأنها “لم تكن مثمرة”، وألمح إلى انهيار الاتفاقات السياسية حول إدلب في حال عدم التوصل إلى توافق. وأكدت صحيفة “خبر تورك” أن أنقرة تمسكت بالحفاظ على نقاط المراقبة رغم الضغوط الروسية، مشددة على موقفها بالحفاظ على وقف إطلاق النار في إدلب. وربما يُترجم الرد التركي على الأرض، إذ أرسلت أنقرة، منذ انتهاء المباحثات في 16 الشهر الحالي وحتى 22 منه، خمسة أرتال نحو إدلب، معظم قوامها توجه إلى نقاط باتت متقدمة وقريبة من خطوط التماس مع قوات النظام في جبل الزاوية جنوبي إدلب، ما يشير إلى رغبة تركية بالتمسك في مواقعها جنوبي إدلب، على الأقل في الوقت الحالي، وربما لتحسين شروط التفاوض.
وأتت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف متناقضة وغير واضحة المعالم، إذ أشار إلى تفاهمات لبلاده مع أنقرة في ملفات وتباينات في أخرى. إلا أن إعلانه بأن المعارك بين النظام والمعارضة انتهت، وأن لا حاجة لعمل عسكري في إدلب، لن يؤخذ على محمل الصدق، على الأقل بالنسبة للمعارضة، إذ كانت موسكو قد أصدرت إعلاناً شبيهاً قبل عامين، بل وزادت على ذلك بالإشارة إلى إمكانية انسحاب القوات الروسية من سورية، إلا أن طائراتها واصلت دك المدن والبلدات في إدلب ومحيطها، دعماً لقوات النظام. وتأتي المعلومات التي كشف عنها عضو “هيئة المصالحة الوطنية” الموالي للنظام عمر رحمون بأن القوات الروسية تستعد لسحب قواتها شرق البلاد، لتفتح باب التكهنات، فيما إذا ثبتت صحتها، حول من سيملأ الفراغ هناك، قوات النظام بالتحالف مع “قسد”، التي تسيطر على مساحات واسعة شرقي الفرات، أم تركيا الطامحة لإبعاد المجموعات الكردية عن حدودها بالكامل. والاحتمال الأخير، في حال تحققه، لن تكون إدلب بعيدة عن معطياته.
المصدر: العربي الجديد