إلى جانب التشكيك الجماهيري، تواجه الحركة الإصلاحية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة مقاومة عنيفة من داخل جماعات في الائتلاف نفسه، ترى في هذه الحركة تهديداً لهيمنتها على المؤسسة وإضراراً بمصالحها الشخصية والحزبية المقدمة لديها على المصلحة العامة.
فبعد نجاح الدكتور نصر الحريري بالوصول إلى رئاسة الائتلاف بطريقة أثارت امتعاضاً واسعاً على المستوى الشعبي وداخل أوساط المعارضة والثورة، وهو ما كان متوقعاً بالنظر إلى أسلوب المداورة الفجة الذي تم من خلاله تسليم الحريري هذا الموقع مقابل تسلم أنس العبدة، الرئيس السابق للائتلاف، منصب الحريري
في رئاسة الهيئة العليا للمفاوضات، كان على الحريري أن يقوم بعمل استثنائي ينقذ اسمه ومستقبله السياسي ويُخرج الائتلاف من حالته المأسوية التي يعيشها، أو القبول بمواصلة لعب الدور البائس المطلوب منه.
وكما تشير المعطيات، فقد اختار نصر الحريري الدور الصعب، وقرر خوض التحدي بمواجهة قوى وأشخاص داخل الائتلاف أسهمت في الإجهاز على الدور الثوري والوطني الذي كان يفترض أن هذه المؤسسة أوجدت من أجله، فرضيت هذه القوى والشخصيات، من أجل الحفاظ على مكاسبها، بتحويل الائتلاف إلى اسم غير مشجع سواء بالنسبة لجمهور الثورة أو قواها، وكذلك بالنسبة للدول والحكومات الداعمة للمعارضة.
كان على الدكتور نصر الحريري أن يرضى بالأمر الواقع والدور الوظيفي المطلوب منه، وبالتالي أن يضاف إلى سلسلة من الأسماء التي سقطت ضحايا مصالحها الشخصية والحفاظ على مكتسباتها الآنية، وبالتالي تجنب مواجهة هذه المجموعات والهزيمة أمامها، كما حدث مع العديد من شخصيات المعارضة الوطنية التي حاولت وضع حد لنفوذ المسيطرين على الائتلاف لكنهم فشلوا.
فهم الحريري أنه سيكون ضحية في كلا الحالتين، لكنه على ما يبدو اختار المواجهة على الاستسلام، الأمر الذي شكل صدمة للأشخاص الذين باتوا متحكمين بمفاصل الائتلاف وكل ما فيه، وكما هو متوقع، لم يتأخر هؤلاء بإعلان الحرب، ولكن بشكل ضمني، ضد رئيس المؤسسة الجديد الذي باتوا يعتقدون أنه خدعهم وانقلب عليهم وبات يستهدف مصالحهم!
من المهم التذكير هنا بأن الائتلاف بواقعه التنظيمي حالياً يتكون من 93 عضواً هم الهيئة العامة، وهؤلاء يمثلون 14 كتلة (هذه الكتل باتت إحدى الإشكالات الأساسية في الائتلاف حالياً) ومنهم يتم انتخاب الهيئة السياسية التي تتكون من 19 عضواً، بالإضافة إلى الرئيس وثلاث نواب والأمين العام للائتلاف، وهؤلاء يكون مناطاً بهم إدارة أعمال المؤسسة ووضع سياساتها وتنفيذ مخططات عملها، إلا أنه ومنذ أربعة أعوام تقريباً، باتت هذه المؤسسات معطلة لصالح هيمنة مجموعتين صغيرتين، تتكون الأولى من أربعة أشخاص والثانية من ثلاثة، يتحكمون بكل مؤسسات الائتلاف وقراراته وسياساته، ما أدى إلى تدهور شعبيته داخلياً وفقدانه شرعية تمثيل الثورة والمعارضة على المستوى السياسي أمام العالم.
لم تدفع الهزائم العسكرية المتتالية التي منيت بها الثورة طيلة الأعوام الأربعة الماضية، ولا التراجع المخيف في مكتسباتها السياسية، ولا الفشل المروع في إدارة المناطق المحررة، ولا الانتكاسات المتوالية في جميع الملفات، لم تدفع هاتين المجموعتين إلى التفكير بإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن أعضاءه كانوا يدركون أن ذلك يتطلب إصلاحاً وتغييراً سيكون من نتائجه الحتمية خسارة مكاسبهم الخاصة، وبدلاً من ذلك كرسوا مقولة رائجة في الواقع وهي أن فشل مؤسسات الثورة لم يكن بسبب القائمين عليها، بل نتيجة سياسات الدول المؤثرة في الصراع السوري (التي لو أرادت نجاح الثورة لجعلت من هذه المؤسسات ناجحة)!!
لم يكن نصر الحريري أول من حاول مواجهة هاتين المجموعتين ومن استتبعتها من أسماء وقوى داخل الائتلاف، لكن المحاولات السابقة لم يكتب لها النجاح للأسف وهزم أصحابها سريعاً نتيجة عدة أسباب، بعضها يتعلق بمستوى تغلغل وهيمنة هاتين المجموعتين واستعدادهما للقتال بشراسة ضد أي محاولة لإقصاء قادتيهما أو التخفيف من قبضتهم على الائتلاف، وبعضها، وهو الأهم، يتعلق بعدم توجه تلك المحاولات بما يكفي إلى الرأي العام والبيئة الحاضنة للثورة، وبقية قوى المعارضة المهمشة، وعدم خوض معركة الإصلاح والتغيير في العلن ومن خلال الاستعانة بالإعلام، تحت مبرر عدم إخراج المشكلات للعلن، ما أدى لخسارة أصحاب هذه المحاولات سلاحي الجمهور والإعلام، وهما السلاحان الوحيدان المتبقيان خارج سيطرة قادة تلك المجموعتين فيما يتعلق بهيمنتهم على الائتلاف.
واليوم يبدو أن نصر الحريري قد استفاد من تلك المحاولات ودروسها، ولذا فهو لم يكتف بوضع خطة لإصلاح المؤسسة واستعادتها، بل بدأ هذه المحاولة من خلال الانفتاح على مختلف القوى ومجموعات العمل الثوري في الداخل خاصة وفي الخارج كذلك، كما كان ذكياً عندما توجه إلى الإعلام فوراً بما يضمن إتاحة قنوات تواصل مفتوحة باستمرار أمامه، وبالتالي القدرة على شرح موقفه وتوضيح خطواته والدفاع عن خياراته في كل وقت إذا ما قرر الطرف الآخر مواجهته في هذا الميدان، فهل سيحصل الحريري على نتائج أفضل من تلك التي حصل عليها من سبقه في قرار المواجهة مع المهيمنين على الائتلاف، وبالتالي إنقاذ المؤسسة وإعادة الاعتبار لذاته بعد الغضب الذي خلفته طريقة تسلمه منصب رئاستها، أم أن هؤلاء سينتصرون مجدداً على محاولات الإصلاح والتغيير؟
المصدر: موقع تلفزيون سوريا