“لواء القدس”: التحوّل من الإيرانيين إلى الروس

أمين العاصي

تلقّت مليشيا “لواء القدس” في الآونة الأخيرة ضربات عدة، أدت إلى مقتل قياديين ومسلحين فيها، على يد ما يُعتقد أنها مجموعات تابعة لتنظيم “داعش” تنشط في بادية دير الزور. وتأتي التطورات بعد أن دفع الجانب الروسي هذه المليشيا، التي تضم عناصر من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية تقاتل إلى جانب قوات النظام، لمواجهة التنظيم. ووثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقتل ثلاثة من عناصر هذه المليشيا منذ أيام، جراء انفجار لغم أرضي بآلية تقلّهم في بادية منطقة الشميطية، بريف دير الزور الغربي، في حادث تكرر كثيراً خلال الشهرين الأخيرين. مع العلم أنه قُتل في منتصف الشهر الحالي، قيادي في “اللواء” على يد مجهولين، في منطقة المجبل غربي بلدة التبني، على يد عناصر يُرجّح أنهم من تنظيم “داعش”. وسبق أن نعى “لواء القدس”، في أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، قيادياً قُتل مع مجموعة من العناصر، على يد ما يُعتقد أنها خلية لتنظيم “داعش” في ريف دير الزور الشرقي.

ويعتبر “لواء القدس” من أبرز المليشيات التي لا تزال تقاتل إلى جانب قوات النظام منذ منتصف عام 2012، الذي شهد تشكيل مجموعات عدة على يد أجهزة المخابرات التابعة لنظام بشار الأسد، من أجل محاصرة الحراك الثوري في مخيمي النيرب وحندرات للاجئين الفلسطينيين في حلب، إضافة إلى دورها في قمع المتظاهرين في المدينة. وكان الدفاع عن مطار النيرب على أطراف مدينة حلب، أول مهام هذه المجموعات، التي وسّعت نشاطها ليشمل مدينة حلب ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في عموم سورية. مع العلم أن تلك المخيمات، وتحديداً مخيمي الرمل الفلسطيني في اللاذقية واليرموك في العاصمة دمشق، يشهدان حراكاً ثورياً.

وجاء تشكيل هذه المجموعات على يد محمد السعيد، وهو من سكان مخيم النيرب في حلب، وكانت تربطه علاقات مع أجهزة المخابرات وحزب الله قبل انطلاق الثورة السورية ربيع عام 2011. وضمّ السعيد إلى هذه المجموعات عدداً كبيراً من الشباب الفلسطيني من سكان مخيمي النيرب وحندرات، من بينهم محكومون بقضايا جنائية أطلق النظام سراحهم. وجنّد السعيد أيضاً شبانا سوريين، ممن يطلق عليهم تسمية “الشبيحة”، وهم من أكثر المؤيدين للنظام قسوة مع المعارضين في البلاد. وفي نهاية عام 2013، ظهر “لواء القدس” بعد أن جُمعت كل المجموعات المشكّلة من فلسطينيين وسوريين في مليشيا واحدة، تتلقّى تمويلاً مباشراً من الحرس الثوري الإيراني، الذي اعتبر هذا اللواء من ضمن المليشيات الطائفية التي شكّلها أو دعمها في سورية.

ومع تطور الصراع وتشعّبه في سورية، أوكلت إلى “لواء القدس” مهام عدة، ضمن الجغرافيا السورية، فشارك في حصار مواقع كثيرة، ومنها مخيم اليرموك جنوبي دمشق، أكبر المخيمات الفلسطينية في سورية، فضلاً عن غوطة دمشق الشرقية لسنوات عدة. وشارك اللواء الذي يضم آلاف المسلحين، مع مليشيات إيرانية، في معارك طاحنة شهدها ريف حلب الجنوبي خلال عامي 2014 و2015. ومع نهاية عام 2015 بدأ التدخل الروسي المعلن في الصراع على سورية، فباشر “لواء القدس” مرحلة التعاون مع الجانب الروسي، الذي اعتمد عليه في معارك عدة ضد فصائل المعارضة السورية في حلب وفي شمال غربي سورية.

وفي أغسطس/آب 2016، كرّم قائد القوات الروسية في سورية، ألكسندر زورافليوف، ما يُسمّى بـ “قائد العمليات العسكرية في لواء القدس”، بعد مشاركته في المعارك ضد فصائل المعارضة السورية في أحياء حلب الشرقية، التي انتهت في نهاية ذاك العام بخروج هذه الفصائل من شرقي حلب، في حدث فاصل في مسيرة الثورة السورية المسلحة. كما قّلدت وزارة الدفاع الروسية زعيم “لواء القدس” محمد السعيد “وسام النصر”، إثر انتزاع السيطرة على مخيم اليرموك من تنظيم “داعش” في مايو/أيار 2018، عقب صفقة مع التنظيم سمحت له بنقل مسلحيه إلى البادية السورية.

ومنذ عام 2017، وجّه الجانب الروسي “لواء القدس” لقتال تنظيم “داعش” في البادية، فتكبّد خسائر جسيمة في أرواح مسلحيه في المعارك. وحسب دراسة صدرت عن “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية” في عام 2019، فإن بنية “لواء القدس”، تحديداً قيادته، مشكّلة من البلطجية وتجار ومروجي المخدرات: “فكان من السهل عليه تنظيم نهبه، وارتكاب انتهاكات كثيرة بحق المدنيين”، وفق الدراسة. وعن مصادر تمويل “لواء القدس”، أشارت الدراسة إلى مصادر متعددة، فقد “باعوا المناطق التي سيطروا عليها لتجار أو لصوص، ونهبوا المصانع وجلبوا آلاتها إلى مستودعات للمسروقات تابعة لهم، إضافة إلى تلقيهم أموالا لقاء تمكين أشخاص في مواقعهم، أو إخراج آخرين من السجن أو السؤال عن السجين، أو ترخيص مشاريع أو تسهيل قضايا تجارية أو توقيع معاملة”.

من جانبه، يصف الكاتب الفلسطيني طه عبد الواحد، في حديث لـ”العربي الجديد”، دور “لواء القدس” بـ “السلبي للغاية”، مشيراً إلى أن النواة الأولى لهذه المليشيا مشكلة من “شبيحة كازينوهات وصالات أفراح” من الفلسطينيين في مخيم النيرب، وشخصيات تعمل في مجال العقارات، كان لها ارتباطات مع أجهزة الأمن والمخابرات قبل الثورة السورية. ويصف المليشيا بـ”القوة الضاربة القمعية العنيفة القذرة للأجهزة الأمنية السورية”، موضحاً أن هذه المليشيا “شاركت في الاعتقالات وفي قمع احتجاجات خرجت في المخيمات، لا سيما مخيمات حلب، كما شاركت في حصار مخيم اليرموك”. ولفت إلى أن “اللواء يضمّ عدداً كبيراً من السوريين، وانتقل من المظلة الإيرانية إلى الروسية”.

 

المصدر: العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى