موسكو مرتاحة للتعاون مع أنقرة وقلقة من أوضاع شرق الفرات

رائد جبر

وجّه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، انتقادات جديدة إلى واشنطن بسبب سياسة العقوبات المفروضة على سوريا التي رأى أنها تستهدف «المواطن السوري البسيط بالدرجة الأولى». وجدد إدانة التحركات الأميركية في مناطق شرق الفرات، معرباً عن قلق بسبب استمرار «تشجيع النوعيات الانفصالية». ومع إشارة حملت تفاؤلاً محدوداً حيال آفاق دفع العملية السياسية في البلاد، قال إن الأولوية حالياً، لإعادة تأهيل الاقتصاد ومواجهة الكارثة الإنسانية بجهود دولية وإقليمية.

وجدد الوزير الروسي في حديث لوكالة أنباء «نوفوستي» الروسية إدانة سياسة العقوبات التي تمارسها واشنطن تجاه عدد من البلدان بينها سوريا. وقال إن «الخطة المسماة (قانون قيصر) تتضمن فرض عقوبات أرادوا أن تكون أداة خانقة ضد قيادة سوريا. لكن في الواقع، هذه العقوبات، مثل الحزم السابقة تضر أولاً وقبل كل شيء بالناس العاديين، بمواطني الجمهورية العربية السورية».

وأضاف أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ناقش قبل أيام قليلة، تطور الوضع الإنساني في سوريا و«دافع زملاؤنا الغربيون بحماس شديد عن مواقفهم، قائلين إن العقوبات تهدف فقط إلى الحد من أفعال وقدرات المسؤولين وممثلي النظام، باعتبار أن قرارات العقوبات تنص على استثناءات إنسانية بينها تسهيلات لإمدادات الأدوية والأغذية والمواد الأساسية الأخرى(…) كل هذا غير صحيح، لأنه لم يتم تسليم أي إمدادات من تلك الدول التي أعلنت فرض عقوبات، ربما باستثناء بعض الأطراف الصغيرة». وأوضح أن العمليات التجارية التي تجريها سوريا حالياً «تتم بشكل رئيسي مع روسيا الاتحادية وإيران والصين وبعض البلدان العربية».

ورغم ذلك، أشار لافروف إلى أنه «يتزايد عدد البلدان التي تدرك الحاجة إلى التغلب على الوضع الشاذ الحالي وإعادة بناء العلاقات مع سوريا. والمزيد من البلدان، بما في ذلك دول الخليج العربي، تعمل على إعادة فتح سفاراتها في سوريا. ويدرك عدد متزايد من الدول أنه أصبح من غير المقبول تماماً من منظور حقوق الإنسان الاستمرار في هذه العقوبات الخانقة وهي عقوبات أحادية وغير شرعية».

وذكر لافروف أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أعاد قبل يومين، توجيه «النداء الذي أطلقه قبل ستة أشهر، إلى الدول التي تبنت عقوبات أحادية الجانب ضد دولة نامية، بوقف هذه العقوبات على الأقل لفترة مكافحة الوباء. لكن لا يزال الغرب يصم أذنيه عن هذه الدعوات، على الرغم من أن الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أيّدتها».

وأكد الوزير الروسي أن بلاده ستعمل على استصدار إدانة أخرى لـ«هذه الممارسات». مذكّراً بأن «الأمم المتحدة لديها قرارات واضحة بإدانة العقوبات أحادية الجانب، وتم تأكيد أنه يجب احترام العقوبات التي يفرضها مجلس الأمن الدولي فقط».

وتطرق الوزير إلى ملف التسوية السورية، مشيراً إلى تواصل «العمل النشط في إطار صيغة آستانة مع شركائنا الأتراك والإيرانيين». وزاد: «قمنا أخيراً بزيارة دمشق مع نائب رئيس وزراء روسيا الاتحادية يوري بوريسوف. وجدد الرئيس السوري بشار الأسد ووزراؤه التزامهم تجاهنا بالوفاء بالاتفاقات التي تم التوصل إليها في إطار (مسار آستانة) بين الحكومة السورية والمعارضة».

وأضاف لافروف: «في جنيف، استأنفت اللجنة الدستورية عملها، واجتمعت اللجنة المصغرة التابعة لها. بدأ الطرفان في الاتفاق على مقاربات مشتركة لمستقبل سوريا».

وحول الموضوع الميداني، قال لافروف إن «المساحة التي يسيطر عليها الإرهابيون تتقلص تدريجياً على الأرض. أولاً وقبل كل شيء، ينطبق هذا على منطقة خفض التصعيد في إدلب. الاتفاقات الروسية التركية يجري تنفيذها، بما في ذلك مسألة فصل المعارضين العاديين المنفتحين للحوار مع الحكومة، عن الإرهابيين المدرجين لدى مجلس الأمن بهذه الصفة، العمل يجري تدريجياً، وإن لم يكن بالسرعة التي نتمناها. زملاؤنا الأتراك ملتزمون جانبهم، ونحن نتعاون معهم بنشاط».

لكن لافروف أعرب في المقابل عن «قلق جدي» بسبب الوضع على الضفة الشرقية لنهر الفرات، مشيراً إلى أن «القوات الأميركية المتمركزة هناك بشكل غير قانوني تواصل تشجيع الميول الانفصالية للأكراد. ولأسفنا الشديد، فإنهم يحرضون الأكراد على الحكومة، ويكبحون الرغبة الطبيعية للأكراد في بدء حوار مع دمشق».

وحذر لافروف من أن هذا الأمر «لا يتعلق بسوريا فحسب، بل ينطبق أيضاً على العراق وتركيا وإيران. إنها لعبة خطيرة في هذه المنطقة. عادةً ما يتخذ الأميركيون هذا النوع من الإجراءات لإحداث فوضى يأملون في إدارتها. لكن العواقب على المنطقة يمكن أن تكون كارثية إذا روجت للميول الانفصالية هنا».

وخلص الوزير الروسي إلى أن العديد من المشكلات في سوريا ما زالت «تراوح»، وزاد أنه «مع أن الوضع استقر إلى حد كبير مقارنةً بما كان عليه قبل بضع سنوات. لكن أمامنا الآن على جدول الأعمال حل المشكلات الإنسانية الحادة واستعادة الاقتصاد الذي دمّرته الحرب».

وفي هذه المجالات قال الوزير إن بلاده «تحافظ على حوار نشط مع الدول الأخرى، بما في ذلك الصين وإيران والهند والدول العربية. ونرى أنه من المهم إشراك منظمات الأمم المتحدة في الأنشطة التي تهدف إلى تقديم المساعدة الإنسانية إلى سوريا كخطوة ذات أولوية. وفي المرحلة التالية، حشد المساعدة الدولية لإعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية التي دمّرتها الحرب. هناك الكثير من العمل المطلوب، ولكن على الأقل من الواضح في أيِّ الاتجاهات نحتاج إلى التحرك».

المصدر: الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى