لا يتعلق الأمر بالأكاذيب بشأن “كوفيد 19” فحسب. إذ يروي كتاب بوب وودوارد المُعنون “غضب” Rage الممتد عبر 392 صفحة، وقائع رئاسة دونالد ترمب. ويعمد المؤلّف الذي عمل في أوقات سابقة مراسلاً لصحيفة “واشنطن بوست”، إلى الغوص عميقاً في حيثيات بعض القرارات والخيارات التي اعتمدها الرئيس الأميركي الخامس والأربعون، ونجم عنها تبعات كبيرة في السياسة الخارجية والداخليّة للولايات المتّحدة. ويُشير الكتاب إلى المزاعم التي جرى الحديث عنها على نحو واسع، وتفيد بأن السيد ترمب عرف مدى الخطر القاتل الذي يمثّله “كوفيد 19″، بيد أنّه اختار طوعاً التقليل من تلك الحقيقة مُعرّضاً بقراره ذاك، حياة ملايين الأشخاص للخطر. في المقابل يورد وودوارد في موضع آخر من الكتاب، المشكلة الجسيمة التي يعاني منها السيد ترمب المتمثّلة في عجزه عن تمييز الدعاية والشطحات الحزبية المتحيّزة عن الواقع.
نورد أدناه بعض مقاطع الكتاب التي تستدعي الانتباه وتثير القلق بشأن الرئيس الأميركي الحالي.
بدّل ترمب سياسة الولايات المتحدة تجاه الفلسطينيين بعدما عرض عليه بنيامين نتنياهو شريط فيديو مزوّراً يُظهر محمود عباس يصدر أوامر بالقتل.
حُكي أن الرئيس الأميركي في السنة الأولى من وجوده في المكتب البيضوي أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال إحدى زيارات الأخير إلى واشنطن، إنّه [ترمب] يعتقد أن الحكومة الإسرائيليّة وليس الفلسطينيين، قد تكون العائق الحقيقي في مسار عمليّة السلام بالشرق الأوسط. لكن، ووفق ما يكشف السيد وودوارد فقد تحوّل موقف ترمب على نحو ملحوظ إثر زيارته الأولى إسرائيل كرئيس أميركي في مايو (أيار) 2017. إذ خلال اجتماعٍ مع السيد نتنياهو في “فندق الملك داوود” في تل أبيب، أخذ كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنير وزير الخارجية الأميركي آنذاك ريكس تيلرسون جانباً، لأن الرئيس ترمب انزعج من شريط فيديو عرضه عليه السيد نتنياهو. “شاهد هذا! أمر لا يصدّق! عليك مشاهدته”، أخبر الرئيس ترمب السيّد تيلرسون، وذلك قبل أن يأمر مساعديه بعرض الشريط الذي يظهر رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عباس مدلياً بمواقف تحريضيّة. وذاك شريط اعتبره تيلرسون ومن دون أدنى شكّ شريطاً مفبركاً.
وصَوّر الفيديو المذكور، الذي اعتبره تيلرسون مزوّراً أو محوّراً (وفق وودوارد)، رئيس السلطة الفلسطينيّة مُصدراً أوامر من المفترض أنّها تدعو إلى قتل أطفال، وقد بدت أوامر عباس على ذلك النحو إثر تلاعب ببعض عباراته وجمله مع إعادة انتاجها. وسأل نتنياهو ترمب بعدما عرض عليه ذاك الشريط “أهذا هو الرجل الذي تريد مساعدته؟” وحين غادر الرئيس الإسرائيلي (الذي يحاكم اليوم بتهم فساد) غرفة الاجتماع، أخبر السيد تيليرسون ترمب “سيدي الرئيس، هل لاحظت أن كلّ ذلك مفبرك؟” فأجاب ترمب “حسناً، إنّه ليس مفبركاً. فهم استطاعوا تصوير الرجل وهو يقول ذلك”. وفي اليوم التالي وبّخ ترمب السيد عباس خلال جلسة خاصّة بينهما على هامش اجتماعهما في مدينة بيت لحم، فاعتبره “كاذباً” و”مجرماً” قام “بخداعه” والإيحاء له بأنّه أهل للثقة. وفي السنة التالية ألغى ترمب تقريباً جميع المساعدات الأميركيّة المخصصة للأراضي الفلسطينيّة، وكذلك أمر بإغلاق مكتب “منظمة التحرير الفلسطينيّة” في واشنطن العاصمة.
بعد تحذيره من المعلومات الخاطئة التي كان يمدّه بها ديفين نونيز، والمتعلقة “بإفشاء سرّ بعض الأشخاص” في مواقع حسّاسة، ذكر ترمب إنّه ينبغي منح نونيز “وسام الشرف”
احتل نائب ولاية كاليفورنيا ديفين نونيز عناوين الأخبار مطلع العام الفائت إثر مزاعمه المتكررة حول تعمد مسؤولين في إدارة أوباما، ومن دون وجه حق، “إفشاء” أسماء مساعدي ترمب والمقربين منه، كمستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين. وتجري عملية “الإفشاء” تلك حين يكون في وسع مسؤولين حكوميين كبار طلب إفشاء هوية أميركيين وردت أسماؤهم في تقارير تجسّس أجنبيّة (تكون الأسماء محجوبة في العادة للحفاظ على الخصوصيّة)، بغية تكوين صورة كاملة عمّا تفصح عنه تلك التقارير.
وجاءت مزاعم نونيز غير المستندة إلى أدلّة واضحة، وقد تكررت مراراً حول عملية “الإفشاء” التي جرت من دون وجه حقّ بأوامر من مسؤولين في إدارة أوباما، بحسب ما أورد وودوارد؛ كي تشكّل قاعدة ومادّة أوليّة لنظريّة مؤامرة ضبابية أطلق رجال ترمب البارزون عليها صفة “أوباماغيت”، حتى أن الرئيس ترمب بنفسه اعتبرها، من دون أيّ دليل، “الجريمة السياسيّة الأكبر في التاريخ الأميركي”. في المقابل، حين حاول مدير الأمن القومي آنذاك، دان كوتس، توضيح الأمر بشأن عملية الإفشاء (التي يشيع اعتمادها في إطار جمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها)، لم يتقبّل السيد ترمب تلك الحقائق. وبحسب وودوارد، أورد السيد كوتس بشأن تلك المسألة، “سيدي الرئيس، أعرف أن ديفين نونيز يحاول أن يفعل ما بوسعه لمساندتك. بيد أنّه يمرر معلومات لك، لكنها معلومات تبدو خاطئة، وتؤذيك في النهاية. ما أخطرك به ديفين ليس صحيحاً”. ثم عاد كوتس وذكر لترمب إنّه إذا اتصل بمدير “الاستخبارات الوطنيّة” لتوضيح المعلومات التي أفاد بها نونيز، فإن ذلك سوف “يضعه (ترمب) في موضع أفضل” لأن بإمكان مكتب كوتس “توضيح إن كان ما ورد [على لسان نونيز] مستنداً إلى أدلّة أم لا؟”. بيد أن السيد ترمب، وفق وودوارد، لم يُظهر اهتماماً في هكذا أمر، بل ردّ على كوتس قائلاً “ديفين نونيز أشجع شخص بيننا”. وتابع وودوارد سرديّته كاتباً إنّ ترمب أخبر آخرين من المقربين منه، أنّ نائب كاليفورنيا الجمهوري الذي لم يخدم في حياته بالجيش الأميركي يستحقّ وسام الشرف، الذي يعدّ أرفع وسام تقديري في الخدمة العامّة الأميركيّة. وكذلك لا يُمنَح ذلك الوسام بحسب القانون الاميركي إلّا إلى شخصيّة عسكريّة أبدت “بسالة مقدامة وجسارة، وعرّضت حياتها للخطر حين دعاها الواجب لذلك”.
لا يُظهر ترمب أي اهتمام في الاستماع إلى رأي خبراء الأمن القومي
أفاد السيد كوتس، وفق ما يورد وودوارد، إن الخطر الأكبر المحدق بأجهزة الأمن القومي الأميركي يتمثّل في رغبة ترمب في تجاهل كل عمليّةٍ تستند إلى الأخذ بآراء الخبراء الكثيرين الذين تعتمدهم الحكومة الأميركيّة. وعن ذلك، يكتب وودوارد “في الواقع، وحرفيّاً في أكثر الأحيان، يورد الرئيس: لا أريد ذلك أن يحصل. لا أحتاج لأولئك الأشخاص. ولا أحتاج مجلس أمنٍ قومي. كل ما أحتاجه هو نفسي وحدها، وربما ثلاثة أو أربع أشخاص يعملون معي وأثق بهم”.
المصدر: اندبندنت عربية/© The Independent