قراءة في كتاب: الدولة والجماعة   التطلعات السياسية للجماعات الدينية في سورية 2000 – 2010.

أحمد العربي

عبد الرحمن الحاج. باحث سوري مهتم بالجماعات الإسلامية السورية وتفاعلاتها السياسية والمجتمعية، له كتابات ومتابعات منذ عقود.

1_الدراسة تهتم بالجماعات المتشكلة على هامش الدين الإسلامي والمسيحي  في المجتمع السوري ما قبل عام 2000م وما بعده الى عام 2010م، تتناول المجموعات الدينية ضمن المجتمع السوري. آخذة بعين الاعتبار السلطة السياسية السورية. بكونها تتحكم في الفضاء الاجتماعي والسياسي والثقافي والفكري. وضمن علاقة جدلية تناقضية أو تحالفية. أو داعمة .او عدائية. او صامتة. حسب مصلحة كل طرف مع سيادة المصلحة العليا للسلطة الاستبدادية السورية

٢ – سنتناول كل مجموعة على حدى، بوجودها وعلاقتها مع الواقع والنظام وتطورها في الزمن، في مرحلة الأسد الأب ثم مرحلة الابن، مع الاشارة الى الاختلاف والتغيير الحاصل في المرحلتين.

٣ – تناول الباحث الاكراد الإسلاميون “القوميون”. مؤكدا على ميزتين لهم. الاولى انهم اسلاميون ومن ارومة متصوفه وتحاول ان تقوي الحضور الإسلامي داخل المكون الكردي السوري. وعلى رأسهم الشيخ الخزنوي الأب ومن بعده ابنائه. وفي نفس الوقت عبروا عن أنفسهم بصفتهم جزء من الهويه القوميه الكرديه. وترسخ موقفهم بحدود العلاقة مع الإسلام الصوفي الشعائري. والدعوة لحقوق ثقافية ومجتمعية كردية. ضمن النسيج الوطني الديمقراطي السوري. حيث انخرطت في مرحلة سلطة الأسد الابن مع إعلان دمشق وكان لها مواقف ناقدة متميزة. أدت لاغتيال الشيخ الخزنوي. وحصار حركتها وملاحقتها. ومطالبتها أن تكون تابعة للنظام أو صامتة عن استبداده . هذا مع العلم ان الفضاء السياسي والثقافي للأكراد السوريون كان باغلبه يساريا وفيه ما يزيد عن العشرة أحزاب. كلها تدور في فلك الانتماء الكردي بين حدي الحقوق الثقافية والهوية. وبين الدعوة لتشكيل دولة كردية قومية في سوريا. او مع أكراد تركيا والعراق وإيران. وسيأتي متغير الربيع السوري الذي لا تطاله الدراسة. حيث يخلط أوراق كل الأطراف الدينية والجماعات و المكونات والأحزاب والسلطة المستبدة ايضا . وليكون هناك مسار مختلف يحتاج لدراسة أخرى

٤ – جماعة زيد. المنسوبة إلى جامع أسامة بن زيد وشيخه المرحوم عبد الكريم الرفاعي. والتي ركزت على الجانب الإسلامي الدعوي المجتمعي. مع الوقوف بمسافة اتجاه السياسي. ولنقل الصمت عن السياسي. ضمن سياسة تبادل القبول مع النظام خاصة في عصر الأسد الابن حيث سمح النظام للشيخ أسامة الرفاعي بالعودة من السعوديه. والنشاط والتدريس في المسجد المذكور. حيث توسعت دائرة المهتمين والمنتمين لهم. وخاصة في دمشق وفي أوساط تجارها بشكل أساسي. ولكن ايضا سيكون هناك تغيرات جذرية في مواقف الشيخ أسامه الرفاعي واخيه ومريديه. من الربيع السوري. وسيكونون مع حق الشعب السوري بأن يحصل على الحرية والكرامة الانسانية والعدالة والدولة الديمقراطية. وخاصة بعد أن تمادى النظام المستبد المجرم. في قتل السوريين وتشريدهم وتدمير البلاد. وذلك مستعينا بروسيا وإيران وحزب الله والمرتزقة الطائفيين. وبعد أن صنع النظام لمعركته ضد الشعب السوري وجها طائفيا علويا شيعيا. في مواجهة السنة بإعتبارهم متطرفين وإرهابيين كما يدعي النظام،  سيغادر الشيخ اسامه واغلب مجموعته سوريا. ويأخذ موقفا جذريا ضد النظام. ويشكل هيئة العلماء المسلمين السوريين. تعلن التزامها بالثورة السورية وتتابع مطالبها وتنتصرلها.

٥ – القبيسيات. نسبة إلى الشيخة منيرة القبيسي  هي دعوة دينية نسائية صرفة. تعتمد على خلق مجموعات حلقية نسائية تتدارس الدين وتقوم ببعض المناشط الانسانية. تبتعد بالمطلق عن الشأن السياسي. تتصرف كبنية حزبية  تنظيمية. تحتل الشيخه الدور المركزي. وهي على مسافة من اتباعها. رفضت العمل بالسياسة سواء مع النظام او ضده. حيث منعت العضوات الترشيح لمجلس الشعب. والنظام تواصل مع قياداتهم. ورضي بدورهم. خاصة انهنّ قررن. إعتزالا شبه مطلق للشأن العام، من قبل الأخوات القبيسيات. وهذا ما يريده النظام. حيث يريد صمتا او قبولا بكل ما يقوم به كنظام مستبد قمعي يرعى الفساد والقهر والتخلف والمحسوبية والظلم و ضياع الحقوق…

 لكن القبيسيات لن يبقين على الحياد سياسيا. (وهذا ما لم يذكر في الدراسة).  فسوف يعبرن عن موقفهنّ المتضامن والداعم للنظام بعد الثورة السورية. و يكون دور القبيسيات كاداة في يد النظام ضد الشعب السوري ومصلحته .

٦ – السلفية الجهادية بعد حرب الخليج

لم تتحدث الدراسة كثيرا عن الظروف الصانعة للسلفية الجهادية.منذ الدعوة للجهاد في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي. وما دور أمريكا وبعض الدول العربية بالدعم المادي و الدعوي و امداد الرجال والمنظرين الإسلاميين.  المهم سيكون لما حصل في العراق ما قبل احتلاله وفي احتلاله. نمو كبير للدعوة الإسلامية الجهادية. المركبة على فكر إسلامي سلفي من فكر ابن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب. مطعما على جذرية المودودي و سيد قطب وعبد الله عزام وسعيد حوى وغيرهم. لتصنع هوية جهادية لشباب يريد مواجهة العدوان الامريكي على العراق. ولا تخفي الدراسة الاستخدام الوظيفي. لهذه الجماعات ورفدها ببعض الدعاة المرتبطين بالنظام وامنه. أو بالصمت عن الالتحاق بالجهاد في العراق. و معركة محاربة الامريكان. واستخدام ذلك سياسيا من قبل النظام حسب الحالة. سواء بعد تفجيرات الحادي عشر من أيلول 2001. او بعد مقتل الحريري. وسيتم متابعة هذه المجموعات. واعتقالها بعد انتهاء دورها في العراق. وما لم يذكر بالكتاب. ان هذه المجموعات ستعطي اغلب الكوادر القيادية الفعالة للمجموعات الإسلامية التي ستشارك في الثورة السورية. وبعضهم جزء من داعش وفتح الشام النصرة ايضا. حيث أفرج النظام عن اغلب هؤلاء المعتقلين لديه في بدايات الربيع السوري. وان هذه المجموعات إلى الان لم تعلن التزامها بالشعب السوري ومصلحته. ولا التزامها الخيار الوطني الديمقراطي لسورية المستقبل. وأن تدفع النصرة لتمييز موقفها وممارستها عن القاعدة. وأن تعلن تنصّلها منها فكرا وسلوكا وان تكون جزء اصيلا من الثورة السورية

 ٧ – اسلاميوا اللاعنف جماعة جودت سعيد.

جودت سعيد شيخ سوري اتخذ منذ الستينات من القرن الماضي. موقفا من العنف الإسلامي. ورفضه وحاول التأصيل اسلاميا. وبقي وفيا لموقفه حتى الآن. رغم كل ما مر على سورية والعالم. ولذلك لم يكن النظام يستعديه او يضغط عليه. بل كان احيانا يعطيه مساحة للحركة عندما يخدم ذلك مصلحته. ومع ذلك رفض النظام أن تصبح ظاهرة اللاعنف مؤسسة كبيرة وحركة شعبية. وان تنزل إلى الشارع بمطالبها سلميا. حيث واجه النظام حركة شباب داريا السلميين المطالبين ببعض الأمور المطلبية. فمنع حركتهم واعتقل اغلبهم . وأنهاهم  كحركة في الواقع… أما الشيخ جودت فقد اقترب من مطالب الشعب السوري بالخيار الديمقراطي. والتحق في إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي… وما لم يذكر في الدراسة أن الشيخ جودت غادر سوريا وأعلن موقفا أكثر صراحة ووضوحا بنصرته للثورة وحق الشعب السوري بالحرية والعدالة والديمقراطية. وان بقي وفيا لنهجه اللاعنفي.

 ٨ – المتشيعون الجدد في سورية

،الشيعة قليلون عددا وانتشارا في سورية والنظام رعى علاقة متميزة مع ايران ونظامه الشيعي. وأفسح مجالا للدعاة الشيعة أن ينشطوا لنشر التشييع في سوريا. سواء في أوساط العلويين السوريين او في أوساط السنة. وغطوا ذلك بأنهم  يريدون خدمة المراقد المقدسة. قبر السيدة زينب في ريف دمشق.او الست رقية بجوار الجامع الأموي بدمشق. او الست سكينة في جوار داريا. الخ. ودعمت السلطة السورية هذا النهج. الذي اثمر جمعية المرتضى التي رعاها جميل ورفعت الاسد. (رغم اضمحلالها) بعد إبعاد رفعت عن سوريا. وسمح النظام لنشاط التشييع ان ينتشر في كل سوريا تقريبا. رغم أنه لم يثمر كثيرا من الاتباع. لكن النظام تصرف وكأن هؤلاء هم رصيد دعم لسلطته الطائفية بعمقها. رغم تخفيها بالعقيدة القومية العربية أو العلمانية. والتي ستظهر لاحقا من خلال اعتماد النظام وحلفائه الإيرانيين وحزب الله على التجييش الطائفي ليمد صراعه بالرجال المستعدين للموت تحت دعوى حماية المقدسات او الدفاع عن الشيعة والمتشيعين. وهكذا كان حيث استحضر المرتزقة الشيعة من ايران والعراق وافغانستان ليقاتلوا في سوريا وليموتوا فيها… وهناك جانب آخر هو استحضار العائلات الشيعية من كل دول العالم. من أجل التوطين والمساهمة في التغيير الديمغرافي في سورية. وهذا ما أخذ يتوضح من إسكان هذه العائلات للمناطق المبعدون اهلها. كالقصير وداريا وأحياء حمص. وكذلك العمل على شراء الأراضي صوريا. وتملكها لأطراف شيعية ترعى هذا التغيير على الأرض.

٩ – القيادات الدينية الطامحة

وهي الوجوه الجديدة من المشايخ مثل محمد حبش، او بدر الدين حسون، او راتب النابلسي، وغيرهم من الذين رضي بعضهم ان يكونوا أدوات السلطة وصوتها، مثل البوطي وحسون، أو اعتمدت الصمت عنه مثل النابلسي

 كلها اعتمدت على حاجة الواقع لخطاب ديني ودعاة يدلون برأيهم

 لكن متغير الربيع السوري. سيدفع هؤلاء للاصطفاف امّا مع النظام مطلقا. كالبوطي وحسون ، أو الالتحاق بالثورة مثل محمد حبش والنابلسي

 ١٠ – الكفتاريون. جماعة مسجد أبو النور

وهم أتباع الشيخ كفتارو . مفتي الجمهورية لعقود. وهو نموذج لرجل الدين خادم السلطة. يبرر لها سلوكها وينظّر له أيضا. ارتكزت المجموعة على الشيخ كفتارو. واسست له المدارس مع جامعة، توسعت باتباعها. لكنها بدأت بالانحسار لاختلاف اتباعها. بوجود المؤسس وبعد وفاته. وهي تسير للزوال. و لاتزيد عن جماعة رعاية مصلحة السلطة وتأييد موقفها كل الوقت

 ١١ – يتحدث الباحث ايضا عن اليزيديون والاشوريون كجماعات دينيه مسيحية وقومية أيضا. حيث كونهم اقلية مجتمعية. ولهم رؤاهم الدينية الخاصة. ولديهم إحساسهم بالتميز القومي. لكن قلة عددهم تبعد احتمال مطالبتهم بحقوق قومية. وخاصة أن أغلب مطالبهم تتبع إلى تجمعاتهم الأكبر في العراق. وانهم بعد الثورة السورية سيكونون جزء من نسيج المطالب الوطنية الديمقراطية للثورة. ورافضين للسلطة المستبدة المجرمة. و منخرطين بمؤسسات الثورة السورية كالائتلاف وغيره .

١٢ –  يركز الباحث ايضا على تعاطي السلطة المستبدة السورية. مع هذه الجماعات. وكيفية استخدام وجودها. سواء بالسماح أو المنع أو الاعتقال. فهو يسمح للجهاديبن في الذهاب للعراق، وثم اعتقالهم عند العوده. والافراج عنهم ابان الثورة السورية. وهو سيساعد المتشيعين وسيعتبرهم جزء من بنية السلطة وخططها. وهو يساعد الأمريكان بعد تفجيرات   الحادي عشر من أيلول عام ٢٠٠١م، على أنها مساعدة ضد الإرهاب .

١٣ – يتوقف الباحث عند خلط القوى الدولية بين الإسلام و الإرهاب وبين الدين الاسلامي والاصولية. فالاسلام دين، أما الارهاب فهو موقف عنفي ضد افراد او آخرين أو السلطة السياسية او طرف دولي، له اسبابه عند صاحبه. ولا يرتبط عضويا بالدين بل بشروط الحياة وفهم الاعتقاد ايا كان. وكذلك بالنسبة للدين والاصولية. فالتدين حالة انتماء عقائدي فطري مع توجيه مجتمعي وعقائدي، أما الاصولية  فهي موقف منتمي للاعتقاد الذاتي ومعادي للغير واعتقاده وهي أيضا محاولة العودة لماضي ديني بديل عن الواقع المعاش ويعتمد العنف ضد الغير المختلف،  وهذا ما يولّد الإرهاب. ولا يرتبط بالاسلام فقط بل بكل اعتقاد

 ١٤ – ينتقل الباحث ليعطي احتمالات مآلات الجماعات الاسلاميه. وتوصيات ايضا بين ان تستمر على ما هي عليه، او تغيّر السلطة مواقفها منها، او تتغير الاحوال ، والواقع  أن  في سورية ثورة شعب ضد الاستبداد. يتحرك لتحقيق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية. وأن هذه الجماعات اصطفوا مع النظام او ضده مع الثورة او ضدها

 ١٥ – من جهتنا نشكر الباحث على جهده. ونقول ان هناك نقص في قراءة واقع الجماعات الدينية. لم يطاله بالدراسة رغم أنه يمثل عصب السلطة وعمقها وممارستها في كل المجالات .

. وهي العلويّة السياسية . التي تعني أن رأس السلطة تحكمه عائلة. تمتد بالعصبة الأقرب. متغلغلة في مفاصل الدولة كلها وخاصة الأمن والجيش. وممتدة في الطائفة العلوية. التي كانت أداة النظام في الهيمنة. بحيث سعت لتصبح  طائفة السلطة. وهذا ما اكده النظام عبر ممارسته القمعية بحق الشعب السوري بعد ثورته، واعتماده على العمق المعنوي العلوي وتخويف الطائفة من السنّة .وأنهم بريدون اسقاط سلطتهم وابادتهم. وكذلك الاستعانة بالشيعة دوليا واقليميا، على أنهم إخوة دينيا. في مواجهة السنّة كأعداء. ونحن نرفض هذا التوصيف لكنه هو ماحصل .

 ١٦ – إن الدراسة لم تلتقط اصل مشكلات البنية المجتمعية السورية. سواء الدينية او السياسية. وهو استبداد السلطة السياسي؛ كراعي للتفرقه وخالق للصراعات. ومؤسس للفساد ولغياب العدالة، وصانعا للعنف والإرهاب. وان الحل الجذري لسوريا هو في الدولة الوطنيه الديمقراطيه. دولة العدل والقانون وحقوق الانسان والمجتمع الأهلي والمدني والحياة الافضل ، وهذا ما تعمل له ثورتنا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى