انتهت الجولة الثالثة من المحادثات السياسية بين فريقي الحكومة والمعارضة السوريين في جنيف، من دون التوصل إلى اختراق أو تقدم ذي معنى سياسي. ربما كان المتفائل الوحيد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، الذي ذكر أن الفجوة بين الطرفين ما زالت كبيرة، وأضاف “لا يتوقع أحد أن يحقق هذا الاجتماع معجزة أو أي اختراق”. وقد توقفت هذه الاجتماعات بعد أن تم كشف إصابة أربعة أشخاص قادمين من سورية بفيروس كورونا، وهو ما يكشف عن مدى انتشار الوباء الكبير في سورية، على الرغم من الأرقام الرسمية، كما أن الاجتماع جاء بعد توقف دام سبعة أشهر بسبب انتشار الفيروس. ولكن هذه الاجتماعات، ومنذ بداية عقدها في عام 2012 بشأن حل الأزمة السورية، لم تفض إلى أي شيء كان له أي تأثير على الأرض في سورية. كل الأحداث السياسية التي كان لها انعكاس على الأرض كانت تتم من خارج جنيف، والأهم أن الأطراف الدولية والإقليمية والقوى المحلية ظلت تفضل تغيير الوضع عبر تغيير الحقائق على الأرض.
عقد بين عامي 2012 و2020 أكثر من 12 مؤتمرا واجتماعا بشأن الأزمة السورية في جنيف. وقد نجح المبعوث الأممي الأسبق، الأخضر الإبراهيمي، في أن يعقد لأول مرة، في فبراير/شباط 2014، مفاوضات بين وفد من النظام وآخر من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وانتهت بدون التوصل إلى أي اتفاق، في ظل انقسام دولي شديد حينها بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي دعمت وفد المعارضة السورية وبين روسيا التي دعمت وفد النظام، ولم تخلص المفاوضات إلى أي مبادئ أو ورقة أو حتى إطار عام بشأن الحل السياسي في سورية.
وإذا كانت حصيلة كل تلك المفاوضات المتقطعة بمثل هذا البؤس، فما الجدوى من تأكيد الأطراف الدولية عليها. هذا يكشف حقيقة النفاق الذي يمارس بحق الشعب السوري، فالكل يدرك عدم جدوى هذه الاجتماعات، لكنهم يصرون على الاستمرار فيها، لأنهم يخافون الإقرار بفشلهم، والأهم كما يردد مسؤولون غربيون كثيرون أنها اللعبة الوحيدة في الساحة الآن، على الرغم من إدراك الجميع أن هذه اللعبة لن تسفر عن أي شيء، ولن تقود إلى حل سياسي في سورية.
من جهة أخرى، خسرت المعارضة السورية كثيرا بالمشاركة في هذه المحادثات، أولا لأنها أوجدت صراعاتٍ بدون هدف داخل الأطراف المختلفة من المعارضة، والأهم أنها أضعفت مصداقيتها أمام الشعب السوري، وانتهى بها المطاف إلى مجموعة أفراد، يدّعون الحديث باسم المعارضة بدون أي ثقل أو وزن تفاوضي حقيقي. ولذلك لا قيمة لكل المقرّرات التي يمكن أن تنتج عنها، لأنها لن تجد طريقها إلى التطبيق على الأرض السورية.
وبالنسبة للنظام، كل جولات مفاوضات جنيف كانت فرصة له لإعادة تأهيله بعد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها ضد الشعب السوري، ومنبرا لاتهام كل معارضيه بالإرهاب من على منصة الأمم المتحدة. لم يُظهر النظام، على مدى السنوات التسع الماضية، أية إشارة إلى رغبته في القيام بالحل السياسي، أو الاشتراك في مفاوضات جادّة من أجل إنهاء النزاع في سورية. كل ما يطمح إليه بشار الأسد كسب مزيد من الوقت، لأنه كما قال، وهو محق ربما للمرة الوحيدة، أن المجتمع الدولي سيتعب ويمل من الأزمة السورية، وهذا ما حصل. وبالتالي، سيبقى الأسد وحيدا، مع إدراك أنه لا يقيم أي اعتبار للبؤس الذي يعيشه السوريون على مستوى الفقر وانتشاره بين 87% من السوريين، وفقا للأمم المتحدة. ولا يعبأ لحصد أرواح عشرات السوريين بسبب فيروس كورونا، مع انهيار النظام الصحي بشكل مطلق. وذلك كله بالنسبة له تفاصيل غير مهمة ما بقي يحافظ على كرسيه في قصر المهاجرين.
على الولايات المتحدة التي نجحت في إقرار قانون قيصر أن تعيد تقييمها كل مسار جنيف، وأن تعمل على حصد نتائج من شأنها أن تغير بؤس حياة السوريين في الداخل وفي المهجر، وهو ما يقتضي ممارسة الضغط السياسي والدبلوماسي الأقصى على روسيا، من أجل القبول بتطبيق كامل لقرار مجلس الأمن 2254، بما في ذلك البدء الفوري بعملية انتقالية في سورية بدون الأسد، تبدأ في عقد انتخابات تشريعية ورئاسية تحت إشراف كامل من الأمم المتحدة، بما يفتح الباب لقيام عملية سياسية، يشارك فيها كل السوريين، وتسمح بإعادة بناء مؤسسات الدولة السورية على أسس جديدة من الشرعية وحكم القانون.
المصدر: العربي الجديد