في قضية مروان البرغوثي

معن البياري

ليست الخسّة المفردة الكافية لنعت استضعاف السجّان الإسرائيلي أسيراً فلسطينيّاً لديه، اسمُه مروان البرغوثي، بإيذائه وضربه وتكسير أضلعٍ منه، في أثناء نقله من سجنٍ إلى آخر. ولكنّ العربيّة، ومعجمها شاسعٌ، تُسعفنا بمزيدٍ من النعوت لهذه النذالة غير المستغربة من زعران دولة الاحتلال، سيّما في طوْرها الفاشي الراهن، والذي يتعنْون فيه المدان في محاكم دولته العنصرية، إيتمار بن غفير، وزيراً مسؤولاً عن السجون. وأن يهدّد هذا السافل المناضل مروان البرغوثي، في استعراضيّةٍ منحطّة، عندما اقتحم زنزانة الأسير الصابر، فهذا لا يعني سوى أن حكومة مجرمي الحرب، ممثّلة بهذا ومن معه فيها، تُبيّت نيّةً سوداء ضد القائد الصامد الذي يتأكّد، مرّة بعد مرّة، أن نموذجه يُقلق دولة الاحتلال، ليس فقط لمكانته العالية في الشعب الفلسطيني، وإنما أيضاً لإيمانه المؤكّد بأن وحدة الصفّ الفلسطيني ضرورةٌ واجبة، وليست خياراً. والقناعة لدى عموم الفلسطينيين في الوطن والشتات بأنه الأقدر من غيرِه على أن يؤالف هذا الصفّ، لو قيّض له أن يتحرّر من أسره المديد. وذلك فضلاً عن أن البرغوثي زعيمٌ يعرف تماماً حدود الممكن والمستحيل، ويعرف السياسة شغلاً وطنيّاً من أجل تحصيل حقوق الشعب وإنجاز مشروعه الوطني، بالتوازي مع كل الخيارات الكفاحيّة، السلميّة والمدنيّة والمسلّحة، وذلك تطلّعاً إلى “حلّ الدولتين” من دون تفريطٍ في العدالة والكرامة استحقاقيْن للفلسطيني. وقد روى ثِقاتٌ أن مروان البرغوثي ردّ على صفاقة بن غفير في تلك الاستعراضيّة، عندما سمّى الأسيرَ الممتلئ ثقةً بشعبه، وعموم الأسرى، قتلة، ردّ بأنهم يدافعون عن حقّ شعبهم في الحياة. ولكن المسمّى في ثماني جرائم موصوفة كيف له أن يفهم لغة كهذه.

امتنع نتنياهو عن التوصية بإطلاق سراح مروان البرغوثي، الأسير منذ 22 عاماً، وعن رفاقٍ له من عناوين الحركة الوطنية والكفاحية الفلسطينية، منهم أحمد سعدات وحسن سلامة وإبراهيم حامد، وتشدّد في رفضه إلحاح “حماس” على الإفراج عنهم في التبادل الذي جرى ضمن اتفاقٍ على وقف إطلاق النار في غزّة. ولم يكن مستغرباً من المبعوث الأميركي، شديد الانحياز إلى حكومة الاحتلال، ستيف ويتكوف، أن لا يزاول شيئاً من الضغط على أصدقائه في هذه الحكومة، لتلبية الطلب الفلسطيني الذي سانده جهد قطري. والمؤدّى من هذا أن جهداً فلسطينياً خاصاً، ونوعيّاً، وخلّاقاً، صار شديد الإلحاح، من أجل إنقاذ مروان البرغوثي (67 عاماً) ورفاقه من الأسر المديد، سيما أنهم يتعرّضون لِما يشبه التصفية المدنية، على ما بدا عليه القائد الفتحاوي من إنهاكٍ وضعفٍ ظاهريْن في صور مؤسفةٍ له أخيراً.

ولنذكُر دائماً أن واحدةً من سوءات اتفاق إعلان المبادئ إياه بين منظّمة التحرير وإسرائيل في 1993 (أوسلو) إهماله قضية الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، القضية التي لم توضَع في أولويات العمل التفاوضي الفلسطيني، وضمن النشاطين السياسي والإعلامي في الحالة الفلسطينية عموماً، مع كل التثمين لجهود هيئاتٍ مختصّةٍ ونشطاء ومنظّماتٍ حقوقيةٍ عملت جيّداً في هذا الخصوص. ولكن هذا لا يلغي وجوب الاعتراف بأن التقصير الفلسطيني فادحٌ في تظهير قضية الأسرى في مشاغل عالمية وكونية إنسانية وحقوقية وسياسية. ولأن المقام هنا ليس للتلاوم ورمي المسؤوليات كيفما اتفق، الأوجب، سيما بعد استثناء البرغوثي ورفاقه من الإفراجات عن “محكومين” بمؤبّدات محاكم إسرائيلية، أن ينشط عمل متكامل، سياسي وإعلامي وحقوقي، يتسق مع حركة التضامن العالمي الباهرة مع عدالة القضية الفلسطينية.

ليس من وصفةٍ متكاملةٍ لدى صاحب هذه الكلمات تؤطّر هذا الجهد في برنامج عملٍ مجدولٍ ونشط، فأهل الدراية والخبرة من نشطاء العمل المدني أعرفُ بهذا كله، ولكن القول هنا مقصورٌ على أن يبقى مروان البرغوثي ورفاقه في طليعة قضايا الفلسطينيين، لبناء شبكات تضامنٍ ضاغطةٍ على إسرائيل، في غضون العزلة التي تتعرّض لها. وتوصيةٌ مثل هذه ليست هيّنة ولا ميسورة، وإنما تحتاج تشبيكاتٍ عريضةً وأفكاراً متجدّدة ومثابرة في العمل وإفادة مبتكرة مما تتيحه ميديا التواصل الاجتماعية والإعلام الرقمي من إمكاناتٍ هائلةٍ في جهدٍ شديد الضرورة، يلزمه، حتماً، أن تفطن القيادة الفلسطينية (على ما تسمّي نفسها) إلى أولوية هذه القضية، وأن تتذكّر سفاراتُ دولة فلسطين في العالم مسؤوليةً عليها في هذا الشأن، وأن يشتهر اسم مروان البرغوثي واحداً من أعلام الكفاح الإنساني من أجل الحرّية في العالم.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى