أحكام قضائية سابقة تعيق عودة الموظفين السوريين المنشقين إلى وظائفهم

جهان حاج بكري

بعد سنوات طويلة من الانقطاع عن وظائفهم، بدأ بعض الموظفين المنشقين عن نظام الأسد بالعودة إلى مؤسسات الدولة السورية بعد سقوط النظام وبدء المرحلة الجديدة. هؤلاء الذين تركوا مواقعهم في ظروف قاسية ومليئة بالمخاطر، يجدون أنفسهم اليوم أمام تحديات حقيقية أبرزها الأحكام القضائية التي صدرت بحقهم في عهد النظام السابق، في ظل غياب أي عفو رسمي يلغي تلك القرارات.

عدد كبير من الموظفين تركوا وظائفهم مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، وخرج كثير منهم من البلاد باتجاه تركيا أو الشمال السوري أو بلدان اللجوء. هؤلاء لم يكونوا على علم بما صدر بحقهم من أحكام قضائية خلال سنوات الحرب، ليتفاجؤوا بعد سقوط النظام بوجود قرارات قضائية وأحكام بالسجن والغرامة تحول دون عودتهم الطبيعية إلى حياتهم ووظائفهم. واليوم، يعيش هؤلاء حالة ترقب وانتظار لما ستتخذه الدولة الجديدة من إجراءات، على أمل أن تُزال هذه الأحكام بشكل تلقائي من دون أن يتكبدوا تكاليف مادية باهظة أو معاناة جسدية ونفسية مرهقة.

منع من السفر 

على معبر كسب الحدودي مع تركيا، اكتشفت ميرال كور علي، الموظفة السابقة في مديرية الزراعة باللاذقية، أنها ممنوعة من مغادرة سوريا بسبب حكم قضائي صدر بحقها يقضي بسجنها ثلاث سنوات ودفع غرامة مالية قدرها 335 ألف ليرة سورية. وأُجبرت على العودة لاستخراج أوراق رسمية لتسوية وضعها.

وتوضح ميرال لموقع تلفزيون سوريا أن الحكم صدر بسبب تركها الوظيفة من دون إذن، إضافة إلى تهمة “اختلاس” مرتبها الأخير الذي قبضته مقدماً. وبعد إجراءات معقدة ومكلفة، تمكنت من الحصول على إذن سفر مؤقت لكنها ما زالت تنتظر إلغاء الحكم بشكل نهائي.

القصة ذاتها تكررت مع منى زمو، المهندسة الزراعية المنشقّة منذ عام 2014، التي فوجئت بوجود حكم قضائي يمنعها من العودة إلى عملها أو استخراج أوراق رسمية.

وتقول منى لموقع تلفزيون سوريا إن هذه الأحكام لا تعيق حياتها اليومية فحسب، بل تمنعها حتى من معرفة تفاصيل الحكم الصادر بحق زوجها الطبيب، إذ لم تتمكن من العثور على أي سجل رسمي يوضح قضيته.

تكاليف باهظة

تكاليف إزالة الأحكام تمثل عبئاً إضافياً. ففي حين تؤكد ميرال أنها أنجزت معاملتها بمبلغ يقارب 50 دولاراً عبر دفع الغرامة بنفسها، لكنها عانت كثيراً واحتاجت لفترة طويلة ربما يصعب على غيرها خصوصاً العائدين لفترة قصيرة من البقاء ومتابعتها.
وأوضحت: “هناك تعقيدات مرتبطة بأننا بعد ترك البلد قد نسينا تفاصيل وأماكن المؤسسات وطريقة العمل لذلك لن ينجح أي موظف بالقيام بهذه المهمة بنفسه ولن يكون الأمر سهلاً”.
وقدمت ميرال الطلب لكن حتى الآن تنتظر الرد من دون التأكد من إمكانية إلغاء الحكم وربما تحتاج إلى توكيل محامي، مشيرة إلى أن موظفين آخرين اضطروا إلى دفع مبالغ أكبر بكثير بعد توكيل محامين.

ويقول المحامي محمد خ. من اللاذقية إن كلفة متابعة مثل هذه القضايا قد تتراوح بين 300 و400 دولار، مشيراً إلى أن الإجراءات معقدة وتتطلب التنقل بين عدة دوائر حكومية.

ويذكر محمد في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن النظام السابق أصدر عام 2022 عفوا شامل عن الموظفين التاركين للعمل، لكنه لم يشمل معظم المنشقين في الخارج آنذاك لأنه كان يحتاج إلى تقديم طلب شخصي منهم ومع ذلك، ما يزال بالإمكان الاستفادة من هذا العفو اليوم، رغم عدم صدور أي قرار جديد من الحكومة الحالية لأنه لايزال يتم العمل بالقوانين السابقة وهذا ما نقوم به نحن كمحامين.
وأوضح: “نعمل على فتح ملف تنفيذي فيه وكالة وصورة مصدقة عن قرار الحبس وطلب تشميل بالعفو مستند فيه مع قرار مرسوم العفو وبأي سنة صدر, وبعد الانتهاء من الإجراءات جميعها وصدور قرار التشميل بالعفو نأخد صورة مصدقة عنه نقدمها للجنائية التي بدورها تعمم القرار وتزيل اسمه من قائمة المطلوبين”.

قصص مشابهة 
قصص مشابهة يرويها موظفون آخرون، مثل زينب أصلان التي كانت تعمل في مديرية صحة اللاذقية وواجهت عراقيل على الحدود، أو أحمد رياض الموظف في مؤسسة الكهرباء الذي دفع 400 دولار لإلغاء حكم بحقه، وينتظر الآن قراراً يسمح له بالعودة إلى وظيفته.

إلى جانب الكلفة المادية، يصف الموظفون المنشقون معاناتهم بأنها “تعب جسدي ونفسي” لا يقل خطورة. إذ يضطرون إلى التنقل بين عدة محافظات ومؤسسات حكومية للحصول على الأوراق المطلوبة، في وقت يعيشون فيه ظروفاً صعبة بعد سنوات من التهجير أو الغياب عن البلاد.

ويعتقد موظفون التقاهم موقع تلفزيون سوريا أن استمرار هذه الأحكام سيعطل استفادة المؤسسات الحكومية من كوادرها، فغالبية المنشقين يحملون خبرات طويلة في مجالات التعليم والصحة والزراعة والكهرباء. وبالتالي، فإن رفع هذه العوائق من شأنه أن يسرّع اندماجهم مجدداً في سوق العمل ويسهم في سد النقص الكبير بالكوادر الذي تعاني منه الدولة بعد سنوات الحرب.
تُظهر هذه الشهادات أن عودة الموظفين المنشقين إلى وظائفهم ما زالت محاطة بتعقيدات قانونية وإدارية، في ظل غياب تشريعات واضحة أو عفو شامل يلغي الأحكام القديمة. وبين رغبتهم في استعادة حياتهم المهنية والقيود التي تفرضها الأحكام القضائية، يبقى مصير هؤلاء الموظفين معلّقاً على قرارات حكومية لم تصدر بعد. وفي الوقت الذي ينتظر فيه آلاف الموظفين حلاً شاملاً، يتطلع الجميع إلى خطوة رسمية جريئة تزيل هذه الأحكام تلقائياً، وتفتح الباب أمام عودتهم إلى العمل من دون تكاليف إضافية أو معاناة جديدة.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى