من الاتفاق الأمني إلى “خفض التصعيد”

عدنان علي

أخفقت المفاوضات بين الجانبين السوري والإسرائيلي في التوصل إلى اتفاق أمني شامل، ويتجه الحديث إلى محاولة الوصول لاتفاق “خفض تصعيد”، بمعنى اتفاق مؤقت، وهذا يبدو منطقياً أكثر، لأنه لوهلة بدا وكأن الجانب السوري يتجه إلى التوقيع على اتفاق أمني مستعجل فقط لإرضاء الرئيس الأميركي الذي كان يود الإعلان عن مثل هذا الاتفاق في نيويورك خلال اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ليضع ذلك في سجله، وهو يسوّق نفسه كرجل الصفقات ورجل السلام، في سعيه للحصول على جائزة نوبل للسلام.

ووفق تقارير صحفية، فقد اصطدمت المحادثات بين الجانبين بجملة مطالب إسرائيلية، مثل فتح “ممر إنساني” إلى محافظة السويداء جنوبي سوريا، وهو ما رفضته سوريا باعتباره انتهاكاً لسيادتها، إضافة إلى تمسك الاحتلال بالاحتفاظ بقمة جبل الشيخ التي سيطر عليها في الأسابيع الأولى بعد سقوط نظام الأسد، مع محاولة توسيع المنطقة العازلة وحظر وجود سلاح ثقيل في مساحات واسعة جنوبي البلاد، ومساحات أوسع يُمنع فيها تحليق الطيران الحربي السوري، بما فيه المروحي، مع الاعتراض على إدخال أنظمة رادار متقدمة إلى سوريا قد تشكل تهديداً للطيران الحربي الإسرائيلي!

ينبغي عدم الركون إلى الضامن الأميركي الذي لم يضمن أمن دولة حليفة له مثل قطر، فما بالك بدولة حديثة عهد بالعلاقة مع الولايات المتحدة مثل سوريا.

ووفق تقارير إسرائيلية، فإن مساحة الأرض التي استولى عليها جيش الاحتلال في سوريا منذ سقوط نظام الأسد نهاية العام الماضي بلغت 400 كلم مربع أقام فيها 10 قواعد عسكرية، من جبل الشيخ شمالاً إلى درعا جنوباً.

ويزعم الجانب الإسرائيلي أنه يحتاج إلى الاحتفاظ بـ”منطقة سيطرة” على عمق 15 كم داخل الأراضي السورية، لضمان عدم إطلاق الصواريخ نحو الجولان، إضافة إلى الاحتفاظ بـ”منطقة نفوذ” تمتد نحو 60 كم داخل الأراضي السورية تكون خاضعة للسيطرة الاستخباراتية الإسرائيلية للتأكد من عدم نشوء تهديد لإسرائيل في المستقبل.

وعشية سفر الرئيس أحمد الشرع إلى نيويورك، أثيرت توقعات عن احتمال اجتماعه مع رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، تحت الضغط الأميركي، خصوصاً إذا توصلت المحادثات إلى اتفاق أمني كامل.

والواقع أنه حتى لو أمكن الوصول إلى هذا الاتفاق، فلا ينبغي “النوم في العسل” مع إسرائيل التي لا تكف عن التآمر على دول عربية وقّعت معها اتفاقيات سلام كاملة منذ عقود. كما ينبغي عدم الركون إلى الضامن الأميركي الذي لم يضمن أمن دولة حليفة له مثل قطر، فما بالك بدولة حديثة عهد بالعلاقة مع الولايات المتحدة مثل سوريا. ولا ننسى أن واشنطن، والرئيس ترامب بالذات، لا يجد حرجاً في إعادة تكييف مواقفه مع المواقف الإسرائيلية، حتى لو تعارضت مع الموقف الأميركي، كما حصل مراراً خلال اتفاقيات الهدنة في قطاع غزة.

وفي السياق أيضاً، ينبغي ألا يكون هناك أوهام مبالغ فيها بأن الاتفاق مع إسرائيل سوف يجنبنا شرورها، ويفتح الأبواب المغلقة أمام سوريا في المحافل الدولية، خصوصاً أن إسرائيل باتت دولة منبوذة في العالم، والتقرب منها ليس ميزة إيجابية كما كان يعتقد البعض سابقاً، ورأينا كيف تركت معظم الوفود مقاعدها في الأمم المتحدة حالما وقف نتنياهو لإلقاء كلمته، احتجاجاً على جرائم حكومته في قطاع غزة.

وما ينبغي ملاحظته أيضاً أن أي اتفاق أمني سيكون، وفق التفكير الإسرائيلي، مجرد مدخل أو فاتح شهية لمحاولة انتزاع سوريا من موقعها العربي الإقليمي (محور الرياض – الدوحة – دمشق – أنقرة)، وزجها في محور إسرائيلي بدعوى محاربة الإرهاب، أي استخدام سوريا لمحاربة القوى التي تصنفها إسرائيل معادية لها مثل حماس وحزب الله وحتى إيران، في وظيفة تشبه وظيفة السلطة الفلسطينية في رام الله التي تورطت بالتنسيق الأمني مع إسرائيل. والواقع أن هذا الدور لسوريا تجري مناقشته علناً في الولايات المتحدة مع إسرائيل، وهو يقف جزئياً وراء الحماسة الأميركية لرفع العقوبات عن سوريا، ضمن رؤية أميركية أشمل للشرق الأوسط الجديد، الخالي من إيران وروسيا وأتباعهما.

إن الخسائر التي قد تنجم عن عدم التوصل إلى اتفاق أمني أو “خفض تصعيد” بشروط معقولة، تبقى أقل من تكبيل البلاد باتفاق يعطي شرعية للاعتداءات الإسرائيلية التي تريد حكومة الاحتلال تحويلها إلى سياسة اعتيادية لا تستدعي أي احتجاج سوري.

السؤال: ما هي الخيارات أمام الجانب السوري؟ التفاوض بشروط مختلّة أم رفض التفاوض؟

وبطبيعة الحال، من العقلانية قبول التفاوض، لأن البديل هو تواصل العربدة الإسرائيلية في سوريا. لكن من غير المنطقي قبول الشروط الإسرائيلية المنتهكة للسيادة السورية. وربما من الحكمة محاولة “تمرير” الوقت مع هذه الحكومة المتطرفة في إسرائيل ومحاولة التوصل إلى تفاهمات شفهية للتهدئة، دون التوقيع على أية اتفاقيات مكتوبة ملزمة تمنع الدولة السورية من نشر قواتها في جنوب دمشق ومن تسيير طيرانها الحربي في الجنوب السوري، والتنازل عن قمة جبل الشيخ كما تطلب حكومة الاحتلال. أي إعطاء المفاوضات وقتها لشهور إضافية ريثما ترحل حكومة نتنياهو المتطرفة، التي تستشعر بقوتها وتريد تغيير الشرق الأوسط على هواها، ومن ثم محاولة التفاهم مع الحكومة الإسرائيلية المقبلة التي ستفرزها الانتخابات في أكتوبر العام المقبل.

وما يساعد على ذلك، أن حكومة نتنياهو نفسها غير متحمسة للتفاوض مع الجانب السوري في هذه المرحلة، وقد انخرطت في المفاوضات تحت الضغط الأميركي، لأنها لا تريد التقيد بأية اتفاقيات خلال هذه الفترة التي تراها مرحلة ضعف للحكومة السورية، ويمكنها خلالها فعل ما تريد في الأراضي السورية ومحاولة هندسة المنطقة الحدودية أمنياً وديموغرافياً، أي تدمير ما تبقى من أهداف عسكرية، وإقامة تحصينات ونقاط عسكرية داخل الأراضي السورية، إضافة إلى الضغط لتهجير السكان غير المرغوبين من خلال التوغلات اليومية والمضايقات والاعتقالات، مع تقريب ودعم بعض المجموعات السكانية على أسس طائفية، امتداداً لتدخلها في محافظة السويداء.

إن الخسائر التي قد تنجم عن عدم التوصل إلى اتفاق أمني أو “خفض تصعيد” بشروط معقولة، تبقى أقل من تكبيل البلاد باتفاق يعطي شرعية للاعتداءات الإسرائيلية التي تريد حكومة الاحتلال تحويلها إلى سياسة اعتيادية لا تستدعي أي احتجاج سوري.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هل أخفقت المفاوضات بين السوريين والإSرائيليين للتوصل إلى اتفاق أمني شامل؟، هل الحديث عن اتفاق “خفض تصعيد” بمعنى اتفاق مؤقت يضمن وقف إعتداءات قوات الإحتلال؟ ويحقق الأجندة الأمريكية للسلام بالمنطقة؟ الإدارة الأمريكة وخاصة الترامبية مستعدة للكذب والنفاق والخداع لتحقيق أجندتها، ولا يؤمن جانبها بأي إتفاق أو تعهد .

زر الذهاب إلى الأعلى